• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حماية الطفل من مخاطر العالم الرقمي

حماية الطفل من مخاطر العالم الرقمي
في إمكان المدرِّسين وأولياء الأمور، إيجاد مهارات آمنة وفاعلة تُساعد الأهل على حماية أطفالهم من مخاطر العالم الرقمي ومحو الأميّة الرقميّة عندهم. إنّ محو الأمية الرقمية هو مصطلح شامل، يعني القدرة على استخدام وتطبيق التكنولوجيا والإنترنت، حتى يتمكن الشخص من التنقُّل عبر مواقعه الرقميّة. ويمكن تعليم هذه المهارة بشكل مباشر، ومن خلال تقديم النماذج الجيدة أيضاً. أصبح أطفال هذا الجيل في حاجة ماسة إلى المعرفة الرقمية، ويتوقون بشدّة إلى تعلُّم هذه المهارة، لأنها في إمكانها مساعدتهم على ترتيب شؤونهم الحياتية بذكاء أكثر، وتجعل استخدامهم التكنولوجيا أكثر فاعلية وأمناً، وهذا ما نريده لأطفالنا. هناك صفات معيَّنة يتوجّب على الأطفال تطويرها حتى يتمكنوا من السيطرة على العالم الرقمي، الذي ينمون ويكبرون فيه. وفي الواقع، لا تختلف هذه الصفات كثيراً عن تلك التي نحتاج إليها لتنمية نوعية من الأطفال، كنّا نرغب في تنشئتها منذ أجيال ماضية. والفرق هو، أنّ هذه الصفات ذاتها هي عرضة للتهديد من قِبل العديد من الآثار الجانبية للتكنولوجيا الجديدة. إلا أنّ هذه الآثار غير مقصودة. ونتيجة لذلك، يجد الأهل صعوبة كبيرة في تطوير هذه المواصفات عند أطفالهم. من الصفات التي تلعب دوراً أساسياً في تطوّر الطفل في العالم الرقمي، وربما يكون دورها أكثر أهمية في هذا العالم الجديد الذي تُهيمن عليه التكنولوجيا: القيَم، الهوية الذاتية، التفكير، العلاقات، الحَذَر في استخدام شبكات التواصُل الاجتماعي. بالتأكيد، هناك مواصفات أخرى مهمة تُسهم في تطوير الطفل تطوراً صحياً. ولكن، قد تبدو هذه المواصفات الأكثر تأثراً بـ"الجانب المظلم" للتكنولوجيا. المؤسف في الأمر، أنّ معظم الأهل يسمحون لأطفالهم باستعمال الأجهزة الرقمية في سن مبكرة جدّاً، وفي الأغلب، بحجة أنّ التكنولوجيا تجعل من الأطفال أشخاصاً أكثر ذكاء واطّلاعاً وعلماً ومعرفةً، وأنهم مُؤهّلون جيِّداً للنجاح في العالم الرقمي. لكنهم في الواقع يُسيئون إلى أطفالهم، بجعل أدمغتهم مُطوّقة وعقولهم مُبرمجة بطُرق تجعل عالمهم مقصوراً على العالمين الرقمي والمادي فقط، إضافة إلى أنّ التكنولوجيا، بحسب اعتقاد البعض، تجعل الطفل غبيّاً وليس واعياً.   -        الحماية والإعداد: لا تستطيع الأُم أن تفصل طفلها أو نفسها عن التكنولوجيا، كما لا يمكنها (ولا تُريد) أن تمنعه من دخول العالم الرقمي واستخدام أجهزته المتعددة، من "آي فون" و"آي باد" و"كمبيوتر".. إلخ. ما يمكنها فعله هو اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة عند نقطة تقاطُع التكنولوجيا مع عالم الطفل. هناك أهداف عديدة لتطوير مهارة الطفل في استخدام التكنولوجيا، منها، في الدرجة الأولى، تحفيز وتثقيف الأُم في هذا المجال، حتى تتمكن من حماية طفلها من النواحي "السّامَة" للتكنولوجيا، إلى أن ينضج ويصبح قادراً على استخدام هذه الأشياء الرائعة المدهشة، وفي الوقت نفسه تجنّب مخاطرها العديدة. فكما أن هدف الأُم من وضع حدود واعتماد قوانين مُعيّنة هو حماية طفلها جسدياً، لأن نتائج المخاطر حقيقيّة وفوريّة، وقد تكون مأساوية (مثل عدم السماح لطفل صغير بالتنقّل وحده في الشارع خوفاً على حياته)، فإنّ على الأُم تطبيق المنطق نفسه على مخاطر التكنولوجيا. إذ من الممكن أن يتعرض الطفل لمخاطر أثناء تنقّله بين موقع وآخر عل شاشة الكمبيوتر. وقد لا تكون مضار التكنولوجيا فوريّة، لكنها لا تقل أهمية عن مخاطر الشارع. نتيجة لذلك، يجب أن تضع الأم الحدود المناسبة لتجارب طفلها مع هذا العالم الجديد المجنون، لحمايته نفسيّاً وعاطفياً وفكريّاً واجتماعياً. ثانياً، يجب أن تغرس الأُم في طفلها القيَم والمواقف والمعرفة والمهارات، لتحضيره لدُخول عالم سيبقى التغيير التكنولوجي هو السائد فيه. وإذا كان الطفل يستخدم الشبكات الاجتماعية، والرسائل الفورية، والرسائل النصيّة، وكاميرات الويب، والمدونات، يصبح احتمال تعرّضه للأذى كبير جدّاً. وأفضل طريقة لمساعدته هي أن تستخدم الأُم نفسها التكنولوجيا، حتى تتمكن من معالجة بعض الشؤون الخطرة المتعلقة بالسلامة. صحيح أنّ الإنترنت غَيّرت كل جانب من حياتنا بشكل جذري، إلا أنها سيف ذو حَدّين. لذا، يجب على كل مَن يهتم بالطفل، والأُم على وجه الخصوص، ألا يتغاضى عن الوقت الذي يمضيه الطفل على الإنترنت، وألا يُهمل التحدّيات الناجمة عن تدفّق المعلومات الرقمية بطريقة جنونية. وبالتأكيد، هناك فوائد جَمّة يمكن أن يجنيها الطفل من التكنولوجيا، والتي يمكن أن تُفيده مدى حياته، في حال عرف كيف يستفيد من شبكة الإنترنت للوصول إلى المعلومات، والأشخاص، والمهارات الصحيحة. ولكنْ هناك أيضاً، جانب قبيح لاستخدام الإنترنت لا يمكن إنكاره، سببه عدم تصفية المعلومات الموجودة على الشبكة واسعة الانتشار. لذا، نجد أنّ الأهل المسؤولين، الذين يُدركون المخاطر المحتملة لهذه الشبكة، يبذلون أقصى جهد ممكن لحماية أطفالهم من مكان أصبح فيه كل تعليق وصورة وشريط فيديو يُنشر على الشبكة، مُتوافراً دائماً وسهل الوصول إليه، على مستوى العالم كله. ووفقاً لدراسة جديدة أجرتها "مكافي"، شركة الإحصاء الأميركية، على مستوى العالم، تَبيّن أنّ 49 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات وثلاث وعشرين سنة، دخلوا في نزاع مع صديق، أو أنْهوا علاقة صداقة، أو واجهوا مشاكل، أو شعروا بأنهم مُهدّدون أثناء تواصُلهم على شبكة الإنترنت. وكما هي الحال مع أي خطر، فإنّ عبء مساعدة الطفل على التنقّل عبر شبكات الإنترنت بطريقة آمنة، يقع في المقام الأوّل على عاتِق الأُم، ثمّ على الأشخاص المسؤولين عن رعاية الطفل. وحتى تُدرك الأُم فعلاً المخاطر التي يواجهها الطفل في هذه الأيام، عليها أن تعرف مدى تطوره. بالتالي، قدرته على استخدام الأجهزة الرقميّة بشكل صحيح. إذ أصبح أطفال هذا الجيل يمضون معظم أوقاتهم في غُرفهم المغلقة، يلعبون على جهاز الكمبيوتر أو أي جهاز رقمي آخر، ويطّلعون على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدمون "الفيسبوك" ببراعة شديدة قبل أن يصلوا إلى عمر الثالثة عشرة، وهي السن المسموح فيها للأطفال الصغار بالاطّلاع على العالم الرقمي، من دون مُراقبة من أحد. ويلعب الأهل دوراً حاسماً في توجيه أطفالهم حول المخاطر المحتملة للإنترنت، والطلب منهم أن يكونوا حذرين جدّاً عند استخدام الشبكة. وقد لا يُدرك العديد من المراهقين والمراهقات، أنّ كل ما ينشرونه من صور وتعليقات على مواقفعهم الخاصة، يمكن تعميمه ليراهُ كل شخص يستخدم الأجهزة الرقمية. لذا، يجب على الأُم أن تُعيد النظر في الصورة التي تُريد لابنها أن يبدو عليها، وفي القيَم والوضع الصحي والمهارات التي يحتاج إليها في حياته التالية، ثمّ تَنْظُر إلى العالم الذي يعيش فيه الطفل ويكبر، وأن تسأل نفسها إن كان هذا العالم يدعم تطوره أو يُضعفه. وعلى الأُم أيضاً، أن توضّح لطفلها هذه الحقيقة وأن تُحذّره من تأثير نتائجها في سمعته على صفحات الشبكة وفي حياته الفعلية. إنّ ما يمكن أن يبدو مُسليّاً في لحظة الثرثرة، يُمكن أن يؤثر في كل شيء في حياة الطفل، من طلبات الالتحاق بالجامعات، إلى فرص العمل في المستقبل. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تَعْمَد المواقع موضع الشك إلى نشر كل معلومة أو صورة بطريقة تُسيء إلى صاحبها.  

-        المخاطر المحتملة: هناك العديد من المخاطر المحتملة لاستخدام شبكة الإنترنت على الطفل، منها: تَعرّض الطفل لـ"بَلْطَجَة" مِن قِبَل الأنداد والأشخاص الذين يتواصل معهم ويزعمون أنهم "أصدقاء"، نشر معلومات شخصية يمكن أن تسهل تحديد هوية ومكان سكن الطفل. بالتالي، تسهيل الوصول إليه، الاستمالة الجنسية، والاستدراج، والاستغلال، وسوء المعاملة من قِبل الغرباء الذين يتم التواصل معهم عبر الشبكة، التعرض لنصوص غير لائقة، التعرض لأمور عنصرية تحضّ على الكراهية، تشجيع السلوك العنيف، الإشادة ببعض الأفعال مثل تعاطي المخدرات أو شرب الكحول، الضرر الجسدي الذي يمكن أن يلحق بالأطفال الصغار، في حال طلب منهم الطرف الآخر عبر الشبكة القيام ببعض الحركات المثيرة والخطرة والسماح له بتصويرهم أثناء ذلك، الهروب من المنزل نتيجة اتصالات تلقّاها الطفل الصغير عبر الشبكة.   -        تقنيات الاستدراج والاستمالة الجنسية: بعد أن يجمع الطرف الآخر المعلومات الشخصية عن الطفل، مثل اسمه وعمره وعنوانه ورقم تليفونه واسم مدرسته ووضع الأهل والحالة الاجتماعية.. إلخ. يبدأ في محاولة استدراجه واستمالته للاعتداء عليه، مستخدماً أساليب تُغري الطفل بالاستجابة لمحاولات هذا الشخص. ومن هذه الأساليب: الوعد باصطحاب الطفل لمشاهدة مباراة رياضية يُشارك فيها لاعبه المفضّل، تعرُّفه إليه وأخذ صور له مع هذا اللاعب، أو الوعد بشراء شيء له، وتقديم تذاكر له لحضور حفل موسيقي، وتقديم هدايا عينيّة، مثل العاب إلكترونية، وبرامج موسيقية، وأفلام.. إلخ ودفع الطفل إلى الظهور عارياً أمام كاميرا الجهاز الرقمي، والقيام ببعض الأفعال المثيرة بعد وعده بمساعدته لتحقيق أحلامه، واللجوء إلى أسلوب التخويف والتهديد، مثل القول للطفل إنّ عنوان منزله واسم مدرسته معروفان. لذا، في الإمكان الوصول إليه بسهولة، وتهديده بفضح تصرفاته أمام الأهل، ونشر صوره على مواقع الشبكات الاجتماعية. إنّ الأهل الذين يراقبون بدقة تصرفات وعادات أطفالهم على شبكات الإنترنت، يساعدون فعلياً على توفير الأمان لهم، وعلى حمايتهم من المخاطر المحتملة إلى حد كبير. إنّ مُجرّد اطّلاع الأم على ما يفعله أطفالها على شبكة الإنترنت، يمكن أن يُحسّن من تطرّفه إلى حد كبير. وحتى تكون الأم مَلاذاً حقيقياً وآمناً لطفلها، من المهم أن تَطّلع دائماً على ما هو جديد وعلى البدائل الآمنة، والأهم ربما، أن تطّلع وتتعرّف إلى ما يتعلم طفلها بالاختبار، على شبكة الإنترنت وخارجها. إنّ التواصُل بانتظام، والمشاركة الدائمة، هما المفتاح للرعاية الناجحة، خاصّةً في ظل هذا العدد الكبير من التهديدات الجديدة على شبكة الإنترنت وخارجها. إنّ إجراء أحاديث صادقة وصريحة حول السلوك المقبول أثناء استخدام الإنترنت، هو أسلوب ممتاز لتأكيد الطريقة الصحيّة والآمنة، التي يُمكن أن يسلكها الطفل في تعامله مع العالم الرقمي المعقَّد. وعند إجراء مثل هذه الأحاديث، على الأُم أن تُوضح لطفلها أنّ الأشخاص على شبكة الإنترنت لا يبدون دائماً على حقيقتهم، وألّا وجود للخصوصيّة عندما يتعلق الأمر بنشر أي شيء على شبكة الإنترنت. فبغض النظر عمّا يُنشر، يبقى موجوداً على الشبكة إلى الأبد، ويسهل على كل مَن يستطيع استخدام الشبكة في جميع أنحاء العالم، الاطّلاع عليه.

ارسال التعليق

Top