• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القيمة الإنسانية لفضيلة الصبر

عمار كاظم

القيمة الإنسانية لفضيلة الصبر

يمثل الصبر القيمة الإنسانية التي ترتفع بالإنسان إلى مواقع رضا الله، لأنّه عزّ وجلّ يريد للإنسان أن يكون قوياً أمام التحدّيات، سواء في تحدّي النفس الأمّارة بالسوء التي تجرّ الإنسان إلى خطّ الانحراف والبعد عن الله تعالى والتمرد عليه، أو في ما يواجهه الإنسان في حياته من المصائب والمشاكل والخسارة وكلّ أنواع البلاء من المرض وغيره. يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155-157).

إنّ الله تعالى يريد للإنسان أن يتماسك ولا يسقط أمام أيِّ حادثٍ يحدث له، أو أمام أيّ مشكلة تعرض له، أو أيّ شعور يتحرّك في داخل نفسه ليقوده إلى بعض الأعمال السلبية. فقد يواجه الإنسان بعض حالات الخوف، سواء من خلال ضغط القوى الظالمة، أو من خلال بعض الأوضاع التي يخاف فيها الإنسان على نفسه أو أهله أو مواقعه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ)، وذلك عندما تتهدَّد المجاعة المجتمع من خلال الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تنال الواقع.

صبر رسول الله في مواجهة التحدّيات

هناك حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، يتحدّث فيه عن أسلوب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواجهة الأوضاع التي كان المشركون يتحدونه فيها، وكان الله تعالى يواكب آلام نبيّه وأحزانه ومواقفه، فيُنزل عليه في كلِّ مرحلة من المراحل آيةً، يقول (عليه السلام): «إن من صَبَر صَبَر قليلاً ـ لأن العمر مهما امتدَّ فإنّه قصير ـ وإن من جزع جزع قليلاً». ثم قال (عليه السلام): «عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً فأمره بالصبر والرفق»، فقال تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا ـ ليس فيه قسوّة أو شدّة ـ وَذَرْنِي وَالمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) (المزمل/10-11) ـ فقد تكفّل الله سبحانه بمواجهة من غرّتهم أموالهم والنعم المغدَقة عليهم ـ وقال تبارك وتعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصِّلت/ 34-35) ـ فقد أمره الله سبحانه بالصبر على التحدّيات، ليكون أسلوبه مع أعدائه الأسلوب الذي يحوّلهم إلى أصدقاء.

ملازمة الصّبر للإيمان

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه ـ كأن الله يمثّل الصلاة كشيء حيّ ـ والزكاة عن يساره، والبرّ مُطلٌّ عليه، ويتنحى الصبر ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه». وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنه قال: «الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسنٌ جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم الله عزّ وجلّ عليك ـ عندما تشتهي نفسك الحرام فتصبر وتشعر بالحرمان ـ والذكر ذكران: ذكر الله عزّ وجلّ عند المصيبة ـ أن يقول: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156) ـ وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرّم عليك فيكون حاجزاً». وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «لما حضرت أبي علي بن الحسين الوفاة، ضمّني إلى صدره وقال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به: يا بني، اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً». فالحقّ مكلف، لأنّ النّاس قد يكونون ضدّ الحقّ، فإذا تكلمت بكلمة الحقّ، فقد يتّهمونك ويضطهدونك، فإذا واجهت ذلك كلّه فعليك أن تتماسك.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان». وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنّم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذَّتها وشهوتها دخل النار». هكذا يريد الله تعالى للإنسان عندما يواجه الحياة، في كلّ مشاكلها ومتاعبها وخسائرها وأوضاعها ومصائبها، أن يواجهها بالصبر وإرجاع الأمر إلى الله، وقد حدّثنا الله تعالى عن الصابرين في البأساء والضراء، لذلك علينا أن نعيش إنسانيتنا بقوة، وأن نعيش الانفتاح واللجوء إلى الله في كلّ شيء، فهو حسبُنَا ونعم الوكيل.

 

ارسال التعليق

Top