مرحلة الشباب هي مرحلة تمتاز بوفرة الصحّة، وفورة النشاط؛ فلكلاهما نفس العِبرة، هو أن تستفيد ممّا لديك من قدرات قبل أن يستنفدها الزمن ويُضعفها العجز. ولكي يتألق الشاب اجتماعياً فيكون هذا مشروط بعدّة ظروف وعوامل لابدّ من توفرها في وقتها، وهي متاحة ومتوفرة إذا ما أراد الشاب استثمارها، ومن هذه الشروط والعوامل هي اكتساب العلم والمعرفة. قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة»، فالعقل والفكر اللذان يُحرِّكان الإنسان غذاؤهما وزادهما العلم والمعرفة، وبدونهما يعيش العقل حالة من الظُّلمة والتخبط، وبالتالي يشعر الإنسان أيضاً بحالة من الضياع. إنّ العلم ينتج آفاقاً واسعة للإنسان يستطيع من خلالها أن يُحدِّد الطريق الأفضل. ويمكن الحصول على العلم والمعرفة من خلال الإخلاص، والجهد، والمثابرة، وعدم اليأس.
وامتلاك الإرادة القويّة من العوامل المهمّة أيضاً حيث إنّ الشاب والفتاة يعانيان كثيراً من الضغوط والاغراءات؛ ولكنّهما إذا استطاعا المقاومة وتحدّي تلك الاغراءات.. فهذا دليل تحقيق النجاح في أيِّ ظرفٍ كان. إنّ القرآن الكريم، يقصّ علينا جانباً من تلك الظروف الخطيرة التي عاشها نبيّ الله يوسف (علیه السلام) في منزل عزيز مصر.. يقول تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأًتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللهٍ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف/ 21-23)، ويستمر القرآن الكريم في سرد القصّة، لأهمّية الموقف، إلى أن يقول عن لسان زليخا زوجة عزيز مصر: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف/ 32-34). وهكذا طلب يوسف (عليه السلام) من الله سبحانه، أن يعينه على مقاومة أجواء الانحراف، واستجاب الله تعالى له وتغلَّب على تلك الظروف؛ ولكنّه تحمَّل قسوة السجن الطويل، بإرادة قويّة.
إنّ ممارسة الدور الاجتماعي يؤدي إلى بناء الشخصية وتنمية الكفاءة والخبرة.. فنبيّنا الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حينما أراد أن يبعث سفيراً عنه اختار مصعب بن عمير الشاب المجاهد ليكون سفيره على المدينة، ويُهيئ يثرب لتكون منطلق الإسلام، ويأتي مصعب الشاب في تلك الظروف الحرجة إلى المدينة، متحملاً تلك المسؤوليات الضخمة، وقد وفّقه الله تعالى للنجاح في مهمّته بإيمانه الصادق، وجهاده الدؤوب.
ومن أهم قواعد النجاح إنجاز الأعمال في وقتها المناسب، أمّا تأجيل الأعمال أو تأخيرها وهو ما يطلق عليه (التسويف)، من أخطر الآفات التي تؤدّي إلى فوات الفرص، وهدر الوقت الذي لا يُعوَّض بثمن، والحرمان من النجاح، فما أكثر الذين خسروا مستقبلاً زاهراً لا لشيء إلّا لأنّهم فوّتوا فرصاً وأجّلوا أعمالاً.
إنّ مرحلة الشباب تمتاز بأنّها أقوى وأجمل مرحلة يعيشها الإنسان، إذ هي مرحلة الظهور والتألق في مجالات الحياة إن استطاع الشاب والفتاة أن يعيشها بعلم، وإرادة قويّة، وعمل صالح في المجتمع، ونبذ التسويف، وهي المرحلة التي ستحدد جزءاً كبيراً من مستقبل الإنسان.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق