• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام المناهض الأوّل للتمييز العنصري

عمار كاظم

الإسلام المناهض الأوّل للتمييز العنصري

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13). إنّه حديث إلهيّ عن التنوّع والتمايز الذي يريد الله تعالى من خلاله الملتقى التعارفي بين الناس من أجل تكامل الإنسانية من دون أن يؤدِّي ذلك إلى التمييز بينهم، والذي ينحصر في نظرة الله تعالى في عنوان واحد هو «التقوى». فقد رفض الإسلام أنواعاً كانت وما زال العديد منها عنواناً للتمييز السلبي بين الناس.

كان الجاهليون يميّزون بين الذكر والأُنثى بأبشع أنواع التمييز الذي يعبِّر عنه القرآن الكريم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل/ 58-59). وكانوا انطلاقاً من هذه النظرة يقترفون أبشع أنواع الجرائم التي يعبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير/ 8-9). وجاء الإسلام ليرفع هذا التمييز البغيض، وليعطي القيمة المعنوية للأُنثى، فتعبيراً عن النظرة الإلهيّة قال سبحانه: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) (آل عمران/ 195). وعن بيان قيمة الأُنثى ومكانتها، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «خيرُ أولادكم البنات».

وهناك التمييز الذي عانى منه العالم قديماً وما زال يعاني منه أصحاب البشرة السوداء في كثير من بلدان العالم. وقد رفع الإسلام منذ بداية الدعوة شعار«لا فرق بين أسود وأبيض إلّا بالتقوى». ومن المشهور في السيرة أنّه جُعِل المؤذّن الأوّل، وصاحب نداء التوحيد الإلهيّ بلال الحبشي الأسود البشرة. وفي كربلاء تردّدت كلمة جون الأسود خارقة جدران التاريخ حينما وضع الإمام الحسين (عليه السلام) خدّه على خدّه وهو يشارف عتبة الشهادة: «مَن مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي». وقال المستشرق النمساوي أوبرمان جوزيف في كتابه مهد الإسلام: «إنّ سيرة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أشقى الأُمور على الدارس أو الباحث؛ لأنّ نبوغه من النوع المركّب الغريب، فهو بحقّ أوّل مَن أنهى التفرقة العنصرية في قول بسيط شامل «المسلم أخو المسلم». لقد حلّ القضية بثلاث كلمات. أمّا اليوم فمشكلة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات ومئات الكُتُب دون جدوى، ويقيني أنّ الحلّ لن يأتي إلّا في القرن القادم، ولكن محمّداً حلّها منذ ثلاثة عشر قرناً».

بناءً على ما تقدّم حذّر الإسلام من احتقار أحد بناءً على المظهر والعرق واللون وغيرها. فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّ الله أخفى اثنين في اثنين، أخفى أولياءه في عباده، فلا تدري حينما تلقى أيّهم وليّاً لله». وفي حديث آخر: «أخفى أولياءه بين عباده، فلا تحقِّرن من عباده أحداً». بل رسم الإمام عليّ (عليه السلام) قاعدة للتعامل بين الناس بتصنيفه لهم: «أمّا أخٌ لك في الدِّين أو نظير لك في الخلق». وقد مارس (عليه السلام) هذا الأمر في حياته، فقد كان يصاحب في سفر له أحد النصارى، وفي الطريق أخبره (عليه السلام) بوجهة سفره، لكنّ الإمام (عليه السلام) حينما وصل إلى مفترق الطريق أكمل مسيرته مع صاحبه المسيحي، فالتفت المسيحي إلى ذلك سائلاً الإمام (عليه السلام) عن سبب عدم ذهابه في الطريق التي عبراها فأجاب (عليه السلام) بأنّ من آداب الصُّحبة أن يشيّع الصاحب صاحبه.

ارسال التعليق

Top