• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الباقر (عليه السلام).. جامعاً للكمالات الإنسانية

عمار كاظم

الإمام الباقر (عليه السلام).. جامعاً للكمالات الإنسانية

هو الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، خامس أئمّة أهل البيت (عليهم السلام). ومن أشهر ألقابه «الباقر»، لتبقّره بالعلم، أي للتوسّع فيه والتبحّر، كدلالةٍ على عمق علومه وغزارتها. لقد قدَّم (عليه السلام) إلى العالم الإسلامي في مرحلته علماً متنوّعاً غزيراً في كلِّ جوانب المعرفة الإسلامية، من فلسفة وعلم كلام وفقه، رسم للمسلمين آنذاك الخطّ الإسلامي الأصيل. بلغ الذروة في السمو نسباً وفكراً وخُلقاً ممّا منحه أهلية النهوض بأعباء الإمامة والمرجعية الفكرية والاجتماعية للأُمّة بعد أبيه (عليه السلام). فقد بلغ الذروة في الفكر والعمل والمؤهّلات القيادية التي أطّرت شخصيته كمحصلة للإعداد الرسالي المكثف الخاص الذي وفّره بيت الرسالة له من خلال أبيه السجّاد (عليه السلام).

توفّرت في شخصية الإمام (عليه السلام) جميع الصفات الكريمة التي أهّلته لزعامة هذه الأُمّة، حيث تميّزت عظمة الإمام (عليه السلام) بمواهبه الروحية والعقلية وفضائله النفسية والأخلاقية السامية ممّا جعل صورته صورة متميّزة من بين العظماء والمصلحين، كما تميّز بحسبه الوضّاح، بكلّ ما يمكن أن يسمو به هذا الانسان.  لقد قال الإمام الباقر (علیه السلام): «إنّ لكلِّ شيء قفلاً، وقفل الإيمان الرِّفق»، والرِّفق، كما هو معلوم، ضد العنف ـ إنّه اللّين ـ وحلّ الأُمور بالطُّرق السلمية، «لأنّ مَن لم يرفق يعنف». فمن الطبيعي أنّ الإنسان الذي لا يتناول الرِّفق كوسيلة، لابدّ له من أن يكون العنف وسيلته، فيعنف على الآخرين ويغضب، فيحمله الغضب على قول أو فعل يخرج الإيمان من قلبه، فالرِّفق قفل للإيمان يحفظه، فإذا أنت التزمت الرِّفق، فالرِّفق يبعد عنك كلّ مواقع السلوك التي قد تؤدِّي إلى ما يغضب الله، وإلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى. فالرِّفق صفة الله، والله يحبّ الرِّفق من عباده، ويحبّ الرُّفقاء بالناس، وإذا كنت تريد أن تحلّ مشكلة يحبّ الله لك أن تحلّها، ويجزيك بالثواب عن حلّها، فإذا حللتها بالرِّفق، فإنّ الله يعطيك من الثواب أكثر ممّا لو حللتها بالعنف. وقال (عليه السلام): «مَن أعطى الخُلق والرِّفق فقد أعطى الخير والراحة، وحَسُن حاله في دنياه وآخرته، ومَن حُرِم الخُلق والرفق كان ذلك سبيلاً إلى كلِّ شرّ وبلية إلّا مَن عصمه الله». وقال (عليه السلام): «اعرف المودّة في قلب أخيك بما له في قلبك». وهكذا كان (عليه السلام) يريد من المؤمنين أن يشعروا بأنّ قصّة الأخلاق تتّصل بالإيمان اتصالاً وثيقاً، فمن حَسُنت أخلاقه كَمُل إيمانه، ومَن ساءت أخلاقه كان إيمانه ناقصاً، فبمقدار ما تكون حسن الأخلاق أكثر، تكون مؤمناً أكثر، وهذا ما جاءت به الكلمة عن الإمام (عليه السلام): «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خُلقاً»، لأنّ الله يؤكّد الأخوة الإيمانية بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10).

كان الإمام الباقر (عليه السلام) من أئمّة المتقين في الإسلام، فقد عَرَفَ الله معرفة استوعبت دخائل نفسه، فأقبل على ربّه بقلب مُنيب، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الاخلاص. قال (عليه السلام): «ما من عبادة لله تعالى أفضل من عفة بطن أو فرج، وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من أن يُسأل، وما يدفع القضاء إلى الدُّعاء. وإن أسرع الخير ثواباً البرّ والعدل، وأسرع الشرّ عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يأمرهم بما لا يستطيع التحوّل عنه، وأن يؤذي جليسه بما يعنيه». فمن أراد أن يكون عفيف البطن والفرج عليه أن يتسلّح بقوّة الإرادة. ومَن أراد أن يتقرّب من الله تعالى عليه بالسؤال والدُّعاء. ومَن أراد الخير له ولغيره عليه برّاً عادلاً وبذلك يبتعد عن محارم الله. وعلى المرء أن ينظر إلى عيوبه قبل أن ينظر إلى عيوب الآخرين، وعندها فلا يمكن أن يطلب منهم ما لا يستطيع التحوّل عنه وبذلك يصلح أمر المجتمع. قال (عليه السلام): «مَن صدق لسانه زكا عمله، ومَن حَسُنت نيّته زيد في رزقه، ومَن حَسُن برّه بأهله زيد في عمره». كان الإمام (عليه السلام) يناجي الله تعالى في غَلَس الليل البهيم، وكان ممّا يقوله في مناجاته: «أمرتني فلم أئتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك».

ارسال التعليق

Top