• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مقارنة بين الموقفين «عرفات» و«المحشر»

عمار كاظم

مقارنة بين الموقفين «عرفات» و«المحشر»

 1- في (عرفات) (نداء) و(استجابة)، و(أمرٌ) و(امتثال)، وفي (المحشر) نداءٌ واستجابة وأمرٌ وامتثال، لكن في عرفات الاستجابة طوعية.. هناك مَنْ استجاب وهناك مَنْ لم يستجب، أما في المحشر، فالاستجابة عنوةٌ وقسرية لا تخلّف فيها لأحد.

2-  على صعيد (عرفات) يجتمع الناس من كلّ مكان في الأرض ليلتحموا بالزمان والمكان، أما على صعيد (المحشر) فيُجمع الأوّلون والآخرون من لدن (آدم) حتى آخر (آدميّ).. عرفات بهذا المنظور صورةٌ مصغّرةٌ للمحشر.

3- في (عرفات) الكلّ في زيٍّ موحّدٍ يجمع بين (القِماط) وبين (الكَفن).. في (المحشر) عراة حفاة، في عريٍ فاضحٍ كمولودٍ قبل أن يُلفّ بقِماطه، وكميّت قبل أن يُلفّ بأكفانه.

4- في (عرفات) كلّ العيون شاخصة لنزول الرحمة والمغفرة يحدوها الأمل والرجاء والثقة وحُسن الظنّ بالله، وفي (المحشر) كلّ العيون شاخصة والأعناق مشرأبّة والقلوب واجفة راجفة في انتظار إعلان النتائج، والرجاء في (عرفات) في رحمة الله مضاعف لكنه يتضاعف درجاتٍ عُليا وكبرى في ساحة المحشر. ولأنّ عرفات محفلٌ دعائيٌ تضجُّ فيه الأصوات بالضراعة والابتهال والتوسل إلى الله، فإننا بصفتنا ضيوفاً للرحمان نهتبلها فرصةً أثمن من ثمينة لندعوه بنّيات صادقة؛ يا ربّ العالمين وأرحم الراحمين..

في ساحةٍ صغيرةٍ كساحةِ عرفات أعلمتنا عن طريق نبيّك الصادق الأمين أنّ مَنْ وقفَ في عرفات وظنّ أنْ لن يُغفَر، له فقد أساء الظنّ بك!! هذا والمجالُ مفتوح بعد تلك الوقفة، ليتجدد في ساحة الحياة العطاء والرجاء والعمل، فكيف بنا إذا كانت الوقفة نهائية لا مجال فيها لعودةٍ عن ذنب وتوبةٍ من معصية، إنّ ثقتنا بك لكبيرة، وحُسنُ ظننا بك لوطيد أن تشملنا برحمتك في (الموقف) الأصعب والأعصب، حيث لا فرصة لحجّةٍ أخرى نستدرك بها بعض تقصيراتنا ونستكمل بها بعض نواقصنا.. إنّنا ندعوك بلسانٍ لم نعصكَ به.. لسان وليّك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع)، ونقول في (الموقف) الصغير بعرفات عن (الموقف) الكبير في (المحشر): «يا ربّ هذا مقامُ مَنْ لاذَ بك واستجار بكرمك، وألف إحسانك ونِعَمك، وأنت الجواد الذي لا يضيق عفوك ولا ينقصُ فضلُك ولا تقلُّ رحمتك، وقد توثّقنا منك بالصفح القديم والفضل العظيم والرحمة الواسعة، أفتراك يا ربّ تُخلفُ ظنوننا أو تخيِّب آمالنا، كلّا يا كريم، فليس هذا ظنّنا بك، ولا هذا فيك طمعنا. يا ربّ!! إنّ لنا فيك أملاً طويلاً كثيراً، إنّ لنا فيك رجاءً عظيماً، عصيناك ونحن نرجو أن تستر علينا، ودعوناك ونحن نرجو أن تستجيب لنا، فحقِّق رجاءنا مولانا، فقد علمنا ما نستوجبُ بأعمالنا، ولكن علمُك فينا وعلمنا بأنّك لا تصرفنا عنك حثّنا على الرغبة إليك وإن كنّا غير مستوجبين لرحمتك، فأنت أهل أن تجود علينا وعلى المذنبين بفضل سعتك، فامنن علينا بما أنت أهله وجدْ علينا فإنّا محتاجون لنيلك»!!

5- بعد (عرفات) نعود إلى ديارنا.. وبعد (المحشر) إمّا جنةٌ (دار السلام والقرار) وإمّا (نار) ساءت مستقراً ومقاماً. في الدنيا وبعد الوقفة العرفاتية نعودُ جميعاً فرحين إنّك غفرت لنا ما تقدَّم من ذنوبنا (ولم تجوِّز لأحدٍ منّا أن يُسيء الظنّ بأنّك لم تغفر له في الموقف العرفاتي) فكيف بنا بعد الوقفة المحشرية التي لا تملُك فيها ظُنونُنا إلّا أن تكون حسنةً في رحمتك التي ادخرت منها ليوم الفاقة (99%) من رحمتك الكلِّية، فإذا كنت برحمة الواحد بالمئة غفرت لنا ذنوبنا بموقفنا في عرفات، فإنّ ظننا وطمعنا بمغفرتك في اليوم العصيب والموقف الرهيب، لأعظم.

هذا استذكارٌ نضعه نصب أعيننا ونحن في (الموقف) في عرفات، تماماً كما ورد في خطبة النبيّ (ص) التي استقبل فيها شهر رمضان: «واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع وعطش يوم القيامة»، نتذكّر فيه ذلّ موقفنا بين يدي الله تعالى في المحشر، ونرجوه بقلوبٍ طاهرةٍ أن يجعل موقفنا في المحشر محفوفاً بالرحمة مثل موقفنا في عرفات وأكثر. ما يحسن».

ارسال التعليق

Top