• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الآفاق الروحية للعبادة

عمار كاظم

الآفاق الروحية للعبادة

إنّ القلب الإنساني دائم الشعور بالحاجة إلى الله، وهو شعور أصيل صادق لا يملأ فراغه شيء في الوجود إلّا حُسن الصلة بربّ الوجود، وهذا ما تقوم به العبادة إذا أُديت على وجهها.. فالقلب فقير بالذات إلى الله من جهتين: من جهة العبادة.. ومن جهة الاستعانة والتوكل.. فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر، ولا يلتذ ولا يطيب، ولا يسكن ولا يطمئن، إلّا بعبادة ربّه وحده وحبّه والإنابة إليه. ولو حصل له كلّ ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربّه - بالفطرة - من حيث هو معبوده ومحبّوبه ومطلوبه. وبذلك يحصل له الفرح والسرور، واللذة والنِّعمة، والسكون والطمأنينة. وهذا لا يحصل له إلّا بإعانة الله له؛ فإنّه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلّا الله، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5). إنّه لا شيء أحبّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلاهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربّها ومدبّرها ورازقها ومميتها ومحييها، فمحبّته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس؛ وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن.. فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيِّبة، والعقول الزاكية، أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا أسر ولا أنعم من محبّته والأنس به والشوق إلى لقائه. والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كلّ حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كلّ نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كلّ لذة. إنّ حبّ الإله وعبادته والتصاغر أمامه والتواضع لعظمته هو ثمرة معرفته، والمعرفة هي أساس العبادة والعبودية، معرفة الله والإقرار بأنّه خالق الكون والإنسان تُشعِر الإنسان بالعبودية لله والطاعة لأوامره، ويتجلّى هذا الأمر بأروع صورة في الصلاة، وما فيها من سجود في الحضرة الإلهيّة ومناجاة ودعاء وحمد وشكر وثناء عليه سبحانه. إنّ سرّ خَلق الإنسان والغاية من إيجاده هي عبادة الله وطاعته، هذا ما تقوله الآية المباركة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، وهذه الحكمة الإلهيّة هي نفسها أساس بعث الأنبياء (عليهم السلام): (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل/ 36). إنّ سعادة الإنسان وعزّته كافية في العبادة، والعبادة هي التجارة التي لا يربح أحد منها غير الإنسان، فالله تعالى هو الغنيّ المطلق، الذي لا تنفعه عبادة العابدين، ولا تضرّه معصية المذنبين، ألا ترى إلى المُعلِّم، حين يُوصي تلاميذه بالدرس والمطالعة، إنّما يقصد في ذلك فائدتهم وصلاحهم، ولا يعود عليه من نشاط المُجدّين وفشل الكسالى نفعاً ولا ضرراً! العبادة هي طبع الإنسان وفطرته، وهو مجبول عليها في طينته، العبادة حاجة أصيلة في الإنسان لابدّ من إشباعها، لذلك فقد يهتدي إلى الطريق الصحيح والسبيل المستقيم، وهو صراط العبودية لله تعالى، وفي هذا يكون الكمال والمنال وقد ينحرف عن الجادّة، ويتّجه إلى آلهة باطلة، فيكون الهلاك والخسران. ومن هنا جاءت بعثة الأنبياء (عليهم السلام) لتحمل معها معالم الهدى إلى الصراط الحقّ. يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «فبعث الله محمّداً بالحقّ ليخرج عباده من عبادة الأوثان عبادته».. العبادة التي هي حضور أمام خالق الكون ومالكه، وجلوس على الموائد المعنوية التي جعلها الله تعالى لعباده، لا تُؤخذ إلّا منه سبحانه، فكما أنّ عنوان البيت يُؤخذ من صاحبه، وكما أنّ الضيافة الصحيحة، هي التي يُراعى فيها رغبة الضيف وذوقه، كذلك العبادة – سواء في شكلها وكيفية أدائها، أم في مضمونها ومحتواها – يجب أن تكون وفقاً لما أراده الله وأمر به.

ارسال التعليق

Top