• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بوادر التقوى الحياتية

عمار كاظم

بوادر التقوى الحياتية

إنّ كلمة التقوى هي صبغة التجمُّع الإيماني ومحوره، وعماد تماسكه، ومبعث قوّته فالهدف من عبادة الله تعالى الوصول إلى التقوى، كما أنّ العبادة يمكن أن تكون تعبيراً عن هذه التقوى. تعتبر أيضاً مَلكة الوازع الديني التي تجعل للإنسان قوّة وصلابة في تحديد مصيره، وتدفعه للخير والصلاح في جميع الأُمور، وتمنعه عن الرذائل والمعاصي. يقول تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13) ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): «التقوى منتهى رِضا الله من عباده وحاجته من خلقه».

عُني القرآن بالتقوى عناية كبرى، وأكثر من الأمر وتوجيه النفوس إليها، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102). وذلك يكون بالتوجه إلى الله وحده في العبادة واجتناب ما يأباه من الشِّرك والخروج عن شرائعه وأحكامه العادلة. فالعدل من التقوى، قال الله تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8). والعفو من التقوى أيضاً، قال الله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/ 237). وتقوى الله لا تنحصر في مجال العبادات، بل هي زاد وشحنات من الوقود الروحي والمراقبة للذات، وأساس تقوم عليه كلّ العبادات والمعاملات والعقود، وكلّ ممارسات الإنسان في هذه الحياة بشتّى صُورها وأشكالها. يقول الإمام علي (عليه السلام): «التقوى مفتاح الصلاح». ويقول أيضاً (عليه السلام): «إنّ تقوى الله عمارة الدِّين، وعمارة اليقين، وإنّها لمفتاح صلاح، ومصباح نجاح». من جهة أُخرى إنّ التقوى هي رأس الحكمة، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «رأس الحكمة مخافة الله».

إنّ التقوى تحفّز الإنسان على الأخلاق الحسنة، ولاشكّ أنّ الأخلاق لها أثرها في الدُّنيا كما في الآخرة، عن الإمام عليّ (عليه السلام): «التقوى رئيس الأخلاق». ومنها: أنّها تبعث الرزق، وتمكّن الإنسان من تجاوز العقبات والأزمات، والتغلّب على مشاكل الحياة، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3)، ويقول تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسراً) (الطلاق/ 4).

لقد جعل الله للجنّة ثمناً، فهي للصابرين وللعاملين في سبيله، وللمجتهدين، كما أنّها لا تُعطى مجاناً، وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام) متحدّثاً مع أصحابه: «أفبهذا تريدون أن تُجاوِروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعزَّ أوليائه عنده؟ هيهات! لا يُخدع الله عن جنّتهِ، ولا تُنال مرضاتهُ إلّا بطاعتهِ».

إنّ المتقين هم الذين حاسبوا أنفُسهم، ووقفوا في خطّ الانضباط أمام أمره ونهيه، عاملين على التوازن في حياتهم بين مسؤوليات الدُّنيا ومسؤوليات الآخرة، فلم تلغِ آخرتهم دُنياهم، كما لم تلغِ دُنياهم آخرتهم، وهم الذين أطاعوا الله في كلِّ ما أمرهم وما نهاهم.

إنّ الله تعالى ركّز على التقوى العملية فيما يتّصل بالناس، لأنّ هناك تقوى تتّصل بعملك الفردي فيما تعيش من علاقات مع الناس، وهناك التقوى، كلّ التقوى، كتقوى العطاء: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) (آل عمران/ 134)، بأن تُعطي من خلال إرادة العطاء في نفسك، ولتتقرّب إلى الله بالعطاء، وأن تعطي وأنتَ تعيش في ضيق من أمرك، وأن تعطي ولو كان العطاء قليلاً: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9).

فعلينا أن لا ننسى ربّنا، ولا نغفل عمّا ينتظرنا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق/ 22). أمّا إذا كنت قد كشفت الغطاء عن عينك وقلبك في الدُّنيا، فإنّك سوف تزداد نوراً هناك. (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم/ 8).

ارسال التعليق

Top