• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوقتُ الإسرائيلي بدلُ الضائع فرصةُ الفلسطينيين الذهبية

د. مصطفى يوسف اللداوي

الوقتُ الإسرائيلي بدلُ الضائع فرصةُ الفلسطينيين الذهبية

ها قد فعلها أفيغودور ليبرمان وقدم بغبائه خدمةً جليلةً إلى الفلسطينيين، عندما ركل بنيامين نتنياهو ودفعه إلى مصيره المحتوم، وقدمه لقمةً سائغةً إلى الشرطة الإسرائيلية، لتوجه إليه اتهاماً رسمياً قبل تقديمه إلى المحاكمة، التي قد تدينه وتصدر في حقّه حكماً بالسجن، يقضيه خلف القضبان إلى جانب سلفه أيهود أولمرت، ولعلّه كان يتوقع هذا المصير ويتحسب له، لهذا كان يريد من أعضاء الكنيست بعد تشكيل حكومته أن يشرعوا «القانون الفرنسي» ليحمي نفسه من الملاحقة والتحقيق ومن المحاكمة، طالما كان رئيساً للحكومة، ولكن ليبرمان عاجله بالضربة القاضية، ووضعه في مواجهة الشرطة والقضاء، بتمسكه بشروطه وامتناعه عن التحالف معه.

ما حدث بشكلٍ أو آخر يخدم الفلسطينيين وينفعهم، ويمنح القوى الفلسطينية فرصةً قد لا تتكرر، إذا كانوا صادقين ومخلصين، وجادين وحريصين، فهي فرصة كبيرة امتن الله بها عليهم وأكرمهم بها، وربّما ما كان أحدٌ يتوقعها، بعد أن يأسوا من إمكانية النجاح في مواجهة صفقة القرن، وتحدي إدارة ترامب السيِّئة، الذي جمع دول العالم والمنطقة إلى جانبه، وقد انطلقت مشاريع الصفقة، ونظّمت مؤتمراتها، وباشرت ورش عملها المعنية بتنفيذ بنودها الاقتصادية والسياسية، حتى جاءت هذه السانحة الكبيرة، وخرج نتنياهو من اللعبة، أو على الأقل لم يعد لديه الوقت الكافي لتحويل صفقة القرن إلى واقعٍ وحقيقة على الأرض، علماً أنّه أحد أهمّ أركان الصفقة، وعليه كان يعتمد ترامب في نجاح خطته وتنفيذ بنودها.

لكن حتى لا تتحوّل هذه المنحة الكبيرة إلى محنةٍ جديدةٍ، فإنّ على القوى الفلسطينية أن تحسّن استغلال هذه الفرصة، وأن تعجل بتحويلها إلى برنامج عملٍ وطني، ومشروعٍ مشتركٍ وحدوي، فها قد أصبح أمامهم فترة من الزمن كافية، تكاد تزيد عن ستة أشهرٍ، وهي ليست فقط المدة اللازمة لإجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وتشكيل الحكومة الجديدة، بل يضاف إليها أنّ الرئيس ترامب سيكون مشغولاً في التحضير لدورته الرئاسية القادمة، وقد يكون قلقاً على مصيره فيها، فهو لا يضمن تجديد ولايته، وعليه أن يبذل جهوده لضمان غالبية الأصوات التي تكفل بقاءه في البيت الأبيض لأربعة سنواتٍ قادمةٍ، وعليه فإنّه ونتنياهو سيكونان عاجزين عن الفعل، ولن يتمكنا من الإعلان عن صفقة القرن أو المباشرة في تنفيذ بنودها.

مطلوبٌ من القوى الفلسطينية كلّها التي تدّعي أنّها تعارض صفقة القرن وترفضها، وأنّها تعمل لإفشالها وتخطط لإجهاضها، وأنّها كانت تحذّر منها وتحرّض عليها، أن تعجل في إنهاء الفرقة والانقسام، وأن تنهي القطيعة والانفصال بين رام الله وغزة، وأن توحّد القيادة السياسية، وأن تتفق على حكومةٍ واحدةٍ وتتبنّى برنامجاً وطنياً مشركاً، يحفظ الحقوق ويتمسّك بالثوابت، ويكون قادراً على التصدي لكلّ المؤامرات التي تُحاك والخطط التي ترسم لتصفية القضية الفلسطينية، ولا يجوز لأحدٍ من القوى الفلسطينية أن يستخف بالفرصة، أو أن يتباطئ في استغلالها فتضيع، إذ أنّها لن تبقَ متاحةً إلى الأبد، وهذه مسؤولية كبيرة وفرصة تاريخية نادرة.

ورغم أنّ الواقع الرسمي العربي سيِّئٌ جدّاً، ولا نتوقع له أن يتحسّن، كما لا يرجى منه الخير، إلّا أنّ الوقت المستقطع من الحياة السياسية الإسرائيلية، يساعدنا نحن الفلسطينيين عموماً في محاولة إقناع الأنظمة العربية بجريمة التساوق مع صفقة القرن، وخطيئة الإنجرار وراء الإدارة الأمريكية، وحرمة التنازل عن القدس والتفريط في الأرض والحقوق الفلسطينية.

ولعلّ هذه الأنطمة تخجل من نفسها وتتراجع عن مواقفها إذا رأت إجماعاً فلسطينياً وتوافقاً وطنياً، ليس على رفض صفقة القرن وحسب، بل على حكومةٍ وطنيةٍ واحدةٍ تشارك فيها كلّ الأطياف الفلسطينية، ووحدةٍ نضالية حقيقية بين قوى المقاومة الفلسطينية كلّها، الأمر الذي من شأنه أن يحسّن صورتنا، ويعيد الألق والبريق إلى قضيتنا، ويذهب عنا الحرج الذي كنّا نعاني منه، والصورة القبيحة التي انتشرت عنّا وظهرنا بها.

لن يغفر الشعب الفلسطيني لقيادته السياسية، ولتنظيماته العسكرية وقواه المقاومة، ولا لنخبه الفكرية المستقلة وكوادره النضالية الوطنية، إن تأخروا عن التقاط الفرصة وانتهاز اللحظة، فالقدر يخدمنا والله يكرمنا، والعدو يرتكب أخطاءً تخدمنا، ولكنّ الله لا يسمع من ساكتٍ، ولا يوفق عاجزٍ، ولا يُمكن متردّد، فلابدّ من الفعل الجاد والعمل السريع، والنيّة الصادقة والجهد المتواصل.

وليعلموا أنّ العدو مشغولٌ بنفسه، وبعض قيادته تلعق جراحها، وبعضها يتلمظ ويتربص، وغيرها يفكر في الثأر والانتقام، والشعب يخشى الفوضى والاضطراب، والمستوطنون يشعرون بالخوف والقلق، والجيش يفتقر إلى المبادرة والقرار، وكلّ القراءات تقول أنّ مُلكهم يتمزّق وكيانهم يتفكّك، وآخر أيّامهم قد اقتربت، فهل ندرك قيمة الفرصة ومنحة الوقت بدل الضائع؟.

ارسال التعليق

Top