• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إدارة الضغوط النفسية في حياتنا

إدارة الضغوط النفسية في حياتنا
مقدمة.. يواجه كل واحد منا في حياته اليومية العديد من المواقف الضاغطة في محيط العائلة أو الأسرة أو عندما نذهب إلى العمل أو نواجه إزدحاماً للمرور أو عند إنجاز المعاملات الصعبة أو عندما يواجه أطفالنا مشكلات دراسية تحصيلية.. وغيرها. هذه المواقف عامة وشائعة بيننا في حياتنا اليومية، تسبب لنا بعض الضيق والتوتر ولكن سرعان ما نتكيف معها. ولكن الذي يسترعي انتباهنا، أن هناك مواقف ضاغطة أخرى أشد حدة تسبب لنا الضغط والتوتر، ولكن لا نستطيع أن نتجاهلها أو نتكيف معها بسهولة، كأن يتعرض أحد أفراد الأسرة لمرض شديد أو لعملية جراحية أو أن يفصل الفرد من عمله أو تتعرض الأسرة للتفكك (الطلاق – الإنفصال) أو التعرض لأزمة أخلاقية أو مالية أو إلى أزمة بيئية كالكوارث الطبيعية مثل الزلزال أو البراكين أو الحريق أو أزمة سياسية كالحروب وغيرها. إنّ مثل المواقف الضاغطة قادرة على تفجير إضطراب سلوكي قد يكون حاداً ويدوم لفترة طويلة، وتختلف هذه المواقف الضاغطة بإختلاف التركيب النفسي للفرد. فبعض الأفراد لديهم القدرة والتحمل ما يكفي لمواجهة أعنف المواقف الضاغطة بقدر كبير من الإتزان، وبعضهم لا تتوفر فيهم هذه المقدرة فسرعان ما يصابوا بالإنهيار التام، ويتعرضون للإصابة الجسمية والإضطرابات الإنفعالية. ولقد اهتم علماء النفس بدراسة الأساس العصبي والكيميائي لهذه الأمراض. كما قامت الجمعية الأمريكية للطب النفسي في حقبة الخمسينات بوضع تصنيف جديد للأمراض ودرجت ضمنه فئة مرضية سميت بالإضطرابات الموقفية المؤقتة، وقصدت بها مجموعة الإضطرابات النفسية التي تظهر نتيجة مشكلات حياتية مثل حادت طلاق أو فصل من العمل أو كارثة إنهيار منزل أو زلزال. أمّا عن التفسير السيكولوجي لهذه الأمراض النفسية الفسيولوجية، فإنّه يقوم على أساس أنّ هذه الإضطرابات هي تعبير عن طاقة حبيسة غير مشبعة أو تعبير عام عن توتر وقلق لم يتم التعبير عنه بالوسائل المباشرة، بمعنى أنّ هذه الإضطرابات أشبه بالأعراض العصابية، وإن اتخذت صورة للتعبير الجسمي. كما أن هؤلاء الأفراد الذين يصابون بمثل تلك الأمراض قد يكونون مهيئين أكثر من غيرهم للتعبير الجسمي أكثر من التعبير السلوكي العصابي. أو قد لا يعود ظهور الأعراض العصابية إلى إصابة عضو معيّن في الجسم بسبب ضعفه التكويني بقدر ما يعود إلى أن وظيفة هذا العضو لها علاقة بالموقف الإحباطي "الضاغط" الذي سبب هذه الإضطرابات.   - تعريفات عن الضغط والتوتر:   الضغوط النفسية: هي تلك العوامل الخارجية والداخلية الضاغطة على الفرد ككل أو على أي عضو فيه، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالتوتر أو الإختلال في تكامل شخصيته، وعندما تزداد شدة هذه الضغوط فإن ذلك قد يفقد الفرد قدرته على التوازن، ويغير نمط سلوكه من ما هو عليه إلى نمط جديد. التأزم: هو الضغط والتوتر مجتمعان، بمعنى وجود ضغوط خارجية أو داخلية تجعل الإنسان متوتراً بدرجة ملحوظة. الضغط: هو حالة يعانيها الفرد حين يواجه مطلباً فوق حدود إستطاعته (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" أو حين يقع في موقف صراع حاد. وهو توترات لردود فعل عاطفية وجسدية تنبثق من أحداث داخلية أو مؤثرات خارجية، يكون الفرد بحالة من الإستثارة النفسية. التوتر: هو رد الفعل الداخلي للجسم لمواجهة الضغوط الخارجية أو الداخلية وإدراك الشخص لها. ويذكر الدكتور مصطفى كامل بأن حالة التوتر تعني شعوراً بالشدة والإنعصاب يؤدي إلى إختلال التوازن لتهيئة الفرد لتغيير سلوكه لمواجهة عامل مهدد في الموقف. ويقترن التوتر بحالة شعورية إذا كان المشاعر المرتبطة به من قلق وعدم رضا، فيتجه نحو جانب معيّن من الموقف ونحو تحقيق أهداف في هذا الموقف يعرفها الفرد ويدركها. فإذا لم يدرك الفرد نتائج تؤثر فيه يكون التوتر مرتبطاً بدوافع لا شعورية. أقول: هنا يعتبر التوتر هو بداية فقدان الفرد لتوازنه النفسي والفسيولوجي الذي يؤدي به إما إلى إعادة التوازن أو فقدانه، حسب الموقف الضاغط. ولهذا فهو البؤرة التي تؤدي إلى الإضطرابات النفسية والعقلية والسيكوسوماتية وتعمل على إختلال في تكامل شخصية الفرد.   والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى ماذا يؤدي إستمرار التوتر؟ إنّ إستمرار التوتر يؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم وهذا هو أحد الأمراض السيكوسوماتية الناتجة عن إستمرارية التوتر وحبسه، وعجز الفرد عن مواجهة الموقف والتخلص منه يؤدي إلى خلل في النشاط الهرموني للجهاز الغدُّي وبالتالي إلى تغير في كيمياء الدم. من خلال هذا التوضيح يمكننا إدراك معنى التأزم العرضي الذي قصدنا فيه الضغط والتوتر للأحداث الضاغطة الحياتية العامة سواء في محيط الأسرة أو مشكلات في العمل أو التعرض لحادث مروري وغيرها. أما التأزم المزمن: فهو الأحداث المستمرة التي تسبب الإستجابة للتوتر المستمر المتمثل في الإحباط أو القلق مما يشعر الفرد بعجزه أمام تلك المواقف وكيفية التخلص من التوتر. معنى الضغط: لفهم معنى الضغط، بعد التعريفات العامة التي عرضناها، لابدّ من إيضاح المكونات الرئيسة الثلاثة المتمثلة بالمثيرات والإستجابة والتفاعل والتي بدورها تفضي إلى الشعور بالضغط النفسي. إن لكل شخص مجاله الحيوي الذي نتج من ثلاثة مكونات هي: الشخص + البيئة النفسية + العالم الخارجي (كيرت ليفين) الشخص: وهو مجموعة من الخلايا المركزية والمحيطة. البيئة النفسية: وهي المنطقة الفاصلة بين الشخص وعالمه الخارجي. وهي أيضاً تلك المشاعر والأفكار، والمعتقدات، والإتجاهات التي يستقيها الفرد من أسرته ومحيط عمله... إلخ. العالم الخارجي: كل ما يحيط بالفرد من بيئة طبيعية مثل الأرض – المناخ – العمران أو من بيئة إجتماعية مثل الناس وعاداتهم.. إلخ. فمن الممكن أن تنشأ العوامل المثيرة للضغط والتوتر من المكونات الثلاثة للمجال الحيوي للفرد. أما العامل الثاني فيتضمن الإستجابة: وهي ردود الفعل النفسية أو الجسمية أو السلوكية تجاه الضغط. وهناك استجابتان تلاحظان كثيراً هما: 1- الإحباط 2- القلق 1- الإحباط يحدث لوجود عائق بين السلوك والهدف المراد تحقيقه. على سبيل المثال: الفرد الذي يريد دراسة الهندسة ومجموعه لا يؤهله لذلك. والفرد في إستجابة الإحباط يشعر بالضغط أو لا يشعر حسب قدرته وإدراكه للموقف الضاغط. 2- القلق: وهو الإحساس بعدم الإستعداد للإستجابة بصورة ملائمة في بعض المواقف. مثال: الطالب الذي يشك بأنّه ذاكر بقدر كاف للإمتحان. أما العامل الثالث فهو التفاعل بين العوامل المثيرة من بيئية خارجية أو داخلية أو من الفرد نفسه والإستجابة لها. فالشخص الذي يعاني إضطراباً ما، فإن ذلك يكون في الوظيفة الناتجة عن خلل ما في أحد مكونات المجال الحيوي للفرد. وهذا يعني أنّه يقع تحت تأثير موقف ضاغط نتيجة التفاعل بين العوامل المثيرة والإستجابة المكررة لها من إحباط وقلق يجعله لا يتمتع بالإستقرار النفسي، وتحدث له ثلاث مراحل لعرض التكيف العام.   - الأعراض العامة للتكيف: لقد كان لهانز سيلي H. SELYE الدور الكبير في تفسير مفهوم الضغوط في الحياة العملية عندما أرسى مفاهيم عرض التكيف العام في كتابه "فسيولوجية وباثولوجية التعرض للضغط"، "الضغط في الحياة". لقد ذكر هانز سيلي أنّه توجد أنواع عديدة من الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها الإنسان نتيجة تلف الأنسجة الجسمية أو التلوث أو التعب أو الجوع أو الألم أو الإحباط أو الصراع أو القلق. وأنّ هذه الضغوط تحت ثلاث مراحل لعرض التكيف العام في تفاعل الفرد معها: 1- مرحلة الانذار أو التنبيه للخطر: وهي رد الفعل الأولي التنبيهي للجسم لحالة الضغط والذي يتخذ بوجه عام صيغة تفاعل المركبات الكيماوية في جسم الإنسان، ويظهر في توتر الأعصاب وإرتفاع ضغط الدم، وزيادة دقات القلب، ونقص السكر في الدم، وإثارة الجهاز العصبي المستقل وإفراز هرمون الأدرنالين، والصداع النصفي. 2- مرحلة المقاومة: إذا استمرت حالة الإجهاد والمواقف الضاغطة لمدة طويلة تظهر مرحلة المقاومة حيث مقاومة الفرد للموقف عن طريق النشاط الزائد لمقدمة الغدة النخامية، وكذلك قشرة الغدة الكظرية، حيث يزداد إفرازها لهرمونين هما: الأدريكوريتكو ثروفيل، والكورتين. ويساعد هذان الهرمونان الكائن الحي على التكيف مع الموقف. أما الأعضاء التي تتأثر في هذه المرحلة فهي القلب والأوعية الدموية والشعب الهوائية، والمعدة، والكلى، والعظام، والعضلات، والجلد والغدد والعينان. ونتيجة لهذه المقاومة يشعر الفرد بالقلق والتوتر والإرهاق مما يترتب عليه وقوع حوادث وضعف في القرارات المتخذة، وكأنّ الفرد لا يستطيع السيطرة على الموقف بإحكام. 3- مرحلة الإرهاق: يحل الإرهاق حينما تنهار المقاومة، وهذه تأتي نتيجة استمرار المواقف الضاغطة إلى مدة أطول ووصول الفرد إلى نقطة يعجز فيها عن استمرار المقاومة، فيدخل في المرحلة النهائية وهي مرحلة الإنهاك، حيث تعجز الغدة النخامية والغدة الكظرية عن الاستمرار بمعدل النشاط ذاته فتنتهي المقاومة وينهار الفرد، وتعاود الأعراض للظهور من جديد وبصورة أشد، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للفرد وبيئته النفسية. الشكل التالي يوضح لنا الأعراض العامة للتكيف:   المرحلة الأولى المرحلة الثانية المرحلة الثالثة رد الفعل تجاه الخطر المقاومة الانهاك يظهر في الجسم التغيرات الخاصة بالتعريض لعوامل الضغوط الأوّل مرّة وتبدأ مقاومته في الاضمحلال في نفس الوقت. في المرحلة الثانية يتم التأكد مما إذا كان التعرض لعوامل الضغط يتوافق مع التكيف. وتزداد المقاومة لتجاور المقوى العادي. يعقب التعرض المستمر والمتصل بنفس عوامل الاجهاد التي أصبح الجسم متأقلماً معها في النهاية وتستنزف طاقة التكيف.   - الضغط والأمراض السيكوسوماتية: إنّ فلسفة المرض السيكوماتي ينظر له من خلال مدى قوة العلاقة بين الفرد والبيئة التي يحيا فيها. فالإضطرابات السيكوسوماتية يمكن أن تُعرّف كمجموعة من الإضطرابات البدنية في وظائف تنتج عن إضطرابات من العنصر النفسي. مثل هذه الأمراض يمكن أن تؤثر على أي جهاز من أجهزة الجسم، مثل جهاز القلب أو الجهاز التنفسي أو الجهاز البولي أو الجلد. وبمعنى أكثر تحديدا إنّ المرض السيكوسوماتي هو "مجموعة من الأعراض والشكوى غير العادية تكون الأعراض فيها طبية واضحة تماماً، وهي علاقات يدخل ضمنها إضطراب أو خلل أو إصابة بعض الأعضاء أو أجهزة في جسم المريض، ولكنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمتغيرات وعوامل نفسية. على سبيل المثال ضغط الدم والقولون العصبي، والبول السكري، والصداع، والربو، والجيوب الأنفية، والحساسية، وأوجاع الظهر وفقدان الشهية العصبي. وعن نشأة المرض السيكوسوماتي أشارت الدراسات على أنّ الميكانيزم النفسي المتمثل بالضغط والميكانيزم الفسيولوجي هما العنصران الأساسيان اللذان يمثلا ظهور الإضطراب السيكوسوماتي. ويذكر Rees أن مفهوم الضغوط له غالباً معنى يتضمن التكيف والمواجهة (التغلب على الصعاب). وافترض أن مصطلح الضغوط Stress يشير إلى أن أي تغير في البيئة الخارجية أو الداخلية له قوة كافية واستمرار بحيث يشكل عبئاً على القدرة التكيفية للشخص. وإذا استمرت هذه الضغوط لفترة طويلة فربما هناك خطورة أنه تحت ظروف معينة وفي بعض الأحيان تتسبب في إختلال تنظيم السلوك الذي ربما يؤدي إلى الأمراض السيكوسوماتية والجسمية لدى الأشخاص القابلين للإصابة بمثل هذه الأمراض. أما عن الميكانيزم الفسيولوجي، فإنّ الضغوط النفسية المزمنة تؤثر على مختلف الأعضاء في الجسم عن طريق تنشيط الجهاز العصبي اللاإرادي (السمبثاوي والباراسمبثاوي) وتنشيط جهاز الغدد الصماء العصبي، وذلك عن طريق الهرمونات المسيرة من دورة الهيبولاموس خلال الجهاز الأمامي للنخامية إلى الجزء المتقدم للنخامية، حيث يحدث تيسير إفراز الهرمونات التي تمارس بصورة مباشرة، أو تيسر إفراز الهرمونات الأخرى من الغدد الصماء مثل الكروتيزول والبتروكسين والايبيدفرين والهرمونات الجنسية.   - مصادر الضغط والتوتر: إنّ مصادر الضغط والتوتر تكمن في الإجهاد الناتج عن أحداث الحياة كالضغوط المهنية والضغوط التنظيمية. ومن الممكن أن تكون مصادر الضغط من تجارب محيط العمل أو التفاعل والتعامل مع الناس، ولكل هذه الحالات مصادر رئيسة ثلاثة هي البيئة – التنظيم – الأفراد.   - المصادر البيئية: الحالة الإقتصادية العامة – الإتجاهات – الحالة الاجتماعية العامة – الوضع السياسي – الوضع التعليمي وغيرها. وأي تغير في حالة هذه المصادر بشرط أن يكون فوق الحدود الطبيعية للتعامل معها، يمكن أن يسبب الضغط النفسي الذي يظهر كاستجابة للإحباط أو القلق والتوتر.   - المصادر التنظيمية: تتكون المنظمات من سياسات وأهداف وأفراد ومن الممكن أن تكوّن هذه العوامل مجتمعة أو منفصلة، ضغوطاً نفسية على أن مقدار الضغط يختلف من منظمة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، عدم رضا المدرس أو الاختصاصي عن راتبه أو عن تقويم أدائه يؤدي إلى خفض دافعية العمل لديه، فيؤثر ذلك على اتجاهه الإيجابي في التطوير والتنمية والسبب في ذلك هو تأثير الضغط الناتج عن سوء التنظيم الإداري والفني.   - المصادر الفردية: تختلف مصادر الضغوط الفردية من شخص إلى آخر، فمن الممكن أن يكون الضغط والتوتر ناتج عن حياة الفرد نفسه. بمعنى أن حياة الفرد هي التي تولد لديه الشعور بالضغط والتوتر. فكل واحد منا يعرف أناسا تنهار أعصابهم عند ظهور العلامات الأولى للضغط (الإحباط) وآخرين يبدون أكثر تماسكاً ونشاطاً في الظروف الضاغطة.   - ردود الفعل النفسية للضغط والتوتر: من ردود الفعل النفسية للضغط والتوتر تلك العلامات الفسيولوجية – الإدراكية – العاطفية – السلوكية. فالعلامات الفسيولوجية تتضمن كما سبق ذكره الشعور بالتعب والغثيان والرعشة وتقلص عضلات الوجه وآلام العضلات والتبول المتكرر والإسراف في تناول الحلويات والإحساس بالقشعريرة والشعور بالدوخة والإحساس بالضيق والإختناق. العلامات الإدراكية تتضمن فقدان الذاكرة والعجز عن تذكر الأسماء (قلة التركيز) والصعوبة في إتخاذ القرار المناسب وعدم القدرة على التمييز بين إرتباط الأمور البسيطة بالقضايا الهامة وصعوبات في التقدير. العلامات العاطفية تتضمن القلق والحزن والإكتئاب والإستثارة والشعور بالإرتباك وتوحيد الذات مع ضحايا وتوقع الأذى للنفس وللآخرين. العلامات السلوكية تتضمن ظهور الأرق والإيذاء المادي والسرعة في تغيير السلوك وزيادة الانتباه واليقظة والبكاء بسهولة والترير والسلوك المتصلب والنمطي وعدم الرغبة في ترك المشهد المؤلم.   - الضغط والتوتر عند الأطفال: إنّ موضوع الضغط والتوتر (التأزم) وتأثيراته على الأطفال هو موضع اهتمام كبير في الوقت الحالي من المتخصصين في مجال الإرشاد والصحة النفسية. ولكي نفهم ردود الفعل الناتجة عن الأزمة والحرب عند الأطفال والمراهقين علينا التعرف على التجارب التي مرّ بها الأطفال والمراهقين وصدق مشاعرهم تجاهها. فعلى سبيل المثال يتعرض الأطفال والمراهقون خلال الحرب لأنواع مختلفة من تجارب ومشاهدات مروا بها وأثرت فيهم. ولهذا يجب علينا أن نفرق بين هذه المشاهدات والتجارب الشخصية التي حدثت لهم، وما سمعوه من الآخرين أو ما شاهدوه على شاشة التلفزيون من حوادث. بعد ذلك علينا أن نتفهم حقيقة مشاعرهم تجاه الحادثة هل هم خائفون، أم غاضبون، أم عاجزون عن منع حدوث تلك التجارب؟ في الحروب عموما يمر الأطفال والمراهقون بتجارب سلوكية عديدة، قد تسبب حالة من القلق والتوتر لديهم نتيجة أحداث ضاغطة مثل إفتراق الطفل عن عائلته أو السكن مع آخرين أو فقد أهله وذويه. وهنا علينا أن نحدد الموقف الأكثر ضغطاً على نفسية الطفل والمراهق هل هو الإفتراق أم السكن مع الآخرين أم حالة الفقد؟ إنّه ليس من الضروري أن يكون سبب التوتر والضغط ناتج عن إبتعاد الطفل أو المراهق بقدر ما يعانيه من قلق وخوف من فقد أهله وذويه. كما أنّه من الضروري أن يُترك الأطفال ليعبروا عما يضايقهم وأن يفصحوا عما يخالجهم إلى شخص يثقون به. وحول موضوع الضغط والتوتر يتطرق بلسما إلى أهم النقاط التي تدور حول موضوع الضغط والتوتر ومدى قدرة الأطفال على مجابته أو التغلب عليه.   - فيما يلي عرض لهذه النقاط: * إن مواجهة الكبار لضغوط خارجية أو داخلية لكثير من الأعمال اليومية الحياتية يماثله مواجهة الأطفال لهذه الضغوط سواءاً في البيت أو المدرسة لأنهما المصدرين الأساسيين للضغط والتوتر عند الأطفال. * يكون تفاعل الأطفال مع الضغط التوتر بطريقة فريدة وفردية فبالرغم من أن نمو الأطفال في وسط عائلي متماسك يمنحهم خبرات مماثلة، إلا أن كل طفل يختلف في قدرة إستيعابه وتفاعله مع الآخرين وذلك بناءاً على ترتيب العمر، العوامل الوراثية وغيرها من العوامل. * مع مرور الوقت نتبنى أساليباً وطرقاً لمواجهة الضغوط والتغلب عليها، فتصبح عندئذ كعادة أو تقليد قد تكون مؤثرة وفعالة أو قد لا تكون. * أن توفر الطرق المحددة والأساليب المتطورة من قبل الآباء والمدرسة في التعامل مع الضغوط التي تواجه الأطفال تعتبر ذات فعالية أكثر أو أقل حسب طريقة استخدام هذه الأساليب، فما يصلح لطفل قد لا يصلح لآخر. * إنّ الهدف من توفر الأساليب المتطورة في التعامل مع الضغوط التي تواجه الأطفال هو التشجيع كحافظ يكون عليه الأطفال على مستوى يتسم بالإبداع والإبتكار. وهذا يتطلب من الآباء إعطاء الفرصة الكافية للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وطرقهم الخاصة للتعامل مع الأحداث مع استمرار التشجيع على استخدامهم طرق ذات مستوى عال من الإبداع والإبتكار.   - أعراض الضغط عند الأطفال: يترك الضغط والتوتر آثاراً نفسية واجتماعية ينبغي على أولياء الأمور ومن يعنيهم الأمر إدراكها والعمل على الحد من تطورها. فالأعراض الشائعة التي يسببها الضغط والتوتر النفسي كالعادات العصبية التي تظهر على شكل إغماض العينين على نحو لا إرادي أو هز الرأس أو التأتأة أو قلة النوم نتيجة المشاكل المستمرة التي تحدث ضغطاً وتؤثر نفسياً مما يسبب الإستيقاظ الدوري "الأرق" ونموذج الإنفعال والصراخ والإنعصاب حول مجريات الأمور والأحداث الضاغطة. ومن الأعراض – الشعور بالتعب وهو إعياء شديد جداً يعمل على تقليل مستوى نشاط الفرد، وكذلك الإحساس بالأعراض السيكوسوماتية كالآلام الجسمية والصداع وغيرها. كما يعتبر السلوك الإنسحابي من الأعراض التي يحدثها الضغط والتوتر ويتمثل في كثرة المكوث في مكان واحد وعدم الإتصال بالآخرين والشعور بالوحدة. كما يبرز عرض الإشكالية وقلة الهمة وهو التشبث بالآخرين والاعتماد عليهم طلبا للمساعدة وإعادة الطمأنينة له. أما النقيض من ذلك هو عرض جذب الإنتباه المتمثل بالسلوك العدواني لجذب أنظار الآخرين لتكوين علاقات خارجية.   - دور أولياء الأمور عند المواقف الضاغطة: يلعب أولياء الأمور دوراً أساسياً وهاماً في التخفيف من حدة التوترات الداخلية الناتجة من المواقف الضاغطة تتمثل في توفير الإحساس بالأمان والإطمئنان والاعتماد على النفس والحزم والعدالة والوضوح والتعقل في مناقشة القضايا والأحداث العامة ومنح الأطفال الفرصة للتعبير عن مشاعرهم ومنحهم الثقة في التفكير. وأيضاً تشجيعهم على إتخاذ القرار، وتعليمهم مهارات الإتصال مع الآخرين وتوخي الحذر والحيطة من بعض الضغوط عند الشهرة ومنح الأطفال فرصة اللعب والمرح وتحمل المسؤولية وإبراز السلطة. ومن الأمور المهمة أن يدرك ولي الأمر بأنّه "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فئق بقدراتك عند وضع القرارات وابتعد عن التردد في حل مشكلاتك واعتنِ بنفسك لمعرفة مسببات الضغوط من طفلك، واحتفظ بالمعلومات لأنك بلا شك من أفضل المصادر قيمة واعلم أن طفلك يتأثر بحركتك وإيماءاتك وأفعالك وتصرفاتك.   - أساليب إدارة وضبط التوتر: عند اتباع إدارة وضبط الضغط والتوتر فسيولوجيا وسلوكيا علينا أوّلاًَ: بتفهم التجربة التي تمر بها الحالة، وهل تحتاج إلى رعاية طبية أو رعاية سلوكية أو كلاهما، ثمّ علينا اتباع ما يلي: ·       أخذ قسط من الراحة. ·       إتباع نظام معيّن في التغذية. ·       ممارسة بعض التمارين الرياضية. ·       الإقلال من تناول المنبهات. ·       الإعتماد على تناول كميات كافية من فيتامين سي، ب المركبة. ·       تنظيم الوقت. ·       المحافظة على أوقات النوم. ·       التحدث عن الحادثة والتعبير عن المشاعر. ·       فإذا كانت الحالة تحتاج إلى رعاية مكثفة خاصة يمكن تحويلها إلى المعالج المختص لتحديد التشخيص ونوعية العلاج.   خاتمة.. يتضح لنا في هذه المقالة أنّ التعرض للمواقف الضاغطة سواء في محيط الأسرة أو العائلة أو العمل أو المدرسة أو التعرض لمواقف أشد حدة مثل الأزمات والكوارث تحدث لنا الضيق النفسي والتوتر. وبعض هذه المواقف الضاغطة سرعان ما نتكيف معها، والبعض الآخر لا نستطيع أن نتجاهلها أو نتكيف معها بسهولة. وأن مثل هذه المواقف الضاغطة قادرة على تفجير إضطراب سلوكي قد يكون حاداً ويدوم لفترة طويلة ويختلف تأثير هذه المواقف باختلاف التركيب النفسي والفسيولوجي للشخص. كما أنّ التجارب الصعبة التي يواجهها الأطفال والمراهقون عند المواقف الضاغطة تكون أشد تأثيرا على جهازهم النفسي والجسمي، الأمر الذي يحتاجون فيه إلى مساعدة كبيرة من الآباء والأُمّهات والمدرسات والمدرسين والإختصاصيات والإختصاصيين للتعامل مع مثل هذه المواقف التي تحدث بعض المشاكل السلوكية والفسيولوجية والعمل على الحد من تطورها.

ارسال التعليق

Top