• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هُويَّتي

أسرة البلاغ

هُويَّتي

 

  

 

منتدى الشباب

57

 

 

هُويَّتي

(دراسة في ملامح الهُويّة الإسلاميّة)

 

 

 

 

 

لجنة التأليف – مؤسسة البلاغ

 


نحاول في هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة المهمّة التالية:

1- ما هي الهُويّة؟

2- ما هي الهُويّة الإسلاميّة؟

3- ما هي مقوّمات ومشخّصات الهُويّة الإسلاميّة؟

4- ما هي المصادر الرئيسية لهذه الهُويّة؟

5- كيف هو واقع هذه الهُويّة؟ وما هي أهم التحدّيات التي تواجهها؟

6- كيف نحافظ على هُويّتنا، وما هي مظاهر الاعتزاز بها؟

 

أوّلاً: مفهوم الهُويّة:

قبل أن نتعرّف على مفهوم الهُويّة، دعونا أوّلاً نقارن بين (الشخص) وبين (الشخصيّة)، فالشخص هو الفرد الذي يشعر بذاته ويُدرك أفعاله، ويشخّص ويميّز كونه إنساناً عاقلاً، حُرّاً، مريداً. وأمّا الشخصية فهي جملة من الخصائص النفسية والعاطفية والعقلية والسلوكية التي تحدّد كيان الفرد وتميّزه عن غيره، وتمكّنه من مواجهة الحياة والتفاعل الاجتماعي. وهذا يعني أنّ الشخص هو الكيان المادّي للإنسان، والشخصيّة هي الكيان المعنوي


له، وهي المدخل لمعرفة الهُويّة التي هي بدورها إجابة عن ماهيّة الإنسان. يُقال: ما هو؟ أو: مَنْ هو؟ أي أنّ السؤال عن الذاتية والخصوصية: فكراً وثقافةً وأسلوبَ حياة. ولذلك اعتبرها البعض (جوهر الإنسان) وكينونته الثابتة التي تبقى على الرغم من كلّ مظاهر التغيير التي قد تطرأ عليه، وبالتالي فالهُويّة هي ما يميّزني (كشاب أو فتاة) عن غيري من الشبّان والفتيات، لا في ملامح الوجه وتقاطيع الجسم ونوع الأزياء التي أرتديها. وإنّما في مظاهر السلوك وطبيعة المواقف، فبالهويّة تتحقّق وتتمثّل الشخصية وتأخذ امتيازها الخاصّ بها، ولا مانع من أن نعبر عن (الشخصيّة) بأنّها امتلاك الإنسان لهُويّة ما.

والهُويّة في الحقيقة هُويتان: فرديّة وجماعيّة، أمّا الجماعيّة فهي الخصائص العامّة التي تميّز الجماعة، أيّة جماعة، عن غيرها من الجماعات، وتنعكس على سلوكها ومواقفها، بل وتنضبط بها وتنظّم مسيرتها أيضاً.

من ذلك يمكن أن نعي أهميّة ودور الهُويّة في حياتنا –على ضوء كلّ ما تقدم- هي:

1- مساهمتها في بناء الشخصيّة.

2- تحديدها لطبيعة الانتماء.

3- أهميّتها في رسم التوجّه الفكري والسياسي، أي إنّما تُحدّد (خطّ السير).

4- تشكيلها لقاعدة موحَّدة، وإيجاد وسيلة تفاهم وتعايش مشترك.

5- ما تمنحه من قوّة جذب للآخرين.

الهُويّة (عنوان) و(انتماء) و(قاعدة) و(واجهة) و(قاسم مشترك).

أمّا أبعادها العامّة فهي (اللغة) و(التاريخ) و(الدّين) و(المصالح المشتركة) و(المواقف الموحَّدة).

أو المتضامنة لتحقيق أهداف مشتركة ومواجهة تحدّيات جماعية تعصف بالهُويّة وبحَملتها.

 

ثانياً: ما هي الهُويّة الإسلامية:

ذات يوم دخل شابٌ مسلم إلى أحد البنوك الأجنبية ليحوّل ورقة ماليّة إلى مبلغ نقدي، فأخطأت الفتاة المحاسبة ودفعت له مبلغاً أكبر من المدوَّن على الورقة.. في باب المصرف (البنك) وقف الشاب المسلم يحسب المبلغ الذي شكّ أنّه أكثر من المطلوب، ثمّ عاد أدراجه ووقف أمام النافذة التي تقف المحاسبة خلفها. فقال لها: أنا شابٌ مسلم!! فتعجّبت الفتاة المحاسبة من إعلانه عن هُويّته الدّينية التي لا يطلبها البنك عادةً، ثمّ أكمل: لقد أخطأت في الحساب معي ودفعتي لي أكثر مما هو مقرّر بأضعافه. هنا اختلطت الدهشة والفرحة والإعجاب على وجه الفتاة العاملة في المصرف، وبعد أن شكرته على صنيعه وأخبرته أنّه لو لم يسترجع الزيادة لكانت هي المسؤولة عن تعويض النقص في الدخل أو الحساب، استمهلته قليلاً ودخلت إلى غرفة قريبة لتخبر مديرة البنك بالخبر.. وبعد برهة عادت المحاسبة ومعها المديرة. حيّت المديرة الشاب المسلم شاكرةً له معروفه، ثمّ قالت: أخبرتني موظّفة البنك انّك مسلم، وعملك هذا يعطيني انطباعاً رائعاً عن صدقك وأمانتك وإنّك زبون محترم، وفي مقابل موقفك النبيل هذا، فإنني كمديرة للبنك سأمنحك بعض الامتيازات التي لا أمنحها لباقي الزبائن، تكريماً لك ولأخلاقك الطيّبة! شكر الشاب لمديرة البنك حُسن ظنّها به، وقال: أنا ما فعلت هذا إلّا لأنّ إسلامي أمرني به!!

نقل الشاب المسلم ما جرى لأبيه، فاستحسن فعله وشدّ على يديه، وقال: قولك: (أنا مسلم) سيبقى يرنّ في أُذن المحاسبة ومديرتها ولن ينسوه أبداً، وتصرفك كمسلم صادق وأمين، سيبقى حاضراً في أذهانهما إلى مدى بعيد.. بوركت يا ولدي، كن هكذا دائماً عند حُسن ظن إسلامك بك، وهكذا ينبغي أن يكون كلّ مسلم.

قد لا نحتاج إلى الإغراق في التعريفات اللغوية والاصطلاحية للهُويّة الإسلاميّة، فبطاقة التعريف الشخصيّة التي يكتب فيها أمام حقل (الدّيانة): مسلم، لا تكفي لإثبات الهُويّة، وإنّما الهُويّة (الموقف السليم) أو (السلوك الصحيح) أو (التصرّف النبيل) أو (الخُلُق الجميل).

فأنت مسلم بالموقف الذي يحكي عن تربيتك وثقافتك والتزامك الإسلامي لا بوجودك في بيئة إسلاميّة فقط، ولا لحملك هُوية أو بطاقة شخصيّة مدوَّن عليها إنّك مسلم ولا لأنّك تحمل اسماً إسلاميّاً متداولاً.

الهُويّة الدّينية، والإسلاميّة منها، تعني وعي الشخصيّة الإسلاميّة بمكوّناتها الذاتيّة المميّزة لها. فلكلّ شخصيّة خصائصها وقيمها المعبّرة عن انتمائها. وهي المرآة العاكسة لصورتها الداخليّة (العقليّة والانفعاليّة).

في أدبياتنا الإسلاميّة أكثر من تعبير عن الهُويّة، فالقرآن الكريم يسمّيها (الفطرة) و(الصبغة) ويطلق عليها التسمية الصريحة أيضاً، كما ورد على لسان إبراهيم 7 وهو يعبر باعتزاز عن هُوية هذا الإنسان الربّاني الذي أسلم كلّه لله: ﴿هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحج/ 78). كان مسلماً بكلّ معنى الكلمة، أسلم وجهه (حياتها كلّها) لله وسلَّم زمام أموره كلّها له، ولذلك كانت وصيّته لأبنائه ووصيّة أبنائه من بعده لأبنائهم: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة/ 132)، والإسلام -كما سيأتي- هو التسليم لله، والانتماء إليه، والاعتقاد به.. هو أن تكون صادقاً في جميع المواقف.. هو أن تنطق أفعالك بأنّك مسلم حتى ولو كنت أخرساً!

 

ما هي الفطرة؟

الفطرة: هي الخلقة التي يخلق المولود عليها في بطن أُمّه: ﴿فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ﴾ (الرّوم/ 30). جاء عن النبيّ 6: «كلُّ مولود يولدُ على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه»[1]. والفطرة هي الإسلام وتوحيد الله تعالى، وقيل: هي الطبيعة الأولى النقيّة التي يكون عليها المولود وقت ولادته، وإذا كانت سليمة سمّيت (عقلاً). وقيل: الفطرة هي (التديّن) بدليل قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ (الرّوم/ 30). ويمكن فهم الفطرة على أنّها النظام الذي يحكم حياة الإنسان وتصرّفاته، وبهذا نعي أيضاً قول النبيّ 6 إنّ المولود يولد على الفطرة، أي كالتربة الصالحة للإنبات -أو كالورقة البيضاء التي يكتب فيها الآباء والمرّبون والمعلمون ما يشاءون مما يثبتها على الدّين الحقّ أو يحرّفها عنه. فهو 6، يذكر (الإسلام) في التربية من بين محاولات الأبوين توجيه أبنائهم دينياً، وإنّما قال: (يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه)، ليلفت نظرنا إلى أنّ الإسلام هو الفطرة وهي الاستعداد لتقبّل بذرة التوحيد والطاعة لله، ولكن التيارات الفكريّة والتربويّة والطائفيّة والمذهبيّة المختلفة هي التي تحرّف مسار هذه الفطرة بتعصّبها الجاهل.

إنّ خصال الفطرة -كما في (الموسوعة الإسلاميّة الميسَّرة، ج9، ص1811)- كثيرة، منها: أُمّهات الأخلاق، وكلّ ما هو برّ، كبرّ الوالدين، وصلة الرحم، وأداء حقوق الجار، ومعاونة المحتاج ماديّاً ومعنويّاً، وإكرام الضيف، والصدق في القول والعمل، أيّ هي مجموع الفضائل والمحاسن ومكارم الأخلاق.

ويمكن وصف الفطرة بالاستعداد الكامن في البذرة، فهي صالحة للزراعة والنموّ والإثمار إن نبتت في تربة صالحة، وتمّت رعايتها، تحصينها باستمرار، وقد تضعف وتموت إن هي أُهملت أو أُنبتت في غير الأرض المناسبة لها.

امّا ما علاقة الفطرة بالهُويّة، فهي كعلاقة (البذرة) بـ(الشجرة).. وعلاقة الفطرة بالبيئة، كعلاقة الفلّاح بالتربة.

 

ما هي الصبغة الإلهيّة؟

تقول العرب: تصبّغ في دينه، أي تمسّك به وتمكَّن فيه. والصبغة: هي الهيئة المكتسبة بالصبغ. وصبغة الله -كما في المعجم الوسيط- الفطرة التي خلق عليها النّاس، والدّين الذي شرّعه لهم. ولفت بعض مَنْ كتب في الهُويّة الإسلاميّة إلى أنّ الصبغة الإلهيّة هي الرموز الدينيّة التي تميّز المسلم عن غيره، والتي تدلّل على ارتباط ما بالله تعالى، فالستر الشرعيّ (الحجاب) الذي ترتديه الفتاة المسلمة يعكس في ذهن الناظر مفهوم (الله)، والصلاة كذلك تعني التعبّد لله، واختيار الطعام الحلال والامتناع عن الطعام الحرام، يعني العمل بما يريد الله، بل حتى الكلمات المتداولة على ألسن المسلمين تعبّر عن لغة دينيّة خاصّة، مثل: بسم الله، الحمد لله، ما شاء الله، توكل على الله، سامحك الله.. كلّ ذلك يرمز إلى حضور (الله) في حياة الإنسان المسلم، الأمر الذي يعني أنّ الدّين أو الهُويّة الدينيّة حاضرة في وجدان المسلم والمسلمة ويعني أيضاً شيئاً مهمّاً وثميناً في حياتهما، لا كما هو الحال في الديانات الأخرى، حيث يُنقل أنّ 73% من البالغين الأمريكيين الذين يقولون أنّهم من معتنقي الديانة اليهودية يؤكّدون أنّ ذلك لا يعني بتاتاً إيماناً بالله!! إنّه مجرّد (شكل) لا (مضمون).. (اسم) وليس (هُويّة)!.

يقودنا هذا إلى أنّ الصبغة ليست كالدهان الذي تُصبغ به الجدران! وبعد فترة من الزمن يحوّل لونها فيَشعب أو ينقشع أو يتغيّر وتحتاج إلى دهان جديد، فصبغة الأديان ليست كصبغة الجدران، هي (تمسكٌ) به و(تمكُّنٌ) فيه، أي أنّها تنزل من علياء (العقل) و(القلب) إلى (الحياة) فهي ممارسة في السلوك، وليس نظرية في الرأس.

 

ما هو الانتماء؟

الانتماء هو العلاقة بين الفرد وبين الجماعة التي يرتبط بها أو ينتسب إليها على نحو الانضمام، أو بسبب المشتركات التي تجمعه بها. والثاني أقوى في شدّ الأواصر من الأوّل، ولذلك اعتبر القرآن الانتماء للخط الإبراهيمي أو المدرسة الإبراهيميّة الإسلاميّة اندكاكاً فيهما. يقول تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ (آل عمران/ 68).

كما اعتبر (كنعان) ابن نوح 7 ليس من أهله (لا أنّه ابن غير شرعي والعياذ بالله)، وإنّما لخروجه عن أهل الإيمان وأهليّة التديّن وعصيانه لأوامر النبوّة لا الأبوّة.. إنّه (عقوق ديني) لا عقوقاً أبويّاً مجرَداً.. هو مشكلة في (الهُويّة) لا في العلاقة.

وجدير بنا، -كشباب مسلمين وفتيات مسلمات- أن نتعرّف على حقيقة الانتماء لديننا الإسلامي لا من أجل أن نفتخر به أمام الأجانب والغرباء، وإنّما لنعتز ونتعلَّق به ذاتيّاً، وذلك من خلال التعرّف على ماهيّة (الإسلام) وماهيّة (الإيمان). وما هي المخرجات من هذا الدّين.. أي ما هي المنافيات الأخلاقيّة والسلوكيّة التي تعطّل مفعول (الهُويّة).

 

ما هو الإسلام؟

الإسلام هو أن تنطق بالشهادتين: أشهدُ أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله. والمسلم هو المطيع الخاضع لمن أسلم له، الداخل في دين الإسلام وله ما للمسلمين من حقوق وعليه ما على المسلمين من واجبات وفرائض.. الإسلام (بطاقة شخصيّة).

 

ما هو الإيمان؟

الإيمان: ما دخل وتفاعل في الوجدان والمشاعر وتحرّك للعمل في الخارج.. هو (هُويَّة).

والفرق بين (الإسلام) وبين (الإيمان) أنّ الثاني تجذّر وتعمّق لحالة التسليم لله، ولذلك ميّز تعالى بين الاثنين في قوله: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات/ 14). وهذا يعني أنّ الإسلام (ظاهر) وأنّ الإيمان (باطن). وأنّ الإسلام (قول).. والإيمان (عمل)[2]. والإسلام (انتماء) والإيمان تعبير حقيقي وعملي عن هذا الانتماء.. إنّه هو (الهُويّة).

على ضوء التعريفات السابقة للإسلام وللإيمان. لنرصد حركة الهوية الإسلاميّة (الإيمانيّة) من خلال طائفة من البيانات النبويّة والروائيّة المعبّرة عن ملامح هذه الهُويّة (الروايات عن كتاب.. ميزان الحكمة. محمّد الريشهري).

1- الهُويّة الإسلامية.. شرف: عن رسول الله 6: «الإسلامُ يعلو ولا يعلى عليه»[3]. وعن الإمام عليّ 7: «لا شرفَ أعلى من الإسلام»[4].

2- الهُويّة الإسلاميّة.. سلميّة وباعثة على السّلام: روي عنه 6: «المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من يديه ولسانه»[5]. وورد: «المؤمنُ مَنْ ائتمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم»[6].

3- الهُويّة الإسلامية.. باعثة على القوّة: في الخبر عنه 6: «المسلمون أخوة، تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم»[7]. وعن عليّ 7: «لا معقلَ أمنع من الإسلام»[8].

4- الهُويّة الإسلاميّة.. تمسح ما قبلها (تفتح صفحة حياة جديدة): وعن النبيّ 6: «الإسلامُ يجبّ (يمحو ويهدم) ما قبله»[9]. وجاء عنه 6: «مَنْ أحسنَ في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساءَ في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر»[10].

5- الهُويّة الإسلاميّة.. إخوانيّة (مؤاخاتية) (مساواتية): في الأثر عنه 6: «المسلمون أخوة لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى»[11].

6- الهُويّة الإسلاميّة تصنع الشخصيّة الإسلاميّة: روي عنه 6: «الإسلامُ يسبكُ الرجال كما يسبكُ النار خبث الحديد والذهب والفضّة»[12].

7- الهُويّة الإسلاميّة.. علامة فارقة على الصلاح: وعنه 6: «بالإيمان يُستدلُ على الصالحات، وبالصالحات يُستدلُ على الإيمان»[13].

8- الهُويّة الإسلامية.. بناء وتربية وتنمية: وجاء عنه 6: «مَنْ سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»[14].

9- الهُويّة الإسلامية.. معالمها الأساسيّة: روي عنه 6: «الإسلام عريان، ولباسه (التقوى)، وشعاره (الهدى) ودِّثاره (الحياء) وملاكه (الورع)، وكماله الدّين، وثمرته العمل الصالح ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت»[15].

10- الهُويّة الإسلامية.. وسطيّة واعتدال: قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة/ 143). عن رسول الرحمة 6: «إيّاكم والغلوّ في الدّين فإنّما أهلك مَنْ كان قبلكم»[16]. وروي عنه 6: «خيرُ الأمور أوساطها»[17].

11- الهُويّة الإسلاميّة.. أُسوة وقدوة للآخرين: قال عزَّ وجلَّ: ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ (البقرة/ 143).

أي بأن تكونوا أُسوة وقدوة لهم في اتّباع الحقّ، والعدل، والاعتدال، والسير على الصراط المستقيم.

12- الهُويّة الإسلاميّة.. سعي دائم لبناء الحياة الكريمة: قال سبحانه وتعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ (الرّوم/ 30).

أي أقبل عليه بالتوجّه الثابت والنشاط الدائم من غير تكاسل ولا انحراف.

 

مستثنيات الهُويّة الإسلاميّة:

الجدير بالملاحظة، انّ عدداً لا يستهان به من الأحاديث والروايات أخرج بعض المسلمين من دائرة الإسلام العمليّة لا من سجل الإسلام كمسلمين شهدوا الشهادتين، الأمر الذي يؤيّد أنّ الإسلام يحتاج ممنَ أسلم أو ممن هو في الأصل مسلم، أن يتقدّم خطوة إلى الأمام، بأن ينتمي إلى الأسرة الإيمانية أو إلى المجتمع الإيماني الصالح. انظر بتمعّن إلى هذه الباقة من المنافيات للهُويّة الإسلاميّة: ورد أكثرها في كتاب (الجامع الصغير):

1- غير المهتم بالشأن الإسلاميّ وقضايا المسلمين.. ليس بمسلم: روي عنه 6: «مَنْ أصبحَ لا يهتمُ بأمور المسلمين فليس بمسلم»[18].

وفي رواية مكمّلة: «ومَنْ سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين! فلم يجبه فليس بمسلم»[19]؟

2- الخائنُ.. ليس بمسلم: وروي عن الإمام عليّ 7: «جانبوا الخيانةَ، فإنّها مجانبةُ الإسلام»[20]!

وعنه 7: «مَنْ أعانَ على مسلم فقد برئ من الإسلام»[21].

أي أعان ظالماً أو غير مسلم أراد بالمسلم سوءاً.

3- الرافضُ لسنّة رسول الله 6 الصحيحة.. ليس منه: في الخبر عنه 6 في كراهية الزواج: «مَنْ رَغِبَ عن سنّتي فليس منّي». والأصل: «النكاح (الزواج) من سنّتي ومَنْ رغب عن سنتي فليس منّي»[22]!

أي ليس على طريقتي ونهجي في الحياة، لأنّ رسول الله 6 قد تزوج ولا رهبانيةَ في الإسلام.

4- الغاشُ، والمزوّرُ والمحتالُ (النصّابُ).. ليس بمسلم: في الأثر عنه 6: «ليس منّا مَنْ غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره!»[23]!

5- الدّاعي إلى عصبيّة.. ليس منّا: روي عنه 6: «ليس منّا مَنْ دعا إلى عصبية، وليس منّا مَنْ قاتل على عصبيّة، وليس منّا مَنْ مات على عصبيّة»[24].

6- الجازعُ والمحييّ لعادة جاهليّة بالية.. ليس بمسلم: جاء عنه 6: «ليس منّا مَنْ لطمَ الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى جاهليّة»[25].

7- المتشائمُ.. ليس بمسلم: ورد عنه 6: «ليس منّا مَنْ تطيَّر[26]، ولا من تطيّر له، أو تكهَّن أو تُكهّن له، أو تسحَّر أو تُسحّر له»[27].

8- المتشبّه بغير المسلمين.. ليس بمسلم: حكي أنّه 6 قال: «ليس منّا مَنْ تشبّه بغيرنا»[28] وقيل أيضاً: «لا تتشبّهوا باليهود ولا بالنصارى»[29]، وأيضاً: «مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم»[30].

ولا يُفهم من روايات عدم التشبّه بالغير اللباس والطعام أو أساليب العمل والإدارة، وإن كان للإسلام رأيه المعروف في الملبس والمأكل والمشرب والإدارة أيضاً، لكن التشبّه المذموم أو المرفوض هو الذي يسيء للهُويّة الإسلاميّة، كلباس الشهرة الذي يُلبس على طريقة (خالف تُعرف) والذي يثير النقد والسخرية والاستهجان وعلامات الاستفهام، ممّا يُخلّ بالأخلاق والآداب الإسلاميّة، أو السلام بغير تحيّة الإسلام، ظناً من بعض الشبّان والفتيات أنّه مجاملة لا بأس بها أو هي تحيّة أيضاً لا ضير فيها. علماً أنّ غير المسلمين لا يحيّون المسلمين بتحيّة الإسلام، فلماذا يدفعنا الضعف إلى مجاملة على حساب الآداب الإسلاميّة التي هي جزء لا يتجزّأ من الهُويّة الإسلاميّة، والشعار الإسلاميّ، والمنظومة الإسلاميّة الأخلاقيّة المتكاملة، فضلاً عن أنّ (السّلامُ عليكم) يتضمن إيجابيات كلّ التحايا وزيادة!

9- مَن لم يرحم الصغير، ويجلّ الكبير.. ليس بمسلم: في الخبر: «ليس منّا مَنْ لم يرحم صغيرنا، ومَنْ لم يوقّر كبيرنا، ومَنْ لم يعرف لعالمنا حقَّه»[31].

10- حاملُ السلاح (شاهره) على المسلم.. ليس بمسلم: جاء عنه 6: «مَنْ حمل علينا السّلاح فليس منّا»[32]. وروي كذلك: «مَن سلَّ علينا السيف فليس منّا» [صحيح مسلم/ 162][33].

11- المدّعي ما ليس له.. ليس بمسلم: أثر عنه 6: «مَنْ ادّعى ما ليس له فليس منّا»[34]. وفي رواية: «فليتبوأ مقعده من النّار»[35].

ويتّخذ (الادّعاء ما ليس له) أشكالاً عديدة: كأن يتبوأ منصباً لا يستحقّه، أو هناك مَنْ هو أجدر وأولى به منه، أو ادّعى العلم والفقاهة وهو لا يملك ناصيتهما، أو ادّعى ملكيّة ما لا يملك.. وما إلى ذلك من دعاوى تتكاثر في زمن التزييف والتزوير ومصادرة الحقوق.

12- من بات شبعاناً وجاره جائع.. ليس بمسلم: ورد عنه 6 في رعاية الجار وتفقد شؤونه واحتياجاته: «ليس منّا مَنْ بات شبعاناً وجاره جائع»[36].

13- غير المحاسب لنفسه (المنتقد والمراقب لها).. ليس بمسلم: جاء عنه 6: «ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه كلّ يوم»[37].

14- الغضوب المسيء في أخلاقه وتعاملاته.. ليس بمسلم: في الخبر عنه 6: «ليس منّا مَنْ لم يملك نفسه عند غضبه، ومَنْ لم يُحسن صحبة مَنْ صحبه، ومخالقة[38] مَنْ خالقه، ومرافقة مَنْ رافقه، ومجاورة مَنْ جاوره»[39].

وروي أيضاً: «ليس منّا مَنْ لم يأمن جاره بَوائِقهُ»[40].

أي مَن لا يأمن جاره إساءته أو بذاءته أو اعتداءاته أو انتهاكه، مع وصية النبيّ 6 بالجار إلى حين وفاته.

15- المنافقُ ذو الوجهينِ أو اللسانين.. ليس منّا: روي عن الإمام الصادق 7: «ليس منّا مَنْ قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا»[41].

16- المستخفُ بصلاته (أداءً أو ترتيباً للأثر).. ليس بمسلم: روي عنه 6: «ليس منّي مَنْ استخفّ بصلاته، لا يرد عليّ الحوض لا والله»[42].

هذه بعض المخرجات من دائرة الإيمان لا من أصل الإسلام، لأنّنا كما ذكرنا نرى أنّ الإيمان عمل كلّه، وما ورد في الأحاديث يؤكّد على سلامة عمل المسلم وخلوّه من المخالفات الشرعيّة أو المنافيات السلوكيّة أو المعارضات الأخلاقيّة.

هذا مع العلم أنّ صيغ التعبير عن إخراج المسلمِ من هُويّته لأنّ أصل إسلامه متعدّدة أحدهما (ليس منّي) أو (ليس منّا)، فقد ورد أيضاً: «لا يؤمن أحدكم» كما في الرواية عنه 6: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[43].

وقيل في حقّ مَنْ يخالف تعاليم الإسلام ويتّبع عادة جاهليّة قبيحة: «إنّك امرؤٌ فيك جاهليّةٌ»[44] كما ورد في قوله 6 لمن عيّر شخصاً بأُمّه الأعجميّة.

غير أنّ اللافت هنا أنّ المراد بـ(ليس منّا) أيّ لم يعمل بعملنا، أو يخالف منهجنا في التعامل، أو أنّه تطاول على قوانين العمل الإسلاميّ، أو أنّه شذّ عن أخلاقيّة اللطف والإحسان، فهذه الطائفة من الأحاديث تريد أن تبيّن حقيقة المؤمن من غير المؤمن. والملتزم المطيع من غير المحافظ على قواعد الشريعة، وبالتالي فهي ليست فصلاً أو طرداً للمسلم من المدرسة الإسلاميّة، ولا إعلان براءة من المسلم المخالف لخطّ السير الإسلاميّ العام، وإنّما تستبطن التنبيه والتحذير من أنّ الإكثار من المخالفات ربّما ينتهي بالمسلم المخالف (شاباً أو فتاةً) إلى الخروج الفعلي عن (حقيقة) الإسلام والبقاء على مجرّد (الاسم) أو الصفة (الشكليّة) له. وهذا هو مدار حديثنا عن أهميّة الهُويّة الإسلاميّة وضرورة التمسّك بها في جميع الأحوال والأوقات والأماكن.

 

ثالثاً: مصادرُ الهُويّة الإسلاميّة:

تتداخل جملة عوامل ومكوّنات ومشكّلات في صياغة الهُويّة الإسلاميّة، لكن أهم تلك المصادر هو التالي:

1-     الأسرة (المنزل)

2-     المدرسة

3-     البيئة (الطبيعية، الاجتماعية والثقافية)

4- المسجد

5- الإعلام

هذه هي مصادر بناء الشخصيّة كمؤسسات متفاعلة يترك كلّ منها بصمته بحسب تأثيره وقدرته على النفوذ إلى الشخصية وتشكيل ملامحها الأولى، وثمّة مصادر ثقافية تمثّل مضمون الرسالة الإسلاميّة، تلعب هي الأخرى دوراً في بناء الشخصيّة الإسلاميّة ورسم الهُويّة الإسلاميّة، وهي:

1- القرآن الكريم

2- السُنّة النّبويّة المطهّرة

3- النتاج الإسلاميّ الثقافيّ

4- نتاج العلوم المعاصرة

5- التجارب الذاتية وتجارب الآخرين

وسنأتي على -نحو الاختصار- على دور ورسالة كلّ من هذه المصادر أو منابع التموين الفكريّ والسلوكي التي تغذّي وترفد شخصيّة وهُويّة الشاب والفتاة المسلمين.

فالأسرة وهي المدرسة الأولى التي يتلقّى فيها كلّ منّا دروس الحياة الأولى والأساسيّة، والأبوان هما أوّل معلمين يدخلان حياتنا على طريقة الدروس الخصوصيّة المخلصة التي لا يتقاضيان قبالها أجراً إلّا رضا الله تعالى.. هنا وفي أجواء المحبّة والرحمة والعطف والإخلاص تتكوّن أولى لبنات مشاعرنا وأحاسيسنا وعواطفنا (حباً وبغضاً).. وهنا تتشكّل أوّلى معارفنا عن الحياة من حولنا. وبمقدار ما يكون الأبوان مثقّفين (ثقافة تعليميّة واعية) أو (ثقافة حياتيّة مجرّبة) أو بهما معاً، يمكن الحكم على شخصيّة شباب المستقبل. ومهما تطوّرت أساليب التعليم وتقنياته، يبقى الصفّ الأوّل هو (البيت) والمعلّمون الأوائل هم الأبوان، والدروس الأوّلى هي التي نتلقّاها على أيديهما سواء بالتعليم المباشر (التلقين) أو بغير المباشر (القدوة الصالحة).. إنّ البنية التحتيّة لكلّ شخصيّة من شخصيّاتنا هي (الخزين) الذي غذّى (جذورنا) ووضع الحجر الأساس لبنائنا.

ثمّ تأتي (المدرسة) لتكمّل ما بدأه الأبوان، فهي لا تزرع وإنّما ترعى الزرع وتغذّيه وتنمّيه، وعلى قدر صلاح المدرسة يمكن توقّع نضوج الشخصيّة ورسوخ الهُويّة الإسلاميّة، وبمقدار تعاون وتضامن اليدين أو الحاضنتين أو الرافعتين: (البيت والمدرسة) على حَمْل مسؤوليّة تربيّة وتثقيف أبنائنا وبناتنا، يمكن أيضاً رسم صورة مستقبليّة لنوعيّة الثمار التي سنحصدها. وقد لا يجد أحدنا الغذاء الصحّي في بيته، فيأخذه من مدرسته، وقد يجده في أسرته لكنه لا يلقى ما يناسبه ويواكبه في مدرسته، وبالتالي، فنحن نتحدّث عن نموّ الهُويّة في الأجواء السويّة، ولكلّ قاعدة استثناء.

اما المحيط الطبيعي والاجتماعي والثقافي فله اسهاماته في بلورة الشخصية، فقد تنشأ فتاة في بيئة متخلفة فتذوي وتذبل مهاراتها، وقد تنشأ في بيئة خلّاقة فتبدع وتنشط وتنتج وتغير.

ثمّ يدخل (المسجد) على خطّ التربية، ونحن هنا لا نعني مكان الصلاة فقط، وإنّما هو كلّ مكان يتلقّى فيه الشاب أو الفتاة ثقافة إسلاميّة نظريّة أو عمليّة، فقد يكون مركزاً إسلامياً، أو منتدى إسلاميّاً ثقافيّاً أو منظّمة إسلاميّة شبابيّة، أو حاضنة إسلاميّة أيّاً كان اسمها، وإن كان للمسجد (بيت الله) العارف بدوره الحامل لرسالته، خصوصيته التربويّة المميّزة في إدخال إضافات نوعيّة للشخصيّة والهُويّة، إنّ في تعميق الوعي الاجتماعي بالأسرة الإسلاميّة الكبيرة (المجتمع) وما تمثله من نواة الانتماء الأوسع للأُمّة أو فيما يقدّم هناك من زاد ثقافي وتربوي، ولا نستغرب أو نستكثر شهادات بعض الشبّان والفتيات الذين يقولون إنّهم تعلَّموا ملامح هُويّتهم الإسلاميّة في المساجد والمراكز الإسلاميّة أكثر ممّا تعلموه في بيوتهم ومدارسهم.

أمّا (الإعلام) بمختلف وسائله: المسموعة والمقروءة، المرئية والجامعة لذلك كلّه كأجهزة الحاسوب (الكمبيوتر)، فله اليوم الدور الأكبر أو هو المنافس الأكبر في المضي بالهُويّة إلى مدارج تربويّة أعلى، أو الهبوط بها في منخفضات ثقافية دنيا، ذلك انّ الإعلام وسيلة تثقيفيّة وتربويّة مزدوجة وذات وجهين: إيجابي مشرق، وسلبي منحرف، وإذا سارت الأمور على نحوها الصحيح -وهي لا تسير بهذا الاتجاه دائماً- فإنّ كلّ دائرة من الدوائر، أو كلّ مصدر من المصادر، يضيف إلى البنى التحتيّة (الثقافة الأسريّة أو المنزليّة) رصيداً جديداً ولبنات متينة أخرى تبلور الهُويّة وتجعل منها كـ(اللوح المحفوظ) الذي تُختزن فيه كلّ مقوّمات الشخصيّة الإسلاميّة (العاقلة) و(المتوازنة) و(العاملة) و(البارّة بإسلامها).

هذه باقتضاب المصادر العمليّة التي تُنشئ الهُويّة وتصوغها وتفلترها مع الأيّام، إمّا من جهة المصادر الثقافيّة التي تغذّي وتموِّن الهُويّة بأمصال العافيّة وأسرار القوّة والقدرة على الثبات ومواجهة التحدّيّات، فأوّلها وعلى رأسها القرآن الكريم، سواء في القراءة البيانيّة المجرّدة لنصوصه المقدّسة، أو في القراءة التفسيريّة لتلك النصوص، ولو علم الشباب المسلم قيمة هذا الكتاب العظيم ومدى تأثيره في رسم العقليّة الإسلاميّة، وفي ترشيده للسلوك الفردي والاجتماعي، لما آثروا كتاباً -مهما علت قيمته العلميّة والثقافيّة- عليه، لكنّنا نقولها بأسى وأسف أنّ كتاب المسلمين الأوّل ما زال مهجوراً، وقد يقضي بعض الشبّان والفتيات حياته كلّها من دون أن يتعرّف على الكنوز الثمينة التي تحملها خزائن القرآن، وربّما من غير أن يقرأَ صفحة فيه.

إنّ المكتبة القرآنيّة اليوم حافلة بأطايب الفكر والثقافة والأخلاق والآداب الإسلاميّة، وهي قاب قوسين أو أدنى من كلّ شاب وفتاة، ولعلّ مستوى الشكوى من الجهل بالإسلام والتطرّف فيه أو الخجل منه، كان يمكن أن ينخفض إلى الأدنى لو تعرّفنا على (دستورنا) وعلى (منهجنا الربّاني) وعلى (رسالتنا) وعلى (الينبوع الأوّل) الذي يمد تربة شخصيّاتنا بأرقى ما تحلم به من خصوبة.

ومن أجل أن نعرف ونتعرّف على هُويّتنا الإسلاميّة أكثر، فإنّ مصدرها الأوّل والأساس هو القرآن لأنّ فيه تبياناً لكلّ شيء (على نحو الخطوط العامّة العريضة والقواعد الكليّة التي يمكن أن تحدّد وجهة نظرنا في قضايا حياتيّة واجتماعيّة وسياسيّة كثيرة). وتلحق (السنّة النبويّة المطهّرة) بالقرآن كمصدر ثانٍ ملازم للكتاب الكريم، كونها تفصّل ما أجمله القرآن، وتُجسّد تعاليمه على أرض الواقع، وما كانت الهُويّة الإسلاميّة لتظهر أو تتجلّى بصورتها الحركيّة النابضة المتفاعلة بالقرآن وحده، فلقد رصدنا وجه القرآن وملامحه في سيرة رسول الله 6 والصالحين من أتباعه وتلامذته، ولو كان 6 ساعي بريد ينقل إلينا القرآن من دون أن يجسّمه ويترجمه في الحياة. لمّا دخل الناس في دين الله أفواجا. وإنّ هُويّتنا الإسلاميّة -في جانبها العمليّ والحركيّ- مدينة لرسول الله 6 ولكلّ مَنْ اهتدى بهداه على أنّه شخّصها وبلورها وجذّرها في كلّ مفصل من مفاصل الحياة.

أمّا كتابات أو نتاجات المسلمين الاجتماعيّة والتربويّة والحضاريّة والاقتصاديّة والسياسيّة، والتي لا تتناقض مع مفاهيم القرآن ولا تعاكس خط سير السيرة المطهّرة في تطبيقاتها المنفتحة على الحياة الصالحة، والتي استلّت واستنبطت بعض مواهب الكتّاب وعرضت كنوزه بمعارض حسنة، فهي جديرة بالإفادة منها في فهم الهُويّة الإسلاميّة، ومثلها العلوم العصريّة المختلفة التي يتوصّل إليها العلم والعلماء في كلّ يوم، وما يطلّ علينا من مراكز البحوث والدراسات من نظريات علميّة تنسجم مع مبادئ الإسلام وترفع مستوى الاعتزاز بالهُويّة التي تجاري العصر في نبضه وإيقاعه من غير أن تتجرّد عن خصوصياتها أو تتخلّى عن مهمّاتها.

يضاف إلى ذلك كلّه أنّ خزين التجارب الذاتيّة ورصيد التجارب الحضاريّة للأُمم والشعوب والأشخاص، يُعد رافداً مهمّاً من روافد تغذية الهُويّة وتجلية صورتها الناصعة، فكلّما مرّت الهُويّة الإسلاميّة بمرحلة اختبار -على الصعيد الفردي أو الاجتماعي- وأثبتت جدارتها في الرقي والتعايش والسّلام والتعاون على إعمار الحياة وإصلاحها، وفي الإجابة عن أسئلة الحياة العصريّة. كان ذلك أدعى إلى الاعتزاز والتمسّك بها والدفاع عنها، وأعطى صورة أمينة وصادقة وحقيقيّة عن (معدن) و(جوهر) و(أصالة) هذه الهُويّة. ويتّضح ذلك أكثر كلّما ابتعدنا عن مجتمعاتنا الإسلاميّة وعشنا في محيط اجتماعي مغاير لثقافتنا وقيمنا ونهجنا الحياتي.

وإذا أردنا أن نُلخّص دور ورسالة المصادر الإسلاميّة التي تشكّل الهُويّة الإسلاميّة، نقول: إنّ (جذور) شجرتنا كلّما امتدت في (العمق) أكثر، فتحت ذراعيها في الفضاء وتحت الشمس وفي الهواء الطلق أكثر.. وتعذّر (اقتلاعها) على العابثين بها، أو المتآمرين عليها أكثر، فلنحفر عميقاً حتى نرتفع عالياً!.

 

رابعاً: مقوّماتُ وركائز الهُويّة الإسلاميّة:

كثيرة هي الركائز والمقوّمات التي تشيد الهُويّة الإسلاميّة بناءها عليها، لكننا سنوجزها بأربع ركائز تتفرّع من كلّ ركيزة تفريعات عديدة:

1- الاسم: (أنا مسلم)!

2- الخصائص والسمات

3- مستوى ودرجة الانتماء

4- الرموز والشعائر الدينيّة.

 

 

 

1- الاسم: (أنا مسلم)!

تذّكر قصّة ذلك الشاب المسلم المغترب الذي قال لموظّفة البنك وهو يسترجع مالاً إضافياً أخطأت الموظفة في دفعه إليه، وكيف أنّه قبل أن يخبرها بالخطأ أعلمها بهُويّته: (أنا مسلم)!!

ليكن ذلك شعاراً نرفعه أينما كنّا، فإذا أخطأ الآخرون وأرادوا منّي أن أشاركهم الخطأ، يكون جوابي: (أنا مسلم)!! وإذا احتجّ عليّ البعض فيما أبذل من جهود وعلم ومال وعمل مشترك وحتى تضحيات، يكون ردّي: (أنا مسلم)!!

وإذا تواجد بعض المسلمين في أماكن غير إسلاميّة وخاطبوني بأنّني إذا كنت في (روما) فيجب أن أتصرّف مثل أهلها[45].. أقول: (أنا مسلم)!! ولو حاول البعض التساهل في الالتزامات الدينيّة حياءً أو خجلاً أو مجاملةً أو لأيّ سبب آخر، وطالبني أن لا أكون (معقّداً) وأن أعمل بما تعمل به الجماعة.. أقول وبلا تردّد: (أنا مسلم)! أو (أنا مسلمة)!!.

شعار (أنا مسلم) ليس شريطاً من القماش يُلفّ حول الجبين، أو لافتة تُكتب على القميص، أو قلادة منقوش عليها الشعار، هو إعلانٌ صادقٌ عن هُويّة تستحق، وهو تعبير حيّ عن كلّ عمل إنسانيّ أمرني الإسلام به أم لم يأمرني. ولقد لخّص النبيّ 6 هذا الشعار -في ما روي عنه- بقوله: «أحسِن مصاحبة مَنْ صاحبك تكن مسلماً»[46]!!

إنّه اسم (المسلم) جامع لعدة أسماء وعناوين قيميّة مهمّة، ومنها: (المُسالم) و(المؤمن) و(المؤتمن) و(النصير) و(فاعل الخير) و(المُحسِن).

هو هُويّة متحرّكة.. ومجموعة قيّم سيارة متنقّلة.. أمّا لماذا لا نجد لذلك في الواقع -إلّا في النادر- عيّنات ونماذج ومصاديق تنقله من درجة المفهوم إلى مستوى الفعل والحركة، فهذا ما سنتحدّث عنه في حديثنا عن واقع الهُويّة الإسلاميّة وتحدّياتها.

 

2- الخصائصُ والسمات:

مرّ بنا في الإشارة إلى ملامح الهُويّة الإسلاميّة، إنّها (شرف) و(باعثة على السّلام) و(مصدر قوّة) وسبب للمؤاخاة، وعماد الشخصيّة الإسلاميّة، وعلامة فارقة على الصلاح، وإنّها مثال الوسطيّة والاعتدال، وداعية إلى بناء الحياة الحُرّة الكريمة. وانّها بناءً على ذلك كلّه، تُصلح أن تكون أُسوةً حسنةً وقدوةً صالحةً.

وخصائص الهُويّة الإسلاميّة أوسع إطاراً من هذه الملامح العامّة، فهي كلّ ما خصّ به الإسلام المُسلم من (مكارم الأخلاق) و(عقيدة الإيمان بالله) و(اليوم الآخر) و(أحكام الشريعة) التي ما من شيء يقرّب من الجنّة ويبعد عن النار إلّا وأمرت به، وما من شيء يقرّب من النار ويبعد عن الجنّة إلّا ونهت عنه، ومن ذلك:

1- العملُ الصالح:

يربط الإسلام بين (العمل) وبين (الجزاء) ربطاً وثيقاً، والجزاء ليس هو الأجر الذي يتقاضاه العامل في نهاية عمله فقط، هو في الإسلام (توفيق دنيوي ومباركة إلهية). وثواب أخروي في الفوز بالجنّة والرضوان في دار الإسلام. يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل/ 97).

العمل إذاً شعار المؤمن وسمته البارزة التي بها يصل إلى أعلى درجات الكمال، والإيمان عمل كلّه، وهذا ما استقرّ في الأذهان الراصدة لحركة المسلمين اليوم من دور المسلم العامل الذي يسارع إلى الخيرات ويتنافس من أجلها، ولذلك كان أحبّنا إلى الله أحسننا عملاً، وليس هناك ما يسرّ المسلم أن يلاقي به ربّه كعمله الصالح. وورد عن الإمام محمّد الباقر 7: «إنّ العملَ الصالحَ يُذهبُ إلى الجنّة فيُمهّدُ لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثمّ قرأ: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ (الرّوم/ 44)»[47].

وصلاح العمل هو في نفعه للنّاس وخير النّاس مَنْ نفعهم، فأن أكون مسلماً ولا يصدر عنّي عمل خير، فإنّي أشبه ما أكون بشجرة زينة.. لا تُزهر، ولا تُثمر.. ولا تمتلك جذوراً في الأرض!.

2- أخلاقيّةُ التعامل الإنساني:

هل هناك إنسان -محبّ- يرى الخُلُق الإسلامي العالي ولا ينجذب إليه؟ وربّما لو لم يكن ذلك الشابّ المسلم قد أخبر موظّفة البنك بهُويّته الدّينية، لكانت بادرته بالسؤال: من أيّ الديانات أنت؟ ولأنّ الأخلاق الإسلاميّة جامعة لمكارم ومحامد ومحاسن الأخلاق، فهي بحدّ ذاتها (دعوة) و(داعية) وعامل جذب واستقطاب، وكم كان رسول الله 6 عميقاً في نظرته حينما قرن الإسلام بالخُلق الحسن، عندما قال: «الإسلامُ حُسن الخُلُق»[48]. وكم كان الإمام عليّ 7 دقيقاً في رسم الهُويّة الإسلاميّة، حينما قال: «عنوانُ صحيفة المؤمن حُسن خُلقه»[49].

إنّ تاريخ التعامل الإنساني الإسلامي يحدّثنا أنّ انتشار الإسلام في إندونيسيا التي غالبية سكانها من المسلمين إنّما حدث نتيجة ما حمله التجّار المسلمون إلى تلك البلاد من أخلاق الإسلام. فكانت بضاعتهم التجاريّة تُباع بسرعة من جرّاء أخلاقيّة التعامل في الصدق والوفاء وعدم الغشّ والتسامح وإنصاف المشتري وغير ذلك من الأخلاق التي رغّبت غير المسلمين بالإسلام فاعتنقوه، الأمر الذي يعني أنّ الهُويّة الإسلاميّة سلوك يومي، وأخلاق حسنة في البيت والسوق والشارع وسائر حقول الحياة..

 

3- مستوى ودرجة الانتماء:

من السهولة بمكان أن تميّز مسلماً مندكّاً بهُويّته، وآخر يتعامل بها بحسب حاجته إليها أو استغناءه عنها، وثالث لا يعتني بها اطلاقاً. والانتماء ممارسة وليس انتساباً فقط، وخير ما يعبّر عن حقيقة الانتماء إلى الهُويّة الإسلاميّة أمران: أن تحب وتتعاطف وتنصر الصالحين، وأن ترفض مودّة ومعاونة أعداء الله الفاسدين، وهذا ما نجد صداه فيما عرّفنا رسول الله 6من كيفيّة اختبار انتمائنا بفحص قلوبنا، فإن كانت توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله، ففينا خير والله يحبّنا، وإن كانت (قلوبنا) توالي أعداء الله وتعادي أولياء الله، فليس فينا خير، والله يبغضنا، والمعنى ترجمة لقوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (المجادلة/ 22).

يُحكى أنّ شاباً مسلماً أراد الزواج بفتاة على غير دينه، وكانا يدرسان في حقل دراسيّ واحد، ولكن والد الشاب رفض ذلك الزواج إلّا إذا استطاع ابنه اقناع الفتاة بالإسلام، ولمّا أخبرها الخبر، طلبت إليه أن يأتيها بأُمّهات الكتب الإسلاميّة لتتعرّف من خلالها على الإسلام، وأن يمهلها فترة كافيّة للاطّلاع على الدّين الإسلامي، ثمّ بعد ذلك تقرّر، وهكذا كان، وعندما دعته للّقاء أخبرته أنّها باتت مقتنعة بالإسلام، لكنها لن تقبل به زوجاً! فكانت الصدمة! سألها مندهشاً: ولماذا؟ أجابته: لأنّ معالم الهُويّة الإسلاميّة التي استنتجتها من الكتب التي قدّمتها لي تقول لي بأنّك لست مسلماً؟! فأبرز لها بطاقته الشخصيّة وأشار بإصبعه إلى حقل الدّيانة، وقال لها: اقرأي وتأكَّدي بنفسك.. ألست مسلماً بشهادة بطاقتي؟ قالت: نعم بطاقتك تشهد لكن واقعك العملي لا يشهد!!

ولذلك نقول، جميل بالمسلم أن تستثار غيرته على إسلامه وعلى نبيه وعلى مقدّساته عندما يساء إليها في هذا البلد الغربي أو ذاك، فيدعو إلى التظاهر والاحتجاج في الصحافة والإعلام، وربّما في خطوة عمليّة أكثر جرأة بمقاطعة بضائع البلد الذي صدرت منه الإساءة بحقّ نبيّ الإسلام محمّد 6، ولكن الأجمل أن لا يسيء هو شخصيّاً بتصرّفاته المخالفة للدّين والمنافية للأخلاق إلى الإسلام وإلى نبيّه وإلى شخصيّته هو أيضاً، فكم من المخالفات التي يرتكبها بعض الشبّان وبعض الفتيات المسلمون دون أن يلتفتوا إلى أنّ ذلك يؤذي ويؤلم رسول الله 6 ويسيء إلى سمعة أُمّته، ولكنهم إذا صدرت الإساءة من غير المسلمين تحفّزوا وتحمّسوا للردّ والدفاع بقوّة.

إنّنا لا ندافع هنا عن المسيئين للإسلام وأهله من غير المسلمين، لأنّهم يعبّرون أحياناً عن حقد دفين، وعن جهل مطبق، وعن تحريض من دعاة الفتنة، ونرحّب بالردّ العقلاني الحضاري غير المتشنّج ونرفض الردّ العنيف الذي يقابل الإساءة بإساءة، وقد علَّمنا أدب القرآن أن لا نسبّ المشركين لئلّا يسبّوا الله عَدْواً بغير علم، فالشرك عند المشركين (مقدّس) كما أنّ التوحيد عند الموحّدين (مقدّس)، السباب لا يجلب إلّا السباب، كما أنّ العُنف لا يجرّ إلّا العُنف. لكنّنا يجب أن نكون أشدّ حساسية إزاء أخطاءنا وإساءاتنا، لاسيّما وأنّنا نعلم كم كلّفتنا الفرق المتطرّفة من إساءة لفهم الإسلام، وتضييق الخناق على المسلمين، كما نعلم كم اجتذب التعامل الإسلامي المعتدل السليم من مهتدين بنور الإسلام.

الانتماء الحقيقي إلى الإسلام إذاً هو النسخة العمليّة منه، ولا تتضح حقيقته إلّا بالشعور بالمسؤولية إزاء هُويّته التي يفترض أن تشرق شمسها في الفضاء الإسلامي، قبل أن تمدّ بأشعّتها إلى المحيطين بها أو البعيدين عنها، وألّا نبقى نردّد مقولة جائرة (وإن كانت لها تطبيقات عمليّة مؤسفة كثيرة) وهي أنّ في بلاد الغرب إسلاماً بلا مسلمين، وإنّ في بلاد المسلمين مسلمين بلا إسلام!

 

4- الرموزُ الدّينيّة والشعائر الإسلاميّة:

لكلّ هُويّة ثقافيّة أو دينيّة أو اجتماعيّة أو فنّيّة رموزها الخاصّة بها التي تختزل وتختزن الكثير من المعاني في تعبير (شخصي) أو (لفظي) أو (إشاراتي) أو (زيّ معيّن) أو (علاقة طبيعيّة) أو (بناء عمراني) أو ما إلى ذلك.

ونحن إذ نعتبر الرموز الدّينيّة بمثابة مكوّن أو ركن أو مقوّم من مقوّمات الهُويّة الإسلاميّة تقديراً منّا أنّها حاملة لعدد من القيم الأخلاقيّة أو التعاليم الدّينيّة التي تعزّز التضامن والوحدة بين أتباع الدّين الواحد وحَمَلة الهُويّة الواحدة، بل وتميّزها عن رموز الهُويّات الدِّينيّة الأخرى، فـ(الكعبة) كرمز عمراني ينطوي على دلالة التوجّه نحو (القبلة) التي هي بدورها رمز لأداء الصلاة نحوها، كما تحمل رمز الحجّ إليها والطواف حولها في موسم معيّن، فضلاً عن رمزيّتها في التفاف المسلمين جميعاً حول قطب توحيدي واحد، وكذلك يقال عن (المسجد) و(المحراب) و(المنارة) كرموز دينيّة عمرانية.

و(الهلال) رمز للتّقويم الإسلامي القمري، الذي يُستدَلّ به على مطالع الشهور ومعرفة مواقيت العبادات، وهو رمز طبيعي أيضاً، كما أنّ المزارات الشريفة والمراقد المقدّسة (كقبر النبيّ 6) رموز معبّرة عن أماكن لاستلهام الدروس من سير وتراجم الراقدين فيها، فقاصدها لا يقصد زيارة قبر، وإنّما يتّجه بوجدانه لزيارة الراقد في ذلك الضريح، ليستمد منه روحيّة خاصّة ويجدّد العهد معه على السير على ما سار عليه.

و(العمّة) زيّ إسلامي يضعه علماء المسلمين على رؤوسهم للدلالة على أنّهم حَمَلة علم وفقه ومعرفة إسلاميّة، كما أنّ الستر الشرعي (الحجاب) هو رمز ديني يعني الالتزام بالعفّة والحشمة والآداب الإسلاميّة، وكذلك (لباس الإحرام) للرجال، أو (الكفن) بالنسبة للميّت، بل حتى (المسبحة) رمز ديني للتسبيح.

والرّموز الدّينيّة الشخصيّة هي المقامات والقيادات الدّينيّة العالميّة وعلى رأسها وفي طليعتها النبيّ محمّد 6 وأهل بيته: وسائر القيادات العلميّة والإصلاحيّة التي اقتدت بهم واهتدت بهديهم، على أنّ اختصاص المسلم بالنبيّ محمّد 6 لا يعني حصر النبيّ بالمسلمين فقط، فهو للعالم أجمع وللإنسانيّة كلّها، ولكن نبيّ المسلمين -كما هو المتعارف بين أُمم الأرض- هو الرسول محمّد 6، وهو لا يحمل رمز تبليغ الرّسالة والهداية فقط، بل هو رمز الرحمة المهداة إلى العالمين، والنموذج البشري الكامل، والخُلُق الإنساني الأعلى أيضاً.

وبعض الأزمنة يمكن أن تعدّ رموزاً دينيّة أيضاً، فالعيدان (الفطر والأضحى) يرمزان إلى يوم فرح روحي بالوصول إلى مرتبة القرب من الله بالطاعة للصوم والتلبية للحجّ، كما أنّ (يومَ الجمعة) الذي تقام فيه صلاة الجمعة رمز لاجتماع المسلمين في يوم عطلتهم وبحسب أماكن تجمّعهم ليعيشوا التئام الشمل في (العيد الأصغر) كما يعيشون الأعياد الكبيرة أو الكبرى في الفطر والأضحى.

كلّ هذه الرموز وغيرها ممّا لم يذكر، تحلّ -كما يقول علماء اللغة- في ذهن حامل الهُويّة وذهن الناظر إليه من الخارج، محلّ أشياء أخرى في الدلالة عليها لا بطريق المطابقة التامّة، وإنّما بالإيحاء، أو بوجود علاقة عرضية أو متعارف عليها، وقد تكون شيئاً ملموساً أو محسوساً يحلّ محلّ المجرّد، وقد تحمل أو تنطوي على عدد من الدلالات وليس على دلالة واحدة فقط، وتلك هي رسالة الرموز الدّينيّة التي إن أحسنّا التعاطي معها فإنّنا نكون قد عرضنا وجهاً أو مَعلماً من مَعالم هُويّتنا الإسلاميّة، التي من مَعالمها أيضاً تحيّة الإسلام (السّلام) و(البسملة) في الشروع بكلّ عمل مبارك.

هذا من حيث (الرموز)، امّا من حيث (الشعائر) فهي (عبارة عن المراسيم والآداب والنشاطات التي تميّز الأُمّة الإسلاميّة عن غيرها من الأُمم، وتكون علامة فارقة لها عن الجماعات الأخرى) وبعضها (عبادي) كالصلاة والصوم والحجّ، وبعضها مرتبط بالعبادي كالدعاء وصلاة العيدين، وصلاة الجمعة والجماعة، والعمرة، والصيام المستحب، ولذلك يقول المفسّرون إنّ شعائر الله (الواردة في القرآن) يراد بها جميع العبادات التي أشعرها الله، أيّ جعلها إعلاماً لنا، ولا يخفى أنّ بعض العبادات الإسلاميّة يمكن أن تؤدّى فرادى ويمكن أن تؤدّى جماعة، ولها أماكن معيّنة أو أوقات معيّنة، وقد لا تختص بتلك الأماكن كالصلاة فهي تؤدّى حتى خارج المسجد، ولا تتعلّق بتلك الأزمنة كالصيام في أيّام معيّنة غير أيّام الشهر الكريم (رمضان).

أمّا ما هي أهميّة الشعائر في حياتنا، فيمكن تلخيص ذلك بما يلي[50]:

1- قدرتها على الحفاظ على وحدة الجماعة وحمايتها من التفكُّك.

2- قدرتها على تشخيص الهُويّة وترسيخ الانتماء إلى الإسلام بما تميّز به الجماعة الإسلاميّة عن سواها من الجماعات.

3- تنمِّي مشاعر الاعتزاز والكرامة والشعور بالقوّة.

4- تهدف إلى تنوير العقول وتهذيب النفوس والتغيير الاجتماعي.

5- تخلق حالة من العُرْف أو الرأي العام يكون له من التأثير ما هو أكبر من القوانين والتشريعات أحياناً.

6- تساعد على ضبط السلوك المجتمعي.

7- تساهم في تأييد ورفض السياسات الحاكمة من خلال خُطب الجمعة أو العيدين أو ما يلقى على المنابر وفيها من توجيهات رافضة ومؤيدة.

8- تعمل على إيجاد روح التكافل والتعاون والتفاهم والمودّة بين أفرادها، بل تنفع حتى في تبادل المنافع والمصالح أيضاً.

وبذلك نفهم الدور والرسالة التي تضطلع بها (الرموز الدّينيّة) و(الشّعائر الإسلاميّة) في تعميق مفهوم الهُويّة وترسيخ أبعادها وتقوية أهدافها.

خامساً: ما هو واقع الهُويّة الإسلاميّة، وما هي التحدّيات التي تواجهها؟

تتعرض الهُويّة الإسلاميّة أو الدّينيّة عموماً، إلى حالات من الاهتزاز والاضطراب في فترات مختلفة، وأوّل ما تظهر هذه الحالات في الجيل الجديد، وفي أوساط الشبّان والفتيات وفي المغتربات، لأنّها الأكثر قابليّة للتغيير، ولذلك نشهد ما يسمّى بـ(أزمة الهُويّة) و(ضياع الهُويّة) و(تزاحم الهُويّات) أو (صراع الهُويّات) والمطالبة بـ(هُويّة عصريّة) والشكوى من خنق أو اختناق الهُويّة في الأطر القوميّة والطائفيّة الضيّقة، ويرجع ذلك كلّه إلى عدم فهم الهُويّة فهماً حقيقياً.

وإلّا فالهُويّة لا تضيع أو تندثر أو تنطمس. نعم، يمكن أن تتلاشى بعض ملامحها تحت تلاقح الثقافات والاندماج مع المجتمعات الأخرى، والتواصل مع الدّيانات الثانية، فيلتقط الشاب أو الفتاة من هنا شيئاً ومن هناك شيئاً من غير أن يمتلك المعيار في الأخذ والترك، وغالباً ما يبدأ التساهل أو التنازل عن بعض مقوّمات الهُويّة، عندما يستسلم الشاب أو الفتاة إلى مقولات من قبيل: نحن متخلّفون وهؤلاء سبقونا في مضمار العلم والحضارة، أو أنّ الانفتاح على الآخرين ضرورة، أو الدّين هو العبادة وأنا أحافظ على طقوسي الدّينيّة، أو الإنسان حُرّ في ما يعمل ويختار.. وما إلى هناك من شعارات غير مدروسة بشكل دقيق، فالاندماج الذكي بالمجتمعات غير الإسلاميّة القائم على الأخذ بما ينفعنا وترك ما يضرّ بأخلاقنا وهُويّتنا، ومعرفة أنّ الدّين ليس شكلاً أو طقساً عباديّاً فقط، وإنّما هو أسلوب متحضّر في التعامل، وله كلمته المعروفة في شؤون الحياة المختلفة، وأحكامه التي تقنّن السلوك والتصرّفات، وأنّ الحرّية لا تعني اختراق حدود الدّين وتجاوز ثوابته، الأمر الذي يجعلنا فعلاً نتحدّث عن (أزمة) لا عن (ضياع) فالهُويّة ليست مفتاحاً يسقط من الجيب فيضيع، هو عمليّة صيرورة وتشكّل تمتدّ بجذورها من أيّام الطفولة إلى المرحلة التي نحن فيها، وتقتبس من البيئة المعاشة بعض ملامحها، وتأخذ من الثقافة المحيطة شيئاً من غذائها الذهني والنفسي أو الروحي، وتلتقط من العلاقات طباعاً (طيّبة أو خبيثة) تؤثّر في السلوك العام للشخصيّة، وتنطبع الرّموز والشّعائر الدّينيّة في وعينا فنراعي ذلك كلّه، وبالتالي فإنّ هُويّتنا هي نتاج وتفاعل هذه العوامل كلّها.

وقد يقال إنّ (العولمة) كنظام عالمي جديد يقوم على الإبداع العلمي والثقافي وثورة الاتصالات، ويركّز على إيجاد نمط ثقافي واحد يستوعب جميع الثقافات الأخرى من أجل بناء ثقافة عالميّة واحدة، هو التحدّي الأكبر للهُويّة الدّينيّة أو الإسلاميّة على وجه التحديد، ولكنّنا لا ننسجم مع هذه الأطروحة أو الرؤية التي تحاول أن تضع (الثقافات) و(الدّيانات) و(البيئات) المتباينة في خلّاط واحد لتصنع منها (عصيراً) ثقافيّاً ودينيّاً وبيئيّاً مشتركاً.. لماذا؟

لأنّ الثّقافة والدّين والبيئة ليست تفاحاً أو برتقالاً أو ليموناً يمكن أن نصنع منه (كوكتيل) أو مزيج عصائر مختلطة لا تدري أيّها الليمون وأيّها البرتقال وأيّها التفاح، وربّما غاب عن أذهان دعاة المزيج الثّقافي والخليط الدّيني والتلابس أو التقارب البيئي، أنّ العالم وإن استحال إلى (قرية كونيّة صغيرة) وإنّ وسائل التقنيّة والاتصالات الحديثة مهما قرّبت البعيد، وجعلت الثّقافة العامّة غذاءً أمميّاً، لكن ذلك لا يلغي شرطاً إنسانيّاً مهمّاً، وهو أنّ (التعدّد) و(التنوّع) و(الاختلاف) هو سبب ثراء الفكر والعلم والحضارة، وأنّ الإنسان كلّما تقدّم في مراقي العلوم والمعارف ووسائل الاتصال احتاج إلى المزيد من التنوّع من أجل المزيد من الإبداع، ذلك أنّ فكرة (النسخ المتكرّرة) والاجتهاد الثّقافي، فكرة جاهلة وغير مستوعبة لفكرة التعدّد وإيجابية الاختلاف. يقول خالق الخلق والعارف بكلِ قيم وفوائد تنوّعاته واختلافاته والهادف إلى ذلك من أجل إعمار الأرض وتوسيع آفاقها: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود/ 118).

ويقول في سبب تنوّع البشريّة وتعدّد أعراقها وألسنتها واختلاف هُويّاتها: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات/ 13). (عليم) بما يُصلح حياة الإنسان على الأرض بتعدّد روافدها ومشاربها وثقافاتها وإبداعاتها، و(خبير) بأنّ (التعارف) لا (الانصهار) في بوتقة واحدة هو السبيل لإثراء البشريّة وإخراجها من ضيق الرتابة إلى سعة الإنتاج. وإذا جاز لنا أن نستخدم لغة علم الأحياء (البيولوجيا) فإنّ (المضرَّب) و(الهجين) من الحيوان يكتسب قوّة أكبر وجمالاً أروع وإنتاجاً أفضل من الدوران في حلقة جينية واحدة. نعم، الأصالة مطلوبة لاسيّما في الحفاظ على نصاعة أصول الهُويّة الإسلاميّة، لكنّ الانتفاع بما لدى الآخر من علوم وأساليب وثقافة وآداب هو هدف إلهي لتلوين الأرض بألوان تكسب الحياة بهجتها وتكاملها ولذلك كان التعاون وتلاقح تجارب بعض أبنائها بتجارب أبنائها الآخرين.. والانفتاح الهادف ينفع الهُويّة ولا يضرّ بها.

بقي أن نشير إلى أنّ شريحة الشباب تنقسم -على ضوء أزمة الهُويّة- إلى أربعة أصناف:

1- صنف يفتخر ويعتز بهُويّته ويتمسّك بها في جميع الظروف والأحوال والأوقات والأمكنة، وهم العارفون بقيمة هذه الهُويّة الحريصون على تجسيدها واقعاً حيّاً.

2- وصنف يخجل من التعريف بهُويّته، أو يتكتّم ويتستّر عليها، إمّا خوفاً من التعرّض إلى الأذى، وبسبب ما يشاع اليوم -في بلدان الرّعب والإرهاب- من (القتل على الهُويّة)، وإمّا لأنّه لم يتذوّق حلاوة هُويّته أو يتعرّف على محاسنها ومزاياها فيتصوّر أنّها مدعاة للخجل، وأنّها لا تستحق الكشف والإعراب عنها فضلاً عن الافتخار بها، وأنّ هُويّات الآخرين أفضل من هُويّته، وقد يدفع الضُّعف بعض الشبّان الذين يعيشون اهتزاز الهُويّة أن ينسبوا أنفسهم إلى الآخرين لئلّا يقال عنهم ما يقال، أو ليكتسبوا العزّة منهم ولا عزّة إلّا من الإسلام وفي الإسلام.

3- وصنف ثالث يتردّد بين الاثنين، فهو يصرِّح بهُويّته متى ما كانت الأجواء مناسبة ومشجّعة على ذلك، أي في المحيط الاجتماعي الإسلامي عادة، ويخفي هُويّته إذا كانت الرّيح معاكسةً والتيّار مختلفاً، أي أنّه -هو الآخر يعيش اضطراب الهُويّة- فيحسب أنّ ثمّة نقصاً أو عيباً في هُويّته لا ينبغي كشفه أمام الآخرين، فهو متردّد ومحتار وقلق ولا يمتلك الثّقة الكافيّة بهُويّته، وهو بحاجة إلى المزيد من التعرّف عليها.

4- وصنف مسيئ لهُويّته بما يرتكبه من مخالفات صريحة ووقحة لمبادئ هذه الهُويّة. فإذا رآه المسلم شكّ في إسلاميّته، وإذا رآه غير المسلم حسبه منه، وهو لا يهتم لسمعته الدّينيّة في أوساط المسلمين، وربّما كان ما يهمّه هو أن يرضى عنه أعداء الدّين، أمّا أهل دينه فلا يهتم إن رضوا وإن سخطوا. (راجع الروايات والأحاديث التي تخرج المسلم من المدرسة الإسلاميّة بخروجه عن تعاليمها).. وكما أشرنا سابقاً، فإنّ ذلك لا يخرج المسلم من (الدين) كونه شهد الشهادتين، لكنّه يخرجه من (الهُويّة) قطعاً.

تلك كانت قراءة سريعة في واقع هُويّتنا الإسلاميّة اليوم في جانبها السلبي، ولكن للعملة وجهان، إمّا وجهها الآخر فهو ما نشهده من التمسّك بأهداب الهُويّة على الرغم من كلّ ما تتعرض له من طعون كتابيّة أو لسانيّة، وإساءات عمليّة، فما زال في الأُمّة شبّان مؤمنون وفتيات مؤمنات قادرون ليس على مواجهة التحدّي بالثبات، وإنّما على إبطال تلك الطعون والردّ على الإساءات من خلال التزام ديني مشرّف، وثقافة إسلاميّة عاليّة، ونهج إسلامي ممانع، وهؤلاء -على قلّة تعدادهم- يمثّلون النموذج والقدوة، بل و(الحجّة) على المتقاعسين والمتخاذلين من نظرائهم من الشباب. تراهم في ميادين المواجهة، وفي ساحات العمل الوطني، وفي الدعوة إلى الله، وعلى صفحات (النت) والصحف والمجلّات والفضائيّات، وفي مبادراتهم للحفاظ على الهُويّة من جانب، والدفاع عنها من جانب آخر.

كما يمكن أن نتلمّس أو ونقرأ الوجه الآخر المشرق لمعطيات الهُويّة، من خلال هذا الإقبال الكبير على الدّين الإسلاميّ من غير المسلمين، والتزايد الملحوظ في أعداد مَنْ يعتنقون الإسلام عن قناعة وإيمان وثقة بأنّه (الحل) الوحيد لأزمة الإنسانيّة عند الإنسان المعاصر. ولو اطلعت على كتاب (لماذا أسلمنا) لوجدت أنّ دواعي وأسباب قبول الإسلام والإقبال عليه هو هُويّته الناصعة والمشرّفة والمعبّرة عن تطلُّعات الإنسان الحقيقيّة، فخلاصته ما يراه مَنْ أُعجب وانجذب وانشدّ إلى الهُويّة الإسلاميّة، هو أنّ دين الإسلام يمثّل المنطقية والعقلانية والبساطة، والواقعية، والتوازن، والإنسانيّة، والأصالة (سلامته من التحريف) وأنّه نظام كامل للحياة، وأنّه يروي الظمأ الروحي أخلاقياً واجتماعياً، ويرعى المرأة والمسنيّن والجيران، وكأنّ هؤلاء المهتدين أو الداخلين إلى بيت الإسلام والمتحوّلين إلى أفراد في أسرته الكبيرة، يلفتون بهدايتهم واهتدائهم إلى الحلّ، أنظارنا نحن المسلمين إلى نقاط القوّة وقيمة الهُويّة التي نحمل ولا نعرف قيمة ونفاسة ما نحمل، وإلى سمات هُويّته التي ربّما نعرفها ثقافة ولا نترجمها إلى واقع عملي ملموس، والحديث هنا ليس بالمطلق، فما زال في الكثير من شباب الأُمّة خير (النهوض السياسي الأخير في العديد من البلدان الإسلاميّة نموذجاً).

ولئلّا يكون الكلام عامّاً، يجدر بنا الإشارة ولو سريعاً إلى بعض النماذج الحيّة والحيويّة التي رصدت هُويّة الإسلام من الداخل بعد أن تعرّفت عليه من خلال الممارسة والسلوك الخارجي، وتأثرت به أكثر ممّا قرأته عنه في ثنايا الكتب.

«فهذه الأميرة الإنجليزية (ديانج مودا) أميرة سرواك، تعتنق الدّين الإسلاميّ، وتقول: لقد دُهشت عندما رأيت ما في الدّين الإسلاميّ من (طهارة) و(حكمة) و(يُسر) وقد شعرت بأنّ قلبي كلّه وروحي جميعاً مغموران بهذه الهداية التي هي في غاية الملائمة للبشر وللعقول»[51].

ويعبّر قسّ سابق عن تجربته الشخصيّة، فيقول: «لقد وقعت تحت تأثير الخُلُق الإسلاميّ، وخاصّة في العلاقات الاجتماعيّة، فالإسلام يوصي بالأقارب والجيران ومحبّة كلّ النّاس. إنّنا في المجتمع الهولندي قد فقدنا العلاقات الحميمة الصادقة، وتزداد يوماً بعد آخر المسافة بين أفراده، إنّني أشعرُ كأنّي في بيتي وأهلي وأنا بين المسلمين»[52].

ويجيب الدكتور (مايكل دينس – محمّد أسعد) عن سؤال لماذا أسلمت، بنقاط ثلاث: فيعتبر ذلك رحمةً وفضلاً من الله الذي دعاه للإسلام، وأنّه مسلم لأنّه يعتقد بأنّ الإسلام يعطي حلولاً وإجابات لجميع أمراض العالم. وبدونه يبدو المستقبل قاتماً وغير مستقر، وثالثاً هو مسلم لأنّ الإسلام يبني العقل وينمِّي المنطق، وفيه حلول عمليّة لكلّ مشاكل الحياة اليوميّة.

وعلى أيّة حال، فلقد صرّح مدير مجلس المساجد في أمريكا (داود أسعد) لصحيفة نيويورك تايمز: انّ 90% من الذين يعتنقون الإسلام في أميركا هم من السود، وهم يؤكّدون أنّ العقيدة الإسلاميّة تنظّم حياتهم وتشعرهم بنوع من الانتماء!! (أيّ تمنحهم هُويّة).

 

سادساً: كيف نحافظُ على هُويّتنا، وما هي مظاهر الاعتزاز بها؟

لابدّ في البداية من التأكيد أنّ ما نحتاج إليه فعلاً ليس هو استرداد الهُويّة الضائعة، وإنّما المحافظة على سلامة الهُويّة من الانحراف والتحريف، فهُويّتنا الإسلاميّة ليست مفقودة وعلينا أن نفتّش عنها، وإنّما هي مريضة تعاني من أزمة صحيّة، ومن صدأ متراكم عليها يمكن إزاحته لا على مقدار ما نفهم هذه الهُويّة ونحبها، ونتعلَّق بها، ونعتز بها فقط، وإنّما من خلال شعور حقيقي أنّها سبب عزّتنا أيضاً.

وسُبُل الحفاظ على الهُويّة كثيرة، أفاض فيها الباحثون والدارسون والحريصون على نقائها أو بقائها (فاعلةً) (متفاعلةً) سواء من خلال (الخطاب الدّيني المعتدل والمراعي لخصوصيّات الزمان والمكان والشرائح المخاطبة) أو من خلال إعادة الاعتبار لدور الأُسرة كواضع لحجر أساس الهُويّة، أو إلى الانتقال بالمناهج التعليميّة الدّينيّة من (التلقين) إلى (التفاعل) ومن (السرد) إلى (طرح الأسئلة والإجابة عنها) والاستماع إلى ما يدور في الأذهان من إشكالات والردّ عليها، وإلى عدم التسليم المطلق لما يقوله الإعلام بكلّ وسائله المرئيّة والمسموعة والمقروءة والجامعة. فهو بين (مُغرض) ومتعمّد للإساءة والإثارة والاستفزاز، وآخر (متعصّب) للفئة والطائفة والمحور السياسي الذي ينتمي إليه ولا يرى الحياة إلّا من شبّاكها الضيّق، وآخر يُلبس الثقافة الإسلاميّة ثياب التغرّب لنحسبها من الإسلام، وما هي منه، وآخر يخلط الحقيقة بالزيف.. وآخر وآخر، حتى يندر أن تجد إعلاماً محايداً أو منصفاً يقول الحقيقة كما هي أو كما يجب أن تعرض وتقال، ولذلك فمن سُبل المحافظة على الهُويّة تربية مَلكة النقد عند الشباب المسلم، فلا يكون المتلقِّي السلبيّ المذعن لكلّ ما يعرض من (صور) وما يقال من (كلمات).

ومن سُبل المحافظة الجادّة على هُويّتنا هو أن نتعرّف على قرآننا أكثر، لا من خلال قراءته المجرّدة فقط، بل من خلال التمعّن والتفكُّر في دروسه وتعاليمه وقوانينه وتطبيقاته الحياتيّة، وعرض أسئلتنا عليه ليجيبنا عنها، وبالتلازم فإننا نحتاج إلى الاهتمام باللّغة العربيّة لأنّها سبيل مهم من سُبل فهم القرآن وأدبيّات أو منابع الثقافة الإسلاميّة الأخرى، ومطلوب أيضاً أن نعيد قراءة تأريخنا قراءةً محايدةً، سواء بعرض وقائعه على مفاهيم القرآن والسنّة المطهّرة، أو من خلال القراءة الناقدة المقارنة بين حوادثه ورواته، كما نحتاج بالتوازي أيضاً إلى أن ينصب اهتمامنا على صيانة المعالم والرموز التأريخيّة وعدم التفريط بها، فكم طُمست واندثرت معالم مهمّة كان يمكن أن تشكّل باعثاً على الارتباط الروحي مع مواقع وأماكن لا تمثّل الجغرافيا فقط، وإنّما تستثير في ذهن زائرها والمتأمّل فيها تأريخاً حافلاً بمشاهد الفخر والاعتزاز فننتهل منها بعض حماستنا الدّينيّة، أو بما تذكّرنا به من مشاهد الذل والانكسار والتردّي، فلا نعيد مأساتها أو نكرر الوقوع في أخطائها (قصة سقوط أسبانيا بيد الصلبيين نموذجاً) وخير ما يمكن أن نحافظ به على هُويتنا الإسلامية، هو أن نعيشها واقعاً وممارسةً –سواء في تلبية متطلبتها، أو في دعوة الآخرين إليها، وأن نتعايش ونتواصل معَ الآخر على طريقة (خالط النّاس ودينك لا تَكلِمَنّه) فباب الانفتاح على الآخر والتعارف معه (الاستفادة من تجاربه وعلومه وخبراته) مفتوح، وإلّا ما دعا النبي6 أتباع دينه إلى طلب العلم ولو في الصين-، إذا كان يخاف عليهم من اندثار أو ذوبان أو ضياع هُويّتهم!! امّا ما هي مظاهر الاعتزاز بالهُويّة كسؤال أخير فيمكن الإجابة عنه بطريقتين: نظري عام وتمثيلي واقعي مستفيدين بذلك من بعضِ تجارب الآخرين بالاعتزاز بهُويّاتهم- نظرياً، يمثل الشعور بالتميز والاستقلالية ونقاط القوة في الهُويّة الإسلاميّة سبباً كبيراً من أسباب الاعتزاز بها، ويتجلى ذلك في المناسبات والمنعطفات (ناهيك عن الأزمات) و(في ردود الأفعال على العدوان والإساءات) وفي الدّعوة إليها لا لكسب مزيد من الانصار والحلفاء، بل لأنّها أصلح أطروحة نريد للأخرين أن يسعدوا بها كما سُعدنا ونُسعِد ولا نحمل الهُويّة ووزر وأخطاء ومخلفات بعض الحاملين لها اسماً لا ممارسةً. (راجع نقاط القوّة في الهُويّة الإسلاميّة من خلال شهادات بعض معتنقي الدّين الإسلاميّ من غير المسلمين، وأجوبتهم). عن سؤال: لماذا: أسلمنا[53]؟!

فمن مظاهر الاعتزاز بالهُويّة عند بعض الشعوب هو اهتمامها بزيّها الوطني والأزياء التراثية تقديراً لأبنائها انّها تمثّل عراقة المجتمع وأصالته وحضارته وأنماط حياته (تأمّل في انشداد الهنود والباكستانيين والأسكتلنديين، والخليجيين، والأكراد، والسنغاليين والموريتانيين والمغاربة بأزيائهم) وما يهمّنا هنا القول. ألا يدعو المرأة المسلمة ذلك إلى الاعتزاز بسترها الشرعي حتى في الأوساط التي لا يمثّل هذا الزيّ عندها قيمة بذاته. ألم تُمنع بعض الفتيات في المدارس الغربيّة من ارتداء غطاء الرأس على اعتباره رمزاً دينيّاً؟ فلماذا تمسّك البعض بزيّه الوطني معتبراً إيّاه دليلاً على الانتماء ولا نتمسّك كمسلمين بأزيائنا كدليل على انتمائنا لهُويّة معيّنة؟!

ومثل ذلك يقال عن اعتزاز الشعوب والأُمم بأعياد اخترعوها وابتدعوها، وقد يبدو بعضها تافهاً وسخيفاً، لكنّهم يصرّون على ممارسته وإحيائه والاحتفال به كلّ عام، كالاحتفال بعيد شمّ النسيم، وعيد النيروز، وعيد الطماطم (التوماتينا) الذي يُحتفَل به منذ أكثر من ستين عاماً، وهو تراشق بالطماطم ليس إلّا، وعيد الحبّ الحسّي (فلنتاين).. والأعياد التي ابتدعها النّاس بعد ذلك كثيرة لا نريد الخوض في تسمياتها وتفاصيلها، ولا تقييم ما لها وما عليها، لكنّ ذلك يدعونا إلى مراجعة أعيادنا الإسلاميّة، لنرى كم فيها من معالم الفرح الروحي التي لا تجد في أعياد الدنيا مثلها.. إنّها ملمح من ملامح هُويّتنا التي تدعونا إلى الاعتزاز بمظاهر البهجة من خلال الفرحة بالقرب من الله أكثر سواء من خلال التزاور أو التسامح أو رعاية الأيتام والأرامل ومساعدة المعوزين.. إنّه عيد الخير والبركة والتواصل.

وقل الشيء نفسه عن اعتزاز الشعوب بمعابدها وآثارها ومزاراتها الدّينيّة التي يقصدها الحجيج من كلّ مكان للتقرّب إلى أصنام وأوثان وممارسة طقوس عجيبة غريبة ما أنزل الله بها من سلطان، وبين أيدي المسلمين من أماكن العبادة ما تسمو بالروح في أجواء الصفاء. ومن الطقوس العباديّة ما يقوّي أواصر المسلم بأخيه المسلم وبأُمّته الإسلاميّة، وبما يبني شخصيّة المسلم ويرفع من معنوياته. (ولسنا في صدد الحديث عن المبتدعات من شعائر غريبة ودخيلة على ديننا يأباها العقل والذوق السّليمان).


 

رسالةُ الكتاب في سطور..

روي أنّ جماعة امتدحوا شخصاً أمام رسول الله 6 فوصفوه بالمتديّن؟ فقال 6: كيف هو عقله؟! فقالوا: نحدّثك عن عبادته وتسألنا عن عقله؟ قال: «لا يعجبُكم إسلامَ رجلٍ حتى تعلموا كنه عقله»[54]. وروي أيضاً أنّ بعض الصحابة مدحوا امرأة في حُسن تعبّدها وأدائها للنوافل (المستحبّات)، فسألهم 6: «وكيف هي معَ جيرانها؟!» فقالوا: إنّها تسبّ وتشتم، فقال: «لا حاجةَ لله في صلاتها ولا في صومها»![55] وفي الخبر عن الإمام جعفر الصادق 7: «لا تغرّكم من الرجلِ كَثَرةُ صلاته وصيامه، فقد تكون عادةً اعتادها حتى إذا تركها استوحش ولكن اختبروه بـ(الصّدق) و(أداء الأمانة)»![56].

هذه هي بعض معالم هُويّتنا: (العقل) و(العمل) و(التوازن) و(الأخلاق) وعلى رأسها (الصّدق) و(أداء الأمانة)، ولذلك فإنّنا نؤيّد مقولة إنّ الإنسان المسلم هو الوحيد المؤهل بحكم عقيدته وموقعه العملي والأخلاقي، لأن يتحقّق إنقاذ الحضارة الإسلاميّة على يديه، ولا يمكنه أن يحقّق ذلك إلّا إذا خرج عن تخلّفه، وتعافى من إصابته بأمراض العصر، وحَمْل هُويّته دعوة متحرّكة، وطاقة فاعلة يمكن أن تحوّله إلى عملاق بالقول الصادق والفعل المخلص، ذلك أنّ مشكلة الكثير من الشبّان والفتيات المسلمين هي هذا الانفصال أو الفصام النكد بين (الذات) وبين (الهُويّة).. ومهمّة ردم الهوة أو الفاصلة تضامنيّة.. الشباب أنفسهم سادتها وقادتها.

 

-وَآخِرُ دَعْوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ-


[1]- بحار الأنوار، ج3، ص281، ط. بيروت.

[2]- قد يتداخل المعنيان في خطاباتنا وكتاباتنا، وعندما نتحدّث عن الإسلام اليوم فالمراد به حقيقته الإيمانية وتطبيقاته العملية، نعم، حديثنا عن الإسلام باعتباره النطق بالشهادتين يجري في خصوص الذين يدخلون الإسلام حديثاً، أمّا مَنْ عُرف بإسلامه فهو مطالب بنقله إلى درجة الإيمان.

[3]- بحار الأنوار، ج39، ص44، ب73، ح15.

[4]- نهج البلاغة، قصار الحكم 371.

[5]- كنز العمال، 738.

[6]- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج2، ص1340.

[7]- وسائل الشيعة، ج19، ص55.

[8]- غرر الحكم، 1665.

[9]- مستدرك الوسائل، حسين النوري، ط2. بيروت.

[10]- صحيح مسلم، 77/1.

[11]- كنز العمال، ج1، 149.

[12]- كنزل العمال، 244.

[13]- نهج البلاغة، خطبة 156.

[14]- كنز العمال، 700.

[15]- بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) 74/158، للعلامة الشيخ محمّد باقر المجلسي.

[16]- رواه البخاري، 3057.

[17]- رواه البيهقي في الشعب، 3888.

[18]- الكافي، 2/163.

[19]- الكافي، ج2، ص157، ح14.

[20]- غرر الحكم ودرر الكلم، ص460، ح10525، ف3.

[21]- غرر الحكم ودرر الكلم، ص456، ق6، ب5، ف1، ذم الظلم، ح10409.

[22]- بحار الأنوار، 220/103.

[23]- الوسائل، 12/211، ب86 من أبواب ما يكتسب به، ح12.

[24]- بحار الأنوار، ج31، ص40، ميزان الحكمة، ح13035.

[25]- صحيح مسلم، ج1، ص99، ح103، ب44.

[26]- التطيُّر والطيرة: التشاؤم. النظرة السوداويّة.

[27]- رواه الطبراني، 18/162، 355.

[28]- رواه الطبراني في الأوسط، ح7380، ج7/238.

[29]- نفس المصدر السابق.

[30]- أخرجه الإمام أحمد في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة من حديث ابن عمر، 4868، وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب (اللباس) 3512.

[31]- من شرح الجامع الصغير،5443.

[32]- صحيح البخاري، 6874.

[33]- ندون هذه الأحاديث ونتذكّر بمرارة غامرة كيف أنّ بعض أدعياء الإسلام اليوم ممّن شوّهوا الهُويّة الإسلاميّة بأفعالهم وفضائعهم وفضائحهم، لا يحملون السّلاح ضدّ المسلمينَ الأبرياء فقط، بل صاروا يقتلون بالساطور والمنشار وإلقاء من السطوح والذبح بطرق بربريّة لم تخطر حتى على بال (هولاكو)!

[34]- رواه البخاري في كتاب المناقب، ج3508.

[35]- صحيح البخاري، ح107.

[36]- رواه الطبراني.

[37]- الكافي: 2/45305.

[38]- المخالقة: المعاشرة بالأخلاق الحسنة.

[39]- الكافي، ج2، ص637، ح2.

[40]- الوسائل، ج8، ص488.

[41]- بحار الأنوار، 164/65.

[42]- الكافي للكليني، ج16.

[43]- رواه البخاري ومسلم.

[44]- صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية.

[45]- لا يفهم من هذه الإشارة أن ينغلق المسلم في تعامله مع غير المسلمين، وإنّما المراد منها أن لا تخالف تعاليم دينك وأحكامه في أي محيط اجتماعي إسلامي أو غير إسلامي، نعم. تتعامل وتتعاطى معهم بما لا يخلّ في سمعتك كمسلم، ففي الحديث: «خالِط النّاسَ ودِينِكَ لا تَكْلِمَنّهُ» أي لا تجرحه بالسلوك المشين.

[46]- الآمالي، الشيخ الصدوق، ص269.

[47]- بحار الأنوار، 71/185.

[48]- كنز العمّال، 5225.

[49]- بحار الأنوار، 71/392.

[50]- هذه الخلاصة بأهمية الشعائر مقتبسة بتصرّف عن كتاب (دور أهل البيت(ع) في بناء الجماعة الصالحة) ج2، السيد محمّد باقر الحكيم.

[51]- عن: الإسلام والغرب الوجه الآخر، حسن السعيد، ص32.

[52]- نفس المصدر.

[53]- ممّا يؤكّد ثقتنا أنّ الهُويّة الإسلاميّة صبغة في الوجدان ليست دهاناً على الجدران، إنّ مَنْ يُسمّى بـ(مؤسس تركية الحديثة) (مصطفى كمال أتاتورك) حاول أن يمسخ هذه الهُويّة وأن يطرد كلّ ما يرتبط بها، لكنّ جذورها الممتدّة في العمق بقيت راسخة حتى أطلت على الحياة من جديد، وإذا المسلمون الأتراك اليوم أشدّ اعتزازاً بهُويّتهم الإسلاميّة من أيّ وقت مضى!.

[54]- نهج الفصاحة، ح2469.

[55]- ميزان الحكمة، باب آداب الجيران.

[56]- نفس المصدر، باب الأمانة.

ارسال التعليق

Top