• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إعادة الشباب إلى رحاب الدين

إعادة الشباب إلى رحاب الدين
◄الشباب طاقة وحيوية.. وطموح ونشاط. والشباب عماد الأُمّة، وأمل المستقبل...

والشباب أداة التغيير، ووسيلة البناء...

والأُمم التي تنشد الرقي، وتطمح للأفضل، تركز على تربية الشباب، وتنمية قدراتهم... لتحصل على عناصر واعية، مثقّفة، ومنتجة تُنعش الحياة بدم جديد يثير الحيوية والتجدد والإبداع.

وانطلاقاً من فاعلية الشباب أولى الدين عناية خاصة برعايتهم وتحصينهم، لأنّ صلاحهم طريق لصلاح المجتمع، وفسادهم طريق لفساده، وفي هذا يقول الرسول (ص): "إنّ أعظم نعمة في الحياة: الشاب البرّ التقي، وأعظم مصيبة: الشاب الفاسق الفاجر".

"إنّ الله تعالى ليباهي بالشاب المؤمن ملائكة السماء".

فالدين ركّز في شريعته على كلّ ما يوفر لهم فرص الحياة الكريمة. وعلى كلّ ما يعالج همومهم ومشاكلهم...

 

1-  مواقف الشباب من الدين:

في الواقع الحياتي نلتقي بالشباب، وهم يختلفون في مواقفهم من الدين، فمنهم من يتخذ مواقف إيجابية، ومنهم من يتخذ مواقف سلبية، ولكلّ منها أسباب وظروف:

-         فمن اتخذ مواقف إيجابية، انطلق من تربية سليمة، دفعت الشاب إلى التفكير العميق الواعي، فهداه ذلك إلى الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، فالتزم بتعاليم الله، وعمل بها، واعتمدها نظاماً لحياته، وسبيلاً لخلاصه في مماته.

-         ومن اتخذ مواقف سلبية، انطلق من تربية خاطئة، دفعت به إلى اعتماد طرق ملتوية، نسي من خلالها ربّه، وانحرف عن تعاليمه وأحكامه... فما هي عوامل هذه التربية؟...

وما هي أسباب هذا الانحراف؟...

 

2-  من أسباب انحراف الشباب:

من العوامل التي تؤدي إلى انحراف الشباب وابتعادهم عن أجواء الدين:

أ) عوامل تربوية:

تقول الحكمة: "الإنسان عدو ما يجهل". وابتعاد الشباب عن الدين يعود في غالبه إلى الجهل بحقيقته، ولو استقرأنا – بموضوعية – ثقافة هؤلاء الشباب، وتساءلنا.

-         ماذا يفقهون من أمر الدين بعقائده وتعاليمه؟

-         هل يستطيعون قراءة قرآنه، فضلاً عن فهم أسراره؟

-         وماذا يعرفون عن حلوله العمليّة لمشاكلهم وهمومهم؟

فسنجد أنّ نتيجة الاستقراء هذه تظهر سطحية معارفهم الدينية، وسذاجة ثقافتهم القرآنية، وأسباب ذلك تعود إلى مؤثرات عديدة منها:

1-  الأسرة: فقد يقتبس الشاب ثقافته أو مواقفه المنحرفة من أسرته، التي قد تتخذ توجهاتها الدينية إحدى صورتين:

-         لا تعيش مفاهيم الدين، ولا تهتم بتعاليمه، مما يحدث لدى الشاب فراغاً عقيدياً، وجفافاً روحياً، وانحلالاً خلقياً.

-         تعيش على هامش الدين، فتركز على الشكل فقط، ولا تعمل بالمضمون... مما يقدم للشاب صورة مشوهة عن الدين، لا تنسجم مع تطلعاته، ولا تثير قناعاته.

وفي كلا الحالتين يشعر الشاب – إذا لم تُفسّر له هذه الصور – بنفور أو عداء، وهذا ما يدفعه إلى الانحراف والابتعاد عن الدين.

2-  المدرسة: والمدرسة تشارك الأسرة في تشكيل شخصية الشاب، وبحسب طبيعتها، تتكون صورة الدين في ذهنه:

-         فإذا صادف وجود الشاب في مدرسة ذات اتّجاه علماني، الذي يلغي مادة الدين من برامجه... فإنّه يقرأ كلّ شيء إلّا الدين، فتكون النتيجة: الجهل أو اللامبالاة أو النفور، ويصبح الدين لديه شأناً غيبياً لا يستحق الاهتمام به، ما دام لا يلامس حياته المباشرة.

-         وإذا صادف وجوده في مدرسة ذات اتّجاه ديني تقليدي، الذي يركّز على الشكل دون الجوهر، ويحصر الدين في علاقة روحية لا شأن لها في الحياة وهمومها ونظمها... فالنتيجة تكون واحداً من أمرين:

فإمّا أن يتبنى الشاب فكرة ناقصة عن الدين، فيختصره في علاقة بينه وبين ربّه، من خلال طقوس عبادية لا روح فيها.

وإمّا أن يرفض الدين، لأنّه لا يملأ فراغ حياته، ولا يحقق حاجاته وطموحاته.

3-  أجهزة الإعلام: وتأثيرها اليوم أصبح مباشراً وفعّالاً، بعد أن غزت البيوت بأنواعها المختلفة (تلفزيون، راديو، إنترنت، صحف، مجلات...) ومما كرّس من فعاليتها أنّها استخدمت كلّ وسائل الترغيب والتشويق والإثارة... وإنّ دراسة إحصائية لعدد الشباب الذين يرتادون الملاهي ودور السينما، والذين يتابعون الأفلام الجنسية والمجلات العاطفية، والأغاني الإباحية... تؤكد إلى أي مدى تضغط هذه الأجهزة على أخلاقهم وانضباطهم.

ب) عوامل نفسية:

وقد ينطلق النفور عن حالة نفسية خانقة تنتاب المراهق خاصة، بسبب سوء المعاملة من فئات تجهل واقعه، ولا تحترم حاجاته وآراءه. من هذه الفئات:

1-  الآباء والأُمّهات: في سن المراهقة ينفتح الشاب على الحياة بروح جديدة، تفرضها التغيرات الجسدية والنفسية التي تطرأ على شخصه

-         فينفر من كلّ تعامل طفولي.

-         ويثور على كلّ مَن ينال من كرامته واحترامه.

-         ويسعى إلى التحرر من كلّ القيود التي تُفرض عليه بعشوائية.

-         ويريد أن يثبت وجوده بأفكار قد تكون مغايرة لما هو مألوف، فيحاور، ويعاند، ويتمرد... ليؤكد ذاته وتمايزه.

فإذا ما صادف أبوين يضعان له القيود بعشوائية، ويمارسان عليه السيطرة بإذلال، ويحددان له علاقاته بجهل... فإنّه ينفر منها ومن عقائدهما إذا كانت دينية، وقد يعبّر عن ذلك بآراء متطرفة تحمل نوعاً من التحدي إلى تقاليد الأسرة الموروثة.

وتشتد ظاهرة التحدي إذا بلغ الشاب مستوى من العلم يفوق عِلم والديه، حيث ينظر إلى عقائدهما نظرة استعلاء وسخرية، فيعتبرها من مخلفات الماضي، ولا تساير الواقع الحضاري الحديث.

2-  النماذج الدينية المنحرفة: ويتأكّد النفور النفسي حين يتصل الشاب بنماذج متخلّفة، تدّعي الدين، ولا تجسّد تعاليمه، أو تفهمه وتعرضه بطريقة خاطئة تربك قناعاته، وتشوش أفكاره...

-         فالشاب قد يلتقي بعناصر تصلي وتصوم وتحج... ولكنّها في علاقاتها تخادع وتكذب وتخون، وتؤيد الظالم، وتخذل المظلوم، وتمنع الخير...

-         والشاب قد تزدحم في ذهنه الشكوك والتساؤلات عن الله والنبوّة والملائكة والجنّة والنار والقضاء والقدر وغيرها... فينطلق ليحاور ويجادل أهل المعرفة، وهنا قد يفاجأ بعناصر دينية لا تتسع صدورهم لسماع شكوكه... فيواجهونه بالعنف، ويصفونه بالكفر هذه المشاهد وغيرها تثير انفعال المراهق، وتورث لديه عُقداً نفسية تّجاه الدين ورموزه، فيعتبر أنّ تصرفات هؤلاء هي من الدين، فلا فرق لديه بين المفاهيم ومَن يجسّدها، لذا فهو ينفر ويعادي وينحرف.

 

3-  خطوات إعادة الشباب إلى رحاب الدين:

بعد ذكر العوامل التي تزرع العُقد النفسية في الشباب تّجاه الدين، نتقدم إليك أيها الشاب بقلب مفتوح، وذهنية متجردة، ومحبة وثقة عاليتين:

1-  أن تنطلق إلى فهم الدين، ووعي مفاهيمه من خلال مصادره الأساسية (القرآن والسنّة)، ومن خلال كتابات ومناظرات وأداء توجيهات العلماء والفقهاء، كي تحصل على ثقافة دينية موضوعية، تفسّر لك العقيدة، وتشرح لك الشريعة، وتعالج لك الشكوك، وتجيب عن الأسئلة.

2-  وأن تعرف أنّ الدين بتعاليمه شيء، وتصرفات رجاله شيء آخر، فالشاب المنفتح والباحث عن الحقيقة، لا يُصدر حُكماً عن الدين من خلال سلوك أب، وتصرف أمّ، وممارسة منحرفة لمسلم.

فإذا أردت الحصول على الحقيقة الدينية، فتِّش عن العَالِم المثقّف المرن، الذي يعيش المفاهيم الدينية بعمق، ويواكب روح العصر بمسؤولية، ويفهم تطلعات الشباب بوعي... وعنده ستجد الإنسان الذي يتقبل شكوكك برحابة صدر، ويحاورك بحكمة، ويعرض الأدلة بموضوعية، ويواجه تحدّيك بمحبة... وعندئذ ستخرج من ساحة الحوار إنساناً آخر، منفتحاً على الله، ومتمسكاً بتعاليمه، ومنطلقاً إلى الحياة وأنت تحمل الاحترام لنفسك وللآخرين.

3-  وأن تقرأ التأريخ بوعي، لتعرف أهداف المستعمرين والمستكبرين، وتأريخهم الأسود مع الشعوب المستضعفة، فما من فتنة أو حرب، وما من فساد أو ظلم، وما من إثارة أو تحريض... إلّا وهو نتاج أجهزة مخابراتهم السرية، التي تحرص على حماية مصالحهم الاستكبارية، وهيمنتهم الاستعمارية.

وأن تفهم أنّ هؤلاء انطلقوا في حربهم ضد الدين، لأنّهم يعرفون جيداً مدى قدرته على إثارة الوعي والثورة ضد كلّ مستكبر ظالم، إنّهم يدركون جيداً مفهوم الجهاد في الإسلام، ومفهوم العدل في الإسلام... فالحديث النبويّ لا يزال ماثلاً في أذهانهم:

"أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر".

4-  وأنّ الإسلام دين الحياة، في ظلاله تعيش كلّ المفاهيم التي ترغبها وتجاهد في سبيل تحقيقها، إنّك تنشد:

-         الكرامة والعزة، والله يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).

-         والعدالة والإحسان، والآية تقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90).

-         والأخوّة والمساواة، والله يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10).

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف/ 189).

-         والحرّية: فلك أن تتبنى الرأي الذي تريد، وتتحمل مسؤولية هذه الإرادة، يقول الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256).

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).

-         والتكافل الاجتماعي: حيث أكّد الإسلام على تغذية العاطفة الإنسانية التي تنفعل لرؤية فقير أن يتيم أو محروم.. لتبادر إلى مساعدته والتخفيف من آلامه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60).

5-  وأنت كشاب تحب أن تعيش في حياتك المتعة واللذة والأمن والهدوء... والدين بتشريعاته وفّر لك كلّ هذه الحاجات في الطرق التي تضمن لك السلامة في الدنيا والنجاة في الآخرة، فالله تعالى يريد للإنسان المؤمن أن يستمتع بلذات الدنيا، فهو أحق بها من غيره، على أن لا ينسى الآخرة التي هي الهدف والغاية: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 32).►

ارسال التعليق

Top