الأساس الثاني: العمل على أن يكون الجمال هدفاً للإنسان:
إنّ الجمال في كلّ ذلك يخضع دائماً لما أقرته مفردات الشريعة في هذه الأمور، فالشكل من ملبس ومسكن ومطعم ومشرب مشروط بألا يصاحبه إسراف أو مخيلة، والكلام والصمت والحركة والسكون مشروط فيها السكينة والوقار والبعد عن الصخب والضجيج وشهوة الكلام ورفع الصوت، إنّ هذا هو الجمال الحقيقي للإنسان في ذاته وفي كلّ ما يحيط به من أشياء.
وأما جمال الأخلاق، وهو الهدف الثاني الذي تستهدفه التربية الجمالية في الإسلام، فهو في إجمال أن تكون هذه الأخلاق على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة وكظم الغيظ، وإرادة الخير لكلّ أحد.
وأما جمال الأفعال، فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق، وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم، وذلك أنّ مقاصد الشريعة، إما ضرورية أو حاجية أو تحسينية في العبادات أو المعاملات. وقد اتفق علماؤنا على أنّ الضروريات أصل للحاجيات، ومن المسلّم به أنّه ليس في الدنيا مصلحة محضة ولا مفسدة محضة، ومقصود الشريعة في كليهما ما غلب منهما.
الأساس الثالث: الالتزام بالوسيلة أو الأسلوب الذي يرضي الله:
وهو الالتزام بأن يكون هذا الجمال الذي أصبح هدفاً للمسلم في ذاته وقوله وفعله خاضعاً للوسائل والأساليب التي يرضى الله عنها خلوها مما يغضب الله لأنّ الشريعة أجازتها، ومعنى ذلك أنّ الجمال ليس هدفاً لذاته فيفتن به بعض الناس، وإنما هو جمال موظف يحقق للفرد والجماعة مصلحة في الدنيا والآخرة.
وإنّ كلّ الوسائل التي تتيحها الشريعة للوصول إلى أهداف بعينها لابدّ أن تكون مشروعة، ومعنى مشروعيتها ألا تشتمل على محرم، والمحرمات في هذا المجال كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1- إنّ بعض الناس عندما يرغب في أن يكون الكلام الذي يقوله جميلاً قد يمارس في الحصول عليه وسيلة نهى عنها الشارع الحكيم، مثل أن يتعاظم في كلامه، أو يتكلف، أو يسجع عن تعمد، أو يتفيهق أو يتشدق، وكلّ ذلك مما وردت أحاديث نبوية بالنهي عنه.
2- وإنّ بعض الناس وهو يحرص على أن يكون جميلاً في شكله أو فيما يحيط به، وعلى سبيل المثال فإنّ الحرص على جمال الملبس أو المطعم أو المشرب أو المسكن قد يوقع في الإسراف أو المخيلة، وذلك منهي عنه في الشريعة بآيات وأحاديث كثيرة.
إنّ الإسلام وهو يري الحس الجمالي عند الإنسان يحرص تماماً على ألا ينمو هذا الحس على حساب القيم الأخلاقية، وإنما يوجب أن ينمو موازياً وملائماً لكلّ القيم التي دعا إليها الإسلام وحبب فيها..
وإنّ التربية الجمالية في الإسلام تعني أن يكون الإنسان قادراً على تذوق ما في الحياة والكون من مظاهر الجمال ليحبها ويقبل عليها ويحاكيها، فتتفتح بذلك حواس الإنسان على تلقى ما في الكون من جمال، وتملأ قلبه بهذه المشاعر الكريمة التي تحس بهذا الجمال فيزداد لذلك إيماناً على إيمانه لأنّه تذوق جميل ما صنع الله.►
المصدر: كتاب مشروع الابن المؤدّب
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق