في أجواء شهر رمضان، يريدنا الله سبحانه أن نعيش التعبئة الروحية والفكرية والعملية...
نحن مؤمنون بالله، ولكنّ هناك فرقاً بين أن يكون الإيمان بالله مجرَّد حالة في العقل، وبين أن يكون بمثابة الدّماء التي تجري في عروقنا، وبمثابة الإحساس الذي ينساب في أعضائنا، وبمثابة النور الذي ننطلق به من خلال أبصارنا.. أن نحسّ بالله كما لو كنّا نراه ولا نستطيع أن نراه، وأن نعيش مع الله، بحيث يتصوَّر الإنسان ربَّه عندما يتحرّك عقله، فيشعر بأنَّ الله هو الذي يحرّك له هذا العقل، وعندما يخفق قلبه، فيتحسّس الله في خفقات قلبه، وعندما يتحرّك في الحياة، فيجد أنّ الله وراء ذلك كلّه.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16)، أن تتصوَّر الله قريباً إليك، بل أقرب إليك من العناصر الأساسيّة في جسدك. ولذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (الأنفال/ 24)، الله هو مقلّب القلوب، قلوبنا بيده، وعقولنا بيده، وحياتنا بيده، وموتنا بيده... ولذلك، فإنَّ علاقتنا بالله تمثّل علاقتنا بكلّ شيء في حياتنا.
حاول أن تطوف في فكرك بكلِّ الأشياء التي تعيشها في حياتك، لتجد: هل هناك شيء في حياتك غنيّ عن الله؟ هل هناك شيء في حياة النَّاس من حولك غير مفتقر إلى الله؟ وحتى وأنت تشعر بالاكتفاء، عندما ترى نفسك صحيح البدن وصحيح العقل وصحيح الإحساس... ولكن من أعطاك صحّة ذلك كلّه؟ من الّذي أعطى العافية لبدنك؟ من الّذي أعطى السّلامة لعقلك؟ من الّذي أعطى كلّ هذه الحركة المنظَّمة لجسدك؟ الله هو مدبِّر ذلك.
على هذا الأساس، نحن عندما ننطلق في إيماننا بالله، فعلينا أن يكون إيماننا بالله وإحساسنا به في شعورنا العميق، وفي كلّ نبضات قلوبنا وخلجات مشاعرنا. كيف نحصل على ذلك؟ إنّنا نحصل على ذلك من خلال الحديث المتواصل مع الله سبحانه؛ أن تتحدَّث مع الله دائماً في كلّ ما يهمّك، وفي كلّ ما يثيرك، وفي كلّ ما يؤلمك، وفي كلّ ما يفرحك، وفي كلّ ما تتطلّع إليه.. اجلس بين يدي الله، إذا أحسست بالعطش، فقل يا ربّ، إني عطشان، وإذا أحسست بالجوع، فقل يا ربّ، إني جائع... عش مع الله كما يعيش الطّفل مع أبيه في حاجته إلى احتضان أبيه، وفي حاجته إلى عاطفة أبيه، وفي حاجته إلى أن يجد الأمن في أحضان أبيه، وإلى أن يطرد الخوف، ومن هو أبوك أمام الله سبحانه؟
حاول أن تحسّ تماماً، ولو على نحو الاستعارة والكناية، أنّك في أحضان الله، أنّك تقبل على الله، أنّك تطرح نفسك بين يديه، أنّك تتضرّع إليه، تتوسَّل إليه، تعيش معه، تحدِّثه عن همومك، وهو أعرف بها منك، وتحدِّثه عن أسرارك التي تخفيها عن غيرك، وهو الّذي يعلم السرّ وأخفى.
هذا الإلحاح الدّائم في الحديث مع الله والجلوس معه والتحبّب إليه والتضرّع إليه، هو الّذي يجعلك تشعر بأنَّ الله معك في يقظتك وفي منامك؛ في اليقظة، عندما تستيقظ، تنفتح على الله أنّه هو الذي بعثك من هذا الموت الّذي يتمثّل في حالة النائم.. أنت عندما تنام، فإنّك تموت موتاً مع وقف التّنفيذ كما يُقال، أنت ميت يتنفَّس، وعندما تستيقظ، فإنك تبعث، وهذا ما عبّر عنه رسول الله (ص): «والذي بعثني بالحقّ، لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون». ولهذا، نجد أنَّ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في دعائه، عندما يستيقظ يقول: «لَكَ الْحَمْدُ أَنْ بَعَثْتَني مِنْ مَرْقَدي، وَلَوْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ سَرْمَداً، حَمْداً دائِماً لا يَنْقَطِعُ أَبَداً»، يشعر في يقظته بأنّه بُعث وقد كان ميتاً، لو شاء الله لأبقاه في حالة الموت الّذي يفقد معه الإحساس.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق