دور الأُم أساسي في التخفيف من حدته
إنّ مخاوف الليل والكوابيس شائعة جدّاً بين الأطفال، خاصة بين الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات. وبالتأكيد، يمكن أن تكون شائعة بين الأطفال الأكبر سناً والبالغين أيضاً، وهي جزء من تطورهم الطبيعي. ففي هذه الأثناء تتطور أوهام الأطفال فيتخيلون وجود كائنات حية في غرف نومهم يمكن أن تؤذيهم.
أحياناً، تكون المخاوف والكوابيس ناتجة عن مرور الأطفال بتجربة مرعبة، مثل تعرّضهم لهجوم من قِبل كلب كبير، أو رؤيتهم مشاهد مخيفة على شاشة التلفزيون، أو تعرضهم للعنف من قبل أخذ الوالدين. وفي أحيان أخرى، قد يخاف البعض من الاطفال إذا قام طفل آخر، أو شخص ما بحركات مخيفة أمامه، والبعض الآخر يرفض النوم في غرفة لوحده خوفاً من وجود مخلوقات مخيفة في خزانته، بينما يخاف آخرون من العتمة.
ومع أن خوف الطفل غير مفهوم ولا معقول أبداً بالنسبة إلى الأهل، لكن وجود كائنات حية مخيفة تظهر ليلاً على شكل أشباح، أو أصوات مخيفة تصدر عن "التتخيتة"، هي حقائق مسلّم بها بالنسبة إلى الطفل. ينشأ الخوف عند الأطفال عادة في مرحلة عمرية معينة. مثلاً، يمكن أن يخاف الطفل في عمر سنتين تقريباً، من أشياء لم يكن يخاف منها في السابق مثل العتمة، حوض الاستحمام أو المغطس، الأصوات العالية، نباح الكلاب... إلخ. وفي الغالب، تترافق مخاوف الطفل بعدة مظاهر منها: شعوره بالشلل، عدم الراحة، الشكوى الجسدية، مثل تسارع في دقات القلب، أو اضطرابات في المعدة، أو التعرق، أو الارتعاش. لكن، في نظر التربويين، فإن كل هذه المخاوف تختفي بشكل طبيعي مع مرور الوقت أثناء نمو الطفل. وإذا لم يؤثر خوف الطفل في حياته اليومية (مثلاً، نومه، أدائه في المدرسة، اشتراكه في أنشطة مدرسية... إلخ) أو في حياة العائلة، فلا حاجة إلى عرض الطفل على طبيب نفساني.
هناك حقائق عديدة تُسهم في إبداء الطفل خوفاً في عمر السنتين. فالأطفال في عمر 2 إلى 6 سنوات يخافون من الضياع، أو من أن يصابوا بجروح، أو من أن يتعرضوا للضرب. ومع أنّ الطفل في عمر ما بين سنتين وثلاث سنوات يعرف القليل من الأحجام والأشكال، لكن ما يعرفه ليس بكافٍ ليطمئنه بأنّه لن ينزل في المصرف مع مياه المغطس أثناء تفريغه منها، أو مع الماء الذي يتدفق في الحمام نتيجة سحب السيفون. كما أنّ الأطفال الأكبر سناً يكونون حذرين من خطر ما يسمعون أو يشاهدون على شاشة التلفزيون، إذ من الصعب عليهم التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي.
- المخاوف الشائعة عند الأطفال:
* الخوف من الفراق: إنّ قلق الأطفال وخوفهم من الفراق هما علامة جيِّدة تدل على أنّ الطفل ينمو ويتطور بحسب ما هو مفترض، لا يبالي الطفل الذي لم يبلغ عمر سنتين بعدُ إذا غادرت أمه المنزل، لأنّه ينساها بمجرد خروجها من الباب ويهدأ بسرعة. لكن بعد هذا العمر، يبدأ الطفل في الشعر بالقلق من مغادرة الأُم المنزل ولا يستطيع حل لغز غيابها. لذا، على الأُم العاملة المجبرة على ترك منزلها كل يوم، أن تخبر طفلها دائماً بحقيقة غيابها عن المنزل وتحديد مدة غيابها، لأنّ الخروج من المنزل في السر، يقلل من ثقة الطفل بالأُم. قد يكون من المفيد أن تشغل الأُم طفلها بنشاط ما، قبل مغادرتها المنزل.
على الرغم من أنّ الطفل في عمر ثلاث سنوات يكون أكثر ثقة بنفسه من الطفل الصغير، ولكنه مع ذلك قد يختبر الخوف والقلق من الافتراق عن أمه أحياناً. لذا، على الأُم تحضير الطفل لكل وضع جديد قبل وقوعه. مثلاً أن تقوم بزيارة المدرسة مرات عديدة مع طفلها قبل أن يلتحق بها.
- الخوف من الحمّام: إنّ معظم الأطفال يخافون من النزول في المصرف مع مياه الحمام. ومهما حاولت الأُم تشرح لطفلها أنّ هذا الأمر لن يحصل إطلاقاً، فإنّه لن يقتنع أبداً. لذا، على الأُم أن تتجنب جر مياه المغطس أثناء وجود طفلها فيه، أو مياه الحمام أثناء وجود طفلها في الحمام. وإذا بَدَا أن طفلها يخاف من الماء، يمكن أن تساعده على التغلب على خوفه بوضع قليل منه فيوعاء صغير والسماح للطفل باللعب فيه، وفي المرحلة الثانية تضعه في وعاء أكبر، ثمّ أخيراً تجلس إلى جانب طفلها على حافة المغطس وتتركه يلعب بالماء. لكن عليها أن لا تتركه وحيداً في الحمام أبداً.
- الخوف من الكلاب: لأنّ الكلاب تتحرك كثيراً وبسرعة، ولأن صوتها عالٍ، ولأنّه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تقدم عليه. لذا، فإن معظم الأطفال يخافونها. فيجب أن تحترم الأم خوف الطفل من الكلاب الغريبة. يمكن أن تربت الأم على ظهر الكلب لتُبيّن للطفل أنّه لطيف ولا يؤذي، ولكن عليها ألا تجبر الطفل على تدليله هو أيضاً. فإذا رفض طفلها في المرة الأولى الاقتراب من الكلب يمكنها المحاولة مرة أخرى.
- الخوف من الأصوات العالية: على الرغم من أنّ الطفل الصغير يحب الضرب على لعبة على شكل طبل، إلا أنّ الصوت العالي الذي يصدر عن المكنسة الكهربائية، أو عن السيشوار يخيفه جدّاً، وحتى الأطفال في سن الثالثة أو الرابعة يخافون من الأصوات العالية. على الأُم أن تدع طفلها يلقي نظرة على الأشياء التي تصدر أصواتاً عالية ومزعجة دائماً.
- الخوف من العتمة: إنّ الخوف من العتمة هو من مخاوف الطفولة التي يصعب التغلب عليها. فالطفل الصغير (من 16 إلى 30 شهراً) يخاف من الوحوش والأفاعي والكائنات المخيفة، التي يمكن أن تكون كامنة في غرفة نومه في الظلام، أو مختبئة داخل خزانة ثيابه. بينما يخاف الأطفال الأكبر سناً من اللصوص. لذا، من غير المستغرب أن يفضل الطفل في عمر 10 و11 سنة النوم في غرفة مضاءة. قد يتقبل بعض الأطفال إطفاء النور تدريجياً، في حين يصمم البعض الآخر على إبقاء النور مضاءً في الغرفة طوال الليل. من المهم أن لا تضغط الأُم على طفلها وتجبره على إطفاء النور.
- الخوف من الغرباء: يمرّ كل طفل صغير (16 شهراً تقريباً) غالباً، بمرحلة تُعرف بـ"الشك في الغريب" خلال دورات نموه.
- الخوف من الموت: إنّ الموت في نظر طفل يقل عمره عن خمس سنوات هو مجرد فراق. أمّا بالنسبة إلى طفل في عمر خمس سنوات، أو أكثر فهو مسألة شخصية، فالموت في نظره هو نقل أشخاص آخرين شخصاً كان يعرفه إلى مكان بعيد. على الأُم أن تشجع الطفل على طرح الأسئلة حول هذا الموضوع.
- كيف تتصرف الأُم لو أخبرها طفلها أنّه يخاف جدّاً من الذهاب للنوم؟
* الاستماع للطفل وتفهُّمه: على الأم أن تحاول تفهُّم مخاوف طفلها، وأن لا تستهزئ أو تستخف بها.
* إعادة طمأنة الطفل: من المهم أن تطمئن الأم طفلها إن كان خائفاً. عليها أن تُحدّثه عن اهتمامها به، وبسلامته مراراً وتكراراً إلى أن يشعر الطفل بالأمان.
* تعليم الطفل مهارات التغلب على المشاكل والمصاعب: على الأُم تعليم طفلها مهارات التغلب على المصاعب، مثل أن يكون شجاعاً وأن يفكر بطريقة إيجابية، كما يمكنها أن تحدثه عن طريقة تعاملها هي مع الأشياء التي تخافها.
* المزاح في الظلمة: على الأُم أن تلعب مع طفلها ألعاباً مسلية في العتمة. أو أن تلعب معه لعبة المطاردة في الظلام، ومحاولة أن يمسك كل طرف الطرف الآخر، ليألف الظلام أو العتمة فلا يعود يخاف من النوم وحيداً.
* إراحة الطفل: على الأُم مساعدة الطفل التعلق بغرض معين يستطيع حمله إلى السرير، شرط أن لا يؤذيه، فمثل هذا الغرض يساعد الطفل على الشعور بالراحة، وعلى النوم طول الليل.
* الضوء: بغض النظر عمّا يتسبب في خوف الطفل، فان ترك نور خفيف مضاء طوال الليل يمكن أن يساعد. فالضوء الخافت يساعد كل الأطفال على النوم ليلاً، إلا في حال كان الطفل لا يستطيع النوم في النور.
* تجنب كل ما يثير مخاوف الطفل: على الأُم أن لا تسمح لطفلها بأن يبقى جالساً أمام شاشة التلفزيون عند عرض مشاهد مُخيفة، أو قراءة قصة مخيفة له حتى لا تزيد من مخاوفه.
* البحث في مخاوف الطفل: على الأم أن تتحدث مع طفلها نهاراً حول مخاوفه، وكيفية التقليل منها ليلاً، وأن تساعده على أن يثق بنفسه وقدراته.
* عدم السماح للطفل بمغادرة فراشه: يجب عدم تشجيع الطفل على ترك سريره. إذ يجب أن يبقى في فراشه ويكتشف بنفسه أنه في أمان حقاً حتى يتعلم التغلب على مخاوفه.
- للتغلب على الخوف:
1- تَقبُّل واحترام مخاوف الطفل: إنّ الخوف حقيقة مُسلَّم بها بالنسبة إلى الطفل. لذا، على الأُم أن لا تضحك على طفلها لو أظهر خوفاً من شيء ما، أو أن تحاول إقناعه بأن لا داعي لخوفه أبداً.
2- تمضية مدة أطول مع طفلها عندما يبدو خائفاً: على الأُم أن تبقى إلى جانب طفلها إذا بدّا خائفاً أثناء الليل من صوت الرعد، أو صوت الريح الشديد أو من أي شيء آخر، وأن تبيّن له مدى اهتمامها به، إلى أن يهدأ وينام.
3- اعتماد روتين معيّن: إنّ التزام الأُم بجدول يومي محدد يمكّن الطفل من التنبؤ بما يمكن أن يحصل، وهذا يساعده كثيراً ويوفر له الشعور بالأمان.
4- التحدث عن الخوف: من المهم أن يتعلم الطفل الإعراب عن مشاعره، بما فيها مشاعر الخوف. عندما يبدو الطفل فزعاً، على الأُم أن تسأله "هل أنت خائف؟". فهذا يشجعه على الإفساح عن مشاعره، ويمنحه الفرصة للتحدث عن سبب مخاوفه.
5- استعمال اللعب للتحدث عن الخوف: إنّ استخدام الدمى، وألعاب محشوة على شكل حيوانات، والقصص، والفن يمكن أن يساعد الطفل على التحدث عن مخاوفه.
6- مساعدة الطفل على أن يتعلم عن الأشياء التي تخيفه: إنّ معرفة كيف تعمل الأشياء وما يتوقع منها، يمكن أن يقلل من خوف الطفل منها. على الأُم أن تفسر لطفلها لماذا تطلق سيارات الإطفاء صفارات الإنذار، وأن تحدثه بلغة بسيطة عن الرعد والبرق.
7- تحدث الأُم عن مخاوفها: من المهم أن يعرف الطفل أن لدى البالغين مخاوف مختلفة عن مخاوفه. على الأم أن تعرب عن مخاوفها لتشجع طفلها على التحدث عن مخاوفه.
8- تقدير الشجاعة: على الأُم أن تنوه بشجاعة طفلها عندما يُقدم على عمل يتطلب شجاعة. مثلاً، يمكنها القول لطفلها: "كنت شجاعاً عندما مررت بكلب كبير، ولم تطلب مني حملك. حقاً إنك لطفل شجاع".
9- تقديم إقتراحات للتغلب على الخوف: على الأُم أن تسأل طفلها عما يمكن أن يساعده على التقليل من مخاوفه. وأن تحدثه عن كيفية تغلبها على مخاوفها عندما كانت طفلة صغيرة. إذا كانت مشاهد العنف تخيف الطفل، على الأُم لا تسمح له بمشاهدة التلفزيون عند عرض مشاهد العنف ونشرات الاخبار. وإذا كان الطفل يخاف من العتمة، على الأُم أن تقترح عليه ترك باب غرفته مفتوحاً أثناء النوم. إنّ سؤال الطفل عما يمكن أن يساعده يعلّمه مهارات حلّ مشاكله.
ارسال التعليق