هذا الشهر هو الشهر الذي فرض الله تعالى صيامه على المؤمنين جميعاً، من أجل أن يتجدّد إيمانهم، فيكون إيماناً حيّاً يتحرّك في العقل، فيدفعه إلى أن يكون فكره فكر الحقّ، ويتحرّك في نبضات القلب لتكون نبضاته نبضات المحبّة، وليتحرّك في الحياة لتكون حياة الإنسان حياة العدل مع ربّه ومع نفسه ومع الناس من حوله يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).
إنّ دور هذا الشهر في روحية الصيام، هو أنّه ينظّم للإنسان حركته في السنة كلّها، لأنّه يتحرّك في خطّ المسؤولية التي فرضها الله تعالى عليه، ولابدّ له من أن يملك الوعي الكامل لمسؤوليته، وأن يعرف حدودها في ما أمره الله تعالى به ونهاه عنه، ثم أن يملك الإرادة الصلبة التي يؤكد فيها موقفه في الخطّ المستقيم. ولذلك، أراد الله تعالى للإنسان في هذا الشهر، أن يعي حدود المسؤولية، بقراءة القرآن وبالدعاء المتحرّك في الليل وفي النهار، وهذا ما يمثّل الثقافة الإسلامية في كلّ مفرداتها الروحية والعقيدية والأخلاقية والحركية وحتى الشرعية، فيما انطلق فيه النبيّ (ص) والأئمة الهداة من أهل بيته (عليهم السلام).
لذلك، علينا أن ننظر إلى الأدعية عندما نقرأها، نظرة ثقافية، إلى جانب النظرة الروحية، لأنّ هذه الأدعية التي بين أيدينا، كما في الأدعية النهارية والليلية وأدعية السحر، إضافةً إلى أدعية الإمام زين العابدين (ع) في "الصحيفة السجادية"، تمثّل ثقافةً إسلاميةً شاملةً يخرج بها الإنسان عندما ينتهي منها ـ إذا كان واعياً للقراءة ـ بهذه المعرفة الإسلامية.
وأراد الله تعالى في الصوم أن يعيش الإنسان في داخل نفسه الرقابة على حركته بين يدي ربّه، بعيداً عن الناس، لأنّ الفرق بين الصوم وبين الصلاة والحجّ وغيرها من العبادات، هو أنّ الصوم لا شكل له ولا مظهر في حركة الإنسان، بينما الصلاة شكلها في قيامها وركوعها وسجودها، بحيث إنّك عندما تصلّي، فإنّك تعطي في صورة الصلاة انطباعاً أمام الناس، وهكذا بالنسبة إلى الحجّ. ومن هنا، فإنّ مسألة الصلاة قد يدخل فيها الرياء والنفاق، وكذلك الحجّ، أمّا الصوم، فلا يدخل فيه ذلك، لأنّه ليس له حالة يمكن للإنسان أن يستعرضها أمام الناس، إلّا إذا قال: "إنّي صائم".. ولذلك، ورد في الحديث القدسي، قال الله تبارك وتعالى: "كلّ عمل ابن آدم له، إلّا الصوم، فإنّه لي وأنا أجزي به"، لأنّ الصيام يمثّل هذه الحالة العبادية الصامتة بين الإنسان وربّه.
وعلى ضوء هذا، عندما يعيش الإنسان هذه الحالة الروحية التي تدفعه إلى أن يكفّ عن طعامه وشرابه ولذاته، فإنّ معنى ذلك أنّه يقوّي في داخل نفسه إرادته في أن يترك ما حرّم الله تعالى عليه، حتى لو لم يشعر به أحد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق