لولا الأكسجين ما تنفّسنا ولا انتظمت أعضاء الجسم في أداء مهامها على مدار الساعة، بل إنّ حرمان الجسم من الأكسجين، وبخاصة الدماغ، يُنذِر بكوارث صحية، ولذا فقد كان الأكسجين علاجاً لمن يُعانُون مشكلات التنفس الشديد؛ حفاظاً على أنسجة الجسم.
لكن هذا ليس الاستخدام الوحيد للأكسجين، بل قد اختُبِر في علاج الصداع أيضاً؛ مُظهِراً نتائج واعدة، فهل يمكن أن يكون حلاً مستقبلياً لمشكلات الصداع النصفي المتكررة أم لا يزال الطريق طويلاً لاستخدامه؟
ما هو علاج الصداع النصفي بالأكسجين؟
استخدام الأكسجين لتخفيف أعراض الصداع، فاستنشاق الأكسجين بنسبة 100%، بتدفّق 6 - 8 لترات في الدقيقة من خلال قناع أنفي، يُساعِد على تخفيف الآلام في أثناء نوبة الصداع.
صحيحٌ أنّ العلاج بالأكسجين يُوصَف عادةً للأشخاص الذين يُعانُون أمرض القلب أو الرئة، خاصةً مع صعوبة التنفس، لكن درس الباحثون استخدامه أيضاً للصداع أو الصداع النصفي.
هل العلاج بالأكسجين فعال للصداع؟
درس الباحثون استخدام الأكسجين عالي التدفق لعدة عقود كنهجٍ علاجي لعلاج اضطرابات الصداع الأولية، بل أُجريت أول تجربة لإظهار فاعلية الأكسجين المُستنشق عبر قناع في عام 1940. وفي تلك الدراسة، استنشق 97 شخصاً يُعانُون الصداع الأكسجين غير المُخفّف.
وفي حالات الصداع النصفي النموذجي، زال الصداع لدى 44% من المشاركين تماماً، ونحو 44% ساعدهم الأكسجين بعض الشيء، بينما تأخّر زوال الصداع لدى 2%، ونحو 12% لم يُساعِدهم العلاج بالأكسجين على الإطلاق.
ومنذ ذلك الحين أُجري عديدٌ من الأبحاث، لكن النتائج لم تكُن مُشجّعة لاستخدام الأكسجين في علاج الصداع النصفي تحديداً.
لكن ما الذي تقوله الدراسات الحديثة؟
نُشرت دراسة عام 2016، تضمنت علاج 22 فردًا عانوا 64 نوبة صداع نصفي؛ إمّا بأكسجين عالي التدفق وإما بهواء طبي عبر قناع للوجه لمدة 30 دقيقة، وذلك بعد فترة وجيزة من ظهور الأعراض.
النتائج كانت مُبشّرة، فقد خفّت الآلام لدى 46% من الحالات التي تُعانِي نوبات شديدة مُتوسّطة من الصداع النصفي باستخدام الأكسجين عالي التدفق، بينما كانت النسبة 7% فقط لمن استخدموا الهواء الطبي.
وقد خلصت الدراسة إلى أنَّ الأكسجين عالي التدفق، قد يكون مُجدياً وآمناً لعلاج الصداع النصفي، وإن كانت هناك حاجة إلى مزيدٍ من الدراسات.
من ناحيةٍ أخرى، فقد أفصحت دراسة عام 2019 أنّ العلاج بالأكسجين قد يكون فعّالاً في علاج الصداع النصفي المُقاوِم أو العنيد، خاصةً الذي تصحبه أو تسبقه هالة بصرية، كما قد يكون فعالاً أيضاً في علاج الصداع النصفي الذي يتسم ببعض خصائص الصداع العنقودي، مثل دمع العين.
بل إنَّ الأكسجين فعال أيضاً في علاج الصداع العنقودي؛ إذ أظهرت مراجعة نُشرت عام 2022، أنّ استنشاق الأكسجين بنسبة 100% بمعدل 6 - 12 لترًا في الدقيقة لمدة 15 - 30 دقيقة، كان أكثر العلاجات فاعلية في علاج الصداع العنقودي.
بل كشفت دراسة حديثة نُشرت عام 2024 في مجلة علم الأعصاب السريري أنّ العلاج بالأكسجين باستخدام مُكثِّف الأكسجين المنزلي - وهو جهاز يفصل النيتروجين من الهواء بما يُوفّر الأكسجين بنسبة 95% لاستنشاقه - أدّى إلى تراجُع الألم بصورةٍ أفضل مُقارنةً بالأدوية لدى من يُعانُون نوبات الصداع العنقودي.
كيف يساعد الأكسجين في علاج الصداع النصفي؟
ليس مفهوماً تماماً كيف يُقلِّل استنشاق الأكسجين آلام الصداع، لكن ثمّة العديد من النظريات المُفسِّرة لسبب فاعلية الأكسجين في علاج الصداع النصفي؛ إذ ارتبط استخدام الخلايا للأكسجين بشكلٍ غير طبيعي ونقص الأكسجين في الأنسجة، وكذلك خلل الأوعية الدموية الدماغية بالصداع النصفي.
وقد حدّد الباحثون انخفاض مستويات الأكسجين وكذلك قلّة تدفّق الدم إلى الدماغ بأنّ لكل منهما دوراً في حدوث نوبات الصداع النصفي، كما أفادوا أيضاً بأنّ الصداع النصفي والعنقودي كانا مصحوبَين بزيادة تدفق الدم إلى الدماغ.
وقد ثبت أنَّ الأكسجين يُسبِّب انخفاضاً ملحوظاً في تدفق الدم إلى الدماغ؛ مُتزامناً مع انخفاض درجة ألم الصداع، إذ اتساع الأوعية الدموية في الدماغ وزيادة تدفق الدم من العوامل المُساهمة في الصداع النصفي.
أليس للأكسجين آثار جانبية؟
نادرًا ما يُسبِّب العلاج بالأكسجين آثاراً جانبية، لكنها إن حدثت، فقد تشمل التعب والصداع الصباحي ونزف الأنف.
ألا يمكن الاكتفاء باستنشاق الهواء الطبيعي؟
بالتأكيد يمكنك استنشاق الهواء الطبيعي، وربّما تشعر بتحسن، لكن من غير المُرجّح أن يُخفِّف الصداع النصفي، فهذا الهواء ليس كالأكسجين عالي التدفق المُستخدَم في علاج الصداع النصفي أو العنقودي.
نصائح للوقاية من الصداع النصفي
ربّما لا تُفضِّل العلاج بالأكسجين، ولا تُحِبّ تناول أدوية الصداع، لذا فهذه بعض النصائح التي قد تساعد في تخفيف الصداع النصفي أو منع نوباته:
شُرب كميات مناسبة من الماء باستمرار، لأنّ الجفاف قد يزيد الصداع النصفي.
عدم تفويت الوجبات والانتظام في تناول الطعام، لأنّ الجوع أو تفويت الوجبات قد يُشعِل فتيل الصداع النصفي.
تقليل الحصول على الكافيين، سواء كان ذلك من القهوة أو المشروبات الغازية أو غيرها.
الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يراوح بين 7 - 9 ساعات، لأنّ قلة النوم قد تُفاقِم الصداع وتزيد نوباته.
تقليل التعرّض للشاشات الإلكترونية، مثل الهاتف الذكي أو اللاب توب أو غيره، لأنّ الضوء الساطع المُنبعِث من الشاشة قد يُحفِّز الصداع.
تجنُّب الأطعمة التي قد تزيد الصداع النصفي، مثل الشوكولاته والجبن، واللحوم المُصنَّعة والأطعمة الدهنية.
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، فقد تُساعِد في الوقاية من الصداع النصفي.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق