• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

علامات المتقين وسيماهم

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

علامات المتقين وسيماهم
◄فَمِن علامة أحدِهِمْ أنَّكَ تَرَى لهُ قُوَّةً في دين، وَحَزْماً في لِين، وإيماناً في يَقِين، وحِرْصاً في عِلْم، وعِلْماً في حِلْم، وقَصْداً في غِنىً، وخُشُوعاً في عِبادَة، وتَجَمُّلاً في فاقَة، وصَبْراً في شِدَّة، وطَلَباً في حَلال، ونَشاطاً في هُدىً، وتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع. يَعْمَلُ الأعْمَالَ الصَّالِحَة وهو على وَجَل، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، ويُصبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً، ويُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الغَفْلَةِ، وفَرِحاً بِمَا أصَابَ مِنَ الفَضْلِ والرَّحْمَةِ. هناك علامات ذكرها الإمام (ع) للمتقين، تدل عليهم ويعرفون بها، فما هي تلك العلامات، وما هي حدودها ودلالاتها.   - قوّة في دين: (فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوّة في دين) فتراه ثابتاً في دينه، قوياً يقاوم وساوس شياطين الجن والإنس، لا يؤثّر فيه تشكيك المشك ولا ينخدع بخداع المنحرفين. وعن الإمام الصادق (ع): "المؤمن أشد من الجبل والجبل يستقل منه بالفأس والمؤمن لا يستقل على دينه".   - وحزماً في لين: الحزم لا يعني العدائية. والسلوك الحازم ليس عدوانياً ولا توبيخياً ولا تهديدياً ولا قاسياً ولا تهكمياً. الحزم يختلف عن العدوانية، فأنت بالدفاع عن نفسك وإثبات وجودك لا تعتدي على حقوق الآخرين. الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم. الحزم ضرورة في الأمور الدنيوية والدينيّة ولابدّ من التشبث به ممزوجاً باللين للخلق وعدم الفظاظة عليهم وهي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق. واللين قد يكون للتواضع المطلوب بقوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء/ 215). وقد يكون من مهانة وضعف يقين، والأوّل هو المطلوب وهو المقارن للحزم في الدين ومصالح النفس والثاني رذيلة مخالف للحزم.   - وإيماناً في يقين: عن الإمام الرضا (ع): إنّما هو الإسلام والإيمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسّم بين الناس شيء أقلّ من اليقين، قال: قلت: فأي شيء اليقين؟ قال: التوكّل على الله والتسليم لله، والرّضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله. فالمسلمون درجات في تدينهم يبدؤون بالإسلام ليصلوا إلى اليقين، واليقين هو الذي لا يساوره شك ولا تردد.   - حرصاً في علم: حرصاً في طلب العلم النافع في الآخرة والازدياد منه. وقد قص الله علينا قصة موسى (ع)، كيف سافر في البحر وتحمل المشاق لكي يتعلم بعض المسائل من الخضر (ع) فقال: "هَلْ اتَّبِعُكَ عَلَى أن تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً". والنبي (ص) قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" فإنّه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. ويقول الله تعالى لنبيه محمد (ص): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف/ 108)، فإنّ العلم نور وهداية والجهل ظلمة وضلالة وإنّه مع الإيمان رفعة في الدنيا والآخرة...  

- وقصداً في غنى: القصد في الغنى وهو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا بحيث لا يقع في الإسراف أو التبذير. فهو مع غناه مقتصد في حركاته وسكناته ومصارف ماله بل جميع أفعاله وغناه لم يوجب طغيانه وخروجه عن القصد وتجاوزه عن الحدّ كما قال تعالى: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7).   - وخشوعاً في عبادة: وقد وصف الله المؤمنين بذلك في قوله: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 2)، قال في مجمع البيان أي خاضعون متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ولا يلتفتون يميناً وشمالاً. وروي أنّ النبي (ص) رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: أما انّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. وفي هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب ويظهر على الجوارح، فأمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجميع الهمّة لها والإعراض عمّا سواها فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود، وأمّا بالجوارح فهو غضّ البصر والإقبال عليها وترك الالتفات والعبث.   - وتجمّلاً في فاقة: يتعفّف ولا يظهر الحاجة في حال فقره، ويترك السؤال ويستر ما هو عليه من الفقر. وقد مدح الله سبحانه أصحاب هذه الصفة بذلك في قوله (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 273). وكانوا نحواً من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفّة مسجد رسول الله (ص) يستغرقون أوقاتهم بالتعلّم والعبادة وكانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول الله (ص) يظنّهم الجاهل بحالهم وباطن أمورهم أغنياء من التعفّف أي من أجل التعفّف والامتناع من السؤال والتجمّل في اللّباس والسّتر لما هم عليه من الفقر وسوء الحال طلباً لرضوان الله وجزيل ثوابه تعرفهم بسيماهم بما يرى فيهم من علامة الفقر من رثاثة الحال وصفرة الوجه.   - وطلباً في حلال:  قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون/ 51). وقد حث الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام، والتقي هو الذي يطلب الرّزق من الحلال ويقتصر عليه ولا يطلبه من الحرام. وفي رواية أخرى عنه (ص): "العبادة سبعون جزءاً، وأفضلها جزءاً طلب الحلال". روى في الوسائل ج17، ص45 عن الكليني بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص) في حجة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرّزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإنّ الله تبارك وتعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسّمها حراماً، فمن اتّقى وصبر آتاه الله برزقه من حلّه ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.   - نشاطاً في هدى: فيكون سلوكه لسبيل الله وإتيانه بالعبادات المشروعة الموصلة إلى رضوان الله سبحانه بطيب النفس وعلى وجه الخفّة والسهولة لا عن الكسل والتغافل، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين في ما وعد الله المتّقين من الجزاء الجميل والأجر العظيم.   - تحرجاً عن طمع: في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع): "أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع"، وعنه (ع): "أزرى بنفسه من استشعر الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضره، وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه". واستشعار الطمع بمعنى اتخاذه ديناً له وديدناً بحيث لا يلتزم بشيء إلا على أساس منفعته الخاصة. ومن كان كذلك فقد حقر نفسه لأنّ الإنسان يقاس بأهدافه وأمانيه. فلا يطمع المؤمن بما في أيدي الناس لعلمه بأنّه من الرذائل النفسية ومنشأ المفاسد العظيمة، لأنّه يورث الذل والاستخلاف والحقد والحسد والعداوة والغيبة وظهور الفضايح والمداهنة لأهل المعاصي وترك التوكل على الله والتضرع إليه، وعدم الرضا بقسمه... ومن هنا نلاحظ الرواية عن الإمام علي بن الحسين (ع): "رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع مما في أيدي الناس". وقد سأل أحدهم الإمام الصادق (ع) عن الذي يثبت الإيمان، فقال (ع): "الورع" وسأله عن الذي يخرجه منه، قال (ع): "الطمع".   - خلاصة: هناك علامات ذكرها الإمام (ع) للمتقين: قوّة في دين: "فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوّة في دين" فتراه ثابتاً في دينه، قوياً يقاوم وساوس شياطين الجن والإنس، لا يؤثّر فيه تشكيك المشكك ولا ينخدع بخداع المنحرفين. وحزماً في لين: الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم. وإيماناً في يقين: فالمسلمون درجات في تدينهم يبدؤون بالإسلام ليصلوا إلى اليقين، واليقين هو الذي لا يساوره شك ولا تردد. حرصاً في علم: حرصاً في طلب العلم النّافع في الآخرة والازدياد منه. وقصداً في غنى: القصد في الغنى وهو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا بحيث لا يقع في الإسراف أو التبذير. وخشوعاً في عبادة: إنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب ويظهر على الجوارح، فأمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجميع الهمّة لها والإعراض عمّا سواها فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود، وأمّا بالجوارح فهو غضّ البصر والإقبال عليها وتلك الالتفات والعبث. وتجمّلاً في فاقة: يتعفّف ولا يظهر الحاجة في حال فقره، ويترك السؤال ويستر ما هو عليه من الفقر. وطلباً من حلال: وقد حث الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام، والتقي هو الذي يطلب الرّزق من الحلال ويقتصر عليه ولا يطلبه من الحرام. نشاطاً في هدى: فيكون سلوكه لسبيل الله وإتيانه بالعبادات المشروعة الموصلة إلى رضوان الله سبحانه بطيب النفس وعلى وجه الخفّة والسهولة لا عن كسل وتغافل. تحرجاً عن طمع: واستشعار الطمع بمعنى اتخاذه ديناً له وديدناً بحيث لا يلتزم بشيء إلا على أساس منفعته الخاصة. ومن كان كذلك فقد حقّر نفسه لأنّ الإنسان يقاس بأهدافه وأمانيه.►   - أشعار الحكمة: دع التكاسل في الخيرات تطلبها *** فليس يسعد بالخيرات كسلان لا تحسبنّ سروراً دائماً أبداً *** من سرّه زمن ساءته أزمان كلّ الذنوب فإنّ الله يغفرها *** إن شيّع العبد إخلاص وإيمان وكل كسر فإنّ الله يجبره *** وما لكسر قناة الدين جبران   المصدر: كتاب (سلسلة الدروس الثقافية/ 19)

ارسال التعليق

Top