◄كيف يرتبط عيد الأضحى والحج؟
قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل/ 120)، هذا الاسم يحمل معناه فيعني أب الكل، وأبو الكل هذا زار الأرض التي قامت عليها مدينة مكّة ودعى الله أن تصبح محجاً تهفو لها القلوب وتطمئن لها النفوس، فاستجاب الله دعاءه وأقامها محجاً عالمياً والهم الذين اصطفاهم لزيارتها أن يلبوا النداء قائلين "لبيك اللّهمّ لبيك" أي دعوتنا فأجبنا وبهذا صار الحج أحد أركان الإسلام موقفاً عالمياً تجتمع فيه أعضاء الجسد الذي يمثل مسلمي العالم كلّه، وجعل عيد الأضحى ممهداً لذلك الاجتماع حيث يستجيب المؤمنون للنداء، فيزور مكة القادر على الزيارة وإذا اجتمعوا رفعوا أصواتهم مهللين مكبرين مقدمين العبادة الخالصة للخالق العظيم الذي عبّد لهم طريق المنافع العالمية وأمرهم بسلوكه قائلاً:
(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج/ 28)، كان الحج حمام عالمي سنوي يقصده الذين انغمسوا أو انغمس مسؤولوهم في حطام الدنيا فاسود واقعهم وعميت بصائرهم. وكان الله يقول لهم هذا دواء عالمي اسلكوا طريق المنافع الذي يدفع عنكم لا سيّما العرب منكم غوائل التفرقة والانحراف وعدم الاتفاق حتى على ما يدفع عنكم هذا الهوان والذل العالمي الذي يذكركم بكلمة الإمام علي بن أبي طالب "ما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا وما أحب قوم الحياة إلّا ذلّوا".
ولا ريب انّ القارئ الذي يشاهد واقعنا يتخيل الإمام علياً بندب هذا الواقع، ويعلمنا انّ الحج دواء مشاكلنا إذ هو مقدمة التضحية بل هو عيد التضحية، ويقول لنا "عليكم أن تضحوا بأنانياتكم التي جعلت مجتمعكم خجلاً حتى إذا قيس بجاهلية العرب".
لقد تعددت الطرق التي تفضي لسلامة المجتمع، لكن السلامة العامة المضمونة هي أن تجعلوا الإسلام مستشاراً ورسول الله قائداً وموجهاً، وتتلوا قول الله (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء/ 65). حبذا لو وقف القارئ قليلاً واشغل مخيلته وأدرك انّ الله يقسم بنفسه انّ المسلمين لن يفوزوا بنعمة الأمن والسلام والاطمئنان حتى يستشروا كتاب الله وسنّة رسوله، بهذا وحده يطمئنون وتهدأ القلوب التي مزّقها الغزاة، ويدركوا انّ هذا الواقع أكثر شراً مما رأوا في تاريخهم السياسي، وعلى هذا فالحج دواء عالمي يلجأ له المرضى كأنهم يقفون مستجيبين لدعاء إبراهيم قائلين "ها نحن قد آتينا نادمين عازمين على أن لا نعود لحياة التفكك والخذلان الذي يذكرنا بقول الشاعر الذي وصفنا بهذا البيت:
وتفرقوا شيعة فكل قبيلة *** فيها أمير المؤمنين ومنبر
ولا ريب انّ قوماً كهؤلاء قتلهم سيف الأنانية قد احسوا بعد وقت طويل أو المفروض أن يحسوا ويزحفوا شطر بيت الله، ويلبوا طالبين ما يبدل واقعهم. ويقضي على مخاوفهم ويحرر قدسهم.
العبر:
ما هي العبر التي نستخلصها من هذه المناسبة على صعيد حل مشكلات العرب والمسلمين؟
لقد استعصت مشاكلنا فاستغلها الذين يتقنون الاستغلال وارادوها كبش فداء، وكأن الآيات الكريمة تنادينا، لقد وجهت إلينا النداء منذ خمسة عشر قرناً ولا نزال نتلو من كتاب الله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24)، ومعلوم انّ الاستجابة حياة، والذين يصرون على عدم الاستجابة اعرضوا عن مادة حياتهم فذكّرونا بكلمة الإمام جعفر الصادق (ع): "اعرضوا عن الله ما عرض عنهم وخلاهم لشيطانهم". ولو انصفنا لردّدنا مع الشاعر:
لو انصف القاضي استراح الناس *** والجسم يفسد أن أصيب الرأس
والجور في الأحكام سم قاتل *** والعدل للملك الوطيد أساس
وقد فقدنا هذا الأساس لا سيّما في هذه الأيام فأخذنا نندب أياماً سالفة وسلبت الفاقة منا الفكر السليم.
كيف نفهم ظاهرة الحج حضارياً:
لقد أعرضنا عن استجابة النداء الذي يحل مشاكلنا، بل نقضنا المواعيد التي أمرنا الله أن نرتبط بها حيث نقول في صلاتنا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5)، نسينا هذا وأخذنا نرجو السلامة من الناس وننتظر الغذاء من فتات المتصارعين، الذين يملكون ليس فدية لذبح البشر، بل يتسابقون حول امتلاك القنبلة التي تذكّرنا بهيروشيما وناغازاكي.
وهكذا أحاطت بنا النوائب فأخذنا نفتش على ما ينقذنا وما تذكرنا انّ عامل حمص كتب إلى عمر يقول: "انّ حمص تحتاج حصنا فأجابه حصنها بالعدل".
ونحن، واحسرتاه لم نعدل حتى مع أنفسنا ولو اتخذنا العدل مصباحاً لانحسرت هذه الظلمات، انقذنا أنفسنا من هذه الضلالات وفهمنا المعنى البعيد الذي ذكرنا بزيارة مكة وحملنا على القول:
"لبيك اللّهمّ لبيك"، لقد تعلّمنا من رسولك إبراهيم التضحية وها نحن هرعنا لمكة قائلين "لقد ضحينا بأنانياتنا واستغفرنا من عبادة شهواتنا وجئنا طالبين قبول تضحياتنا التي سنصر على انقاذ أنفسنا من غوائبها فاغفر اللّهمّ انحرافنا واعدنا إلى الصراط المستقيم لا سيما بعد ان ضاقت بنا السبل وأخذنا نفقد حتى رغيفنا اليومي".
لقد طرقنا أبواباً كثيرة، والتمسنا فتات موائد الشرق والغرب، ثمّ عدنا بخفي حنين مدركين أن بيتك الكريم هو الذي نجد به من يقبل دعاءنا، وينقذنا مما نحن فيه لا سيما وقد علّمنا التاريخ انّ جاهليتنا الأولى قدمتنا أضحية لقدماء المستعمرين من الفرس والروم ولكنّ جاهليتنا المعاصرة قدّمتنا أضحية لليهود.►
المصدر: مجلة الموقف/ العدد 39 و40 لسنة 1986م
ارسال التعليق