• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم رعاية الشباب

د. طارق عبد الرؤوف عامر

مفهوم رعاية الشباب
◄تعتبر رعاية الشباب عملية تربوية متصلة ومستمرة ومتكاملة تمتد وتعم الشباب في أوقات فراغهم وعملهم وهي عبارة عن مجموعة من الخدمات التي تمارس داخل مؤسسات وهيئات فهي تتيح لهم فرص النمو الاجتماعي والنفسي والمهني على أساس من المعرفة والمبادئ الإنسانية والمهارات وتسدى لهم التوجيه وفق ميولهم وقدراتهم ورغباتهم.

وفي معجم العلوم الاجتماعية تبيّن أنّ رعاية الشباب هي الجهود التي تهدف إلى مساعدة الشباب على أن يحتازوا مراحل النمو بنجاح، وحتى يكتسبوا قدرات ومهارات واتجاهات تساعدهم على أن يكونوا مواطنين صالحين.

أما فلسفة رعاية الشباب تقوم على مجموعة من المبادئ والمناهج الإنسانية التي تساعدهم على اكتمال النضج وتتيح لهم فرص النمو الاجتماعي والنفسي، وفلسفة رعاية الشباب يجب أن تؤمن بمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الأفراد وتؤمن بأنّ لكلّ فرد الحقّ في توفير كلّ ما يكفل نمو الشخصية وتؤمن بأنّ لكلّ شاب يتميز بقدرات جسمية وعقلية لا يتفق فيها مع غيره مما يتطلب إدراك هذه القدرات واستثمارها بطرق مناسبة كما تؤمن فلسفة رعاية الشباب باحترام الإنسان كفرد له كرامته وحقّه في الحياة وتشعر الشباب بقيمته.

تعددت تعريفات رعاية الشباب وتباينت بقدر يجعل مفهوم رعاية الشباب يتطلب الكثير من التجديد الأمر الذي يحدو الباحث لمحاولة تقديم تعريف إجرائي منطلقاً من تعريفين يرى أنّهما من أشمل التعريفات التي صدرت عن رعاية الشباب.

وتعرف رعاية الشباب أنّها مجموعة من الخدمات والجهود التي تبذلها أجهزة الخدمات العامة والهيئات الاجتماعية لتهيئة أنسب الظروف والأوضاع للنمو السليم الذي يكتسب الشباب خلاله الصفات والمميزات التي تجعله صالحاً وقادراً على خدمة بلاده في شتى ميادين التنمية، وأن تحدد مفهوم رعاية الشباب يساعد في ربط جوانب الفلسفة التي يتعقبها المجتمع بالإجراءات المتبعة في رعاية الشباب نظراً لانطلاق هذه الإجراءات من مبادئ ذات صبغة فلسفية.

ونظراً لأنّ مفهوم رعاية الشباب يعتمد في تحديده على معرفة كلّ من الرعاية والشباب.

 

أ‌)       تعريف الرعاية:

تعرف الرعاية بأنّه جهود منظمة يقوم بها أفراد متخصصون كلّ في تخصصه بهدف معالجة الأمراض الاجتماعية ومواجهة الاحتياجات الاقتصادية والنفسية والتعليمية، وإزالة العقبات التي تعترض نمو الأفراد والجماعات والمجتمعات مستهدفة من وراء ذلك زيادة الموارد البشرية والمادية مما يعود على المجتمع بالنفع والرفاهية وجهود الرعاية سواء كانت مادية أو بشرية لا تتم عشوائياً، بل ترتبط بسياسة المجتمع وفلسفته الخاصة وفق خطط مرسومة ومنظمة.

ويتضح من هذا التعريف أنّ الرعاية مسؤولية ملقاة على عاتق فئة متخصصة لديها مقدرة على التخطيط والقيام بإجراءات تنفيذية منظمة وأنّ هذه الجهود المنظمة لها أهداف محددة أهمها إزالة العقبات التي تعترض الأفراد والجماعات والمجتمعات ومعالجة الأمراض الاجتماعية والاهتمام بالعنصر البشري.

كما أنّ هذا التعريف يؤكد ارتباط التخطيط للرعاية بفلسفة وأهداف المجتمع، ويشير لندر فريد (Lander Frled) إلى أنّ الرعاية هي ذلك النسق المنظم للخدمات الاجتماعية والمنظمات المصممة بهدف من الأفراد والجماعات بالمساعدات التي تحقق مستويات مناسبة للصحة والمعيشة ولدعم العلاقات الاجتماعية والشخصية بينهم بما يمكنهم من تنمية قدراتهم وتطوير مستوى حياتهم.

ولا يقتصر هذا التعريف على التخطيط المنظم الذي يقوم به الأفراد، وإنّما يضيف بعداً جديداً يؤكد على انتماء هؤلاء الأفراد لمنظمة لها شخصية ذات كيان.

كما أنّ هذا التعريف يؤكد على النتائج البعيدة المدى والمرتبط بمستوى الصحة والمعيشة ودعم العلاقات.

بينما يعرّف كلّ من هارولد ولنكس (Wilensky & Harold) الرعاية بأنّها برامج الهيئات والمؤسسات الاجتماعية ذات التنظيم الرسمي، والتي تعمل على إيجاد أو تنمية أو تطوير للظروف الاقتصادية والصحية والقدرات الخاصة لكلّ المواطنين أو لجزء منهم.

وهذا التعريف يركز على البرامج المقدمة للأفراد يهدف العلاج والوقاية في الوقت نفسه، وذلك لأنّ النظر إلى رعاية الشباب على أنّها مجهودات وقائية وإنشائية تعتمد على تنظيم وإعداد مؤسسات للشباب مثل الأندية والساحات الشعبية ومراكز الشباب في خلق مجالات صالحة لنموهم، فإنّ ذلك يؤدي إلى نوع من القصور يتمثل في وجود طاقة من الشباب ذوي المشكلات المجتمعية كالبطالة والتطرف الديني والانحراف السلوكي، وهذا يتطلب الرعاية العلاجية السليمة، ومن ثمّ تنشئتهم التنشئة السوية وتقي المجتمعات ما يجلبه انحرافهم من تغشى للمجتمع.

ويرى البعض أنّ الرعاية في مجال الشباب بصفة عامة هي الأسلوب الإنساني الذي يهتم بالإنسان الفرد كإنسان فريد من نوعه له قيمته وكرامته الإنسانية وقيمتها الأخلاقية هي انتشال الشباب من الضياع في خضم المجموع الإنساني الكبير.

ويظهر هذا التعريف البعد الإنساني في الرعاية.

ويرى فريق آخر أنّ الرعاية متعددة الدوافع وترتكز على فلسفة إنسانية عميقة هدفها رعاية الإنسان كخطوة على الطريق نحو رعاية المجتمع الإنساني ذاته خاصة في هذا العصر وخاصة وأنّ هذه المرحلة الشبابية تتصف بالجموح والاندفاع.

وأنّه من خلال هذه التعريفات السابقة يمكن تحديد أهم ما يميز مفهوم الرعاية في صورتها المعاصرة وإبراز مضمونها وخصائصها كما يلي:

1-  من حيث ماهية الرعاية تشير هذه التعريفات إلى أنّ الرعاية هي نشاط منظم أو نسق منظم لإحداث التغيير، فهي تعني أنشطة وبرامج علمية منظمة تقوم بتنفيذها هيئات مسؤولة ومؤسسات رسمية مسؤولة عن إيجاد هذا اللون من الأنشطة وتقديمه وفق نظام محدد.

2-  من حيث تحديد مضمون الرعاية تشير التعريفات إلى أنّ الرعاية تتضمن العديد من الخدمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والعديد من الجهود التي تدعم العلاقات الاجتماعية الشخصية.

3-  إنّ الرعاية قد تحولت إلى المفهوم المنظم الذي يعتبر الرعاية حقّ للمواطن تجاه الدولة فالفكرة الأساسية وراء مفهوم الرعاية قيامها في ضوء قيم تربوية.

4-  إنّ الهدف الأساسي لبرامج الرعاية يمكن الناس من تحقيق مستوى مرتفع من المعيشة وتحسين أدائهم الاجتماعي وتنمية قدراتهم لمواجهة احتياجاتهم المختلفة وتحقيق التكيف مع البيئة.

5-  أصبحت الحقوق الرسمية من حقّ كلّ المواطنين وأصبحت الدولة مسؤولة عن توفير قدر من الرعاية للمواطنين.

 

ب‌)  مفهوم رعاية الشباب:

تُعرّف رعاية الشباب أنّها مجموعة الخدمات والجهود التي تبذلها أجهزة الخدمات العامة والهيئات الاجتماعية لتهيئة أنسب الظروف والأوضاع للنمو السليم الذي يكتسب الشباب خلاله الصفات والمميزات التي تجعله صالحاً وقادر على خدمة بلاده في شتى ميادين التنمية.

كما تُعرّف أيضاً رعاية الشباب بأنّها خدمات مهنية أو عمليات ومجهودات منظمة ذات صبغة وقائية وإنشائية وعلاجية تؤدي للشباب وتهدف إلى مساعدتهم كأفراد أو جماعات للوصول إلى حياة تسودها علاقات طيبة ومستويات اجتماعية تتمشى مع رغباتهم وإمكانياهم وتتوافق مع مستويات وأماني المجتمع الذي يعيشون فيها.

فرعاية الشباب بهذا المعنى يمكن النظر إليها على أنّها:

1-  مجال يتسم بالاتساع والشمول بحيث يبدو فيه تضافر العديد من جهود وقوى ومهن وتخصصات متعددة.

2-  يمكن اعتبار رعاية الشباب تخصص أو مهنة تتطلب العمل على التنسيق بين مختلف الجهود التي تعمل فيها على نحو يحقق التكامل بينها.

3-  تعتبر رعاية الشباب مجموعة من العمليات التي تقوم بها أجهزة وهيئات رسمية تشريعية تخطيطية وتنفيذية وحكومية وأهلية تستهدف النمو والتقدم للشباب والمجتمع.

4-  كذلك تعتبر رعاية الشاب مجموعة من العمليات المتعددة الأبعاد والتي تتصف بالديناميكية والحركة وتشتمل على مختلف الأنشطة والبرامج التي تنبثق من العديد من المهن والتخصصات الأخرى وبالتالي فهي متعددة الأبعاد.

5-  ترى خدمات وجهود رعاية الشباب إلى إيجاد دور الشباب وإتاحة الفرص أمامه للمشاركة في عمليات تنمية المجتمع وتقدمه.

6-  تستهدف رعاية الشباب إلى جانب ما سبق تهيئة الظروف وتوفير المناخ المناسب لتحقيق رسالتها في خدمة الشباب لأداء دوره في مختلف الميادين.

7-  لرعاية الشباب وجهة وقائية للحيلولة دون تردي الشباب في المهالك أو الانحراف عن الطريق القويم ولها وجهة إنشائية وصولاً إلى آفاق جريدة وتحقيقاً للجديد المتطور ولها وجهة علاجية تتمثل في انتزاع من يضلون السبيل من التيارات التي تجرفهم وردّهم للمسار المستقيم.

8-  تضع رعاية الشباب في اعتبارها رغبات الشباب وأمانيه التي يجب أن تنسق مع رغبات وأماني المجتمع كسياج يحيط برغبات وأماني الشباب وتقنينها.

ومن خلال هذا التوضيح الإجرائي يمكننا تعريف رعاية الشباب بأنّها: مهنة وقائية وعلاجية وإنشائية للعمل مع الشباب يهدف تحقيق النمو السليم للشباب وللمجتمع من خلال عمليات وجهود وخدمات تتم بالتنسيق بين مختلف أدوار أجهزة الخدمات بالمجتمع في مجال الشباب.

والتعريف الذي أُنتهي إليه يتضمن ما يلي:

1-  نص على أنّه رعاية الشباب مهنة فهي بالتالي تقوم على عاتق متخصصين فنيين معدين إعداداً يتناسب مع رسالتهم وهي كذلك تقوم على ركائز علمية وفنية يتطلبها عمل المهنة ورسالتها.

2-  لهذه المهنة أهدافها الوقائية التي تحول دون خروج الشباب على نطاق المألوف سواء بتوجيه الشباب أو تهيئة المناخ الذي يتعامل مع مكوناته ولها أهدافها العلاجية التي تعيد من يخرجون عن الصراط أو الخط القويم باعتبار أساليبها الفنية والعلمية ولها أهدافها الإنشائية التي تجعلها تتسم بالتقدمية لفتح وإيجاد مجالات ووسائل وأدوات جديدة.

3-  ينص التعريف على أنّ هذه المهنة تعمل مع الشباب وبالتالي تجعل الشباب طرفاً مشاركاً وإيجابياً فيها مما يحمله قدراً من المسؤولية في سبيل تحقيق رغباته ولا يكون سلبياً مستقبلاً للخدمة مسلوب الإرادة.

4-  يتضمن التعريف توضيح الهدف الرئيسي من رعاية الشباب هذه وهو نمو الشباب ونمو المجتمع واشترط أن يكون نمواً سليماً مما يفيد قيامه على أصول علمية وتخطيط دقيق مدروس.

5-  أوضح التعريف السبيل إلى تحقيق هذا النمو فقدر أنّه عمليات وجهود وخدمات فالعمليات تفيد التفاعل والإيجابية والحركة والجهود تعني المثابرة والعمل الدائب المستمر والخدمات إنّما تتم بالضرورة عن طريق جهات متخصصة ومتعددة.

6-  أوضح التعريف في النهاية أنّ هذه المهنة تتم بالتنسيق بين مختلف أدوار أجهزة الخدمات بالمجتمع وهذا يعني أنّ رعاية الشباب ليست دوراً واحداً يؤديه جهاز واحد بعينه، بل هو تضافر لأدوار مختلف الأجهزة الخدمات بالمجتمع.

على أنّ هذه الأدوار لا تتم في فراغ، بل تجري من خلال تنسيق بينها مما يقتضي أن تختص جهة معينة بهذا التنسيق وتكون لها من الصلاحيات ما يمكنها من القيام بهذه المسؤولية في نطاق ما يتطلبه منها المجتمع في مجال الشباب.

7-  ينتهي التعريف بالنص على أنّ هذه الرعاية إنّما تتم في مجال الشباب.

وذكر المجال هنا يفيد الاتساع والشمول بحيث لا ينسحب التصور إلى قصر الرعاية على فئة معينة أو عدة فئات من الشباب بل أنّها تشمل شباب المجتمع من الجنسين في مختلف المجالات كالتعليم والصناعة والزراعة والتجارة وغيرها، وكذلك الشباب في مختلف المناطق زراعية وصناعية وساحلية وصحراوية إلى غير ذلك.

وفي ضوء ما سبق يمكن استخلاص مفاهيم أساسية لرعاية الشباب من أهمها:

1-  إنّها نشاط وخدمات لا تمارس أو تقدم للشباب في أوقات الفراغ فحسب بل أوقات العمل أيضاً.

2-  إنّها ميادين ترعي الشباب لا في مؤسسات خاصة بهذه الرعاية فحسب، بل في كافة الميادين التي يعيش أو يعمل فيها مع الشباب.

3-  إنّها عملية لا يقصد من ورائها الشباب فحسب، بل إنّها طريقة للعمل معه لها فلسفتها وأهدافها ومبادئها وأساليبها ويقصد من ورائها مساعدة الشباب على النمو الاجتماعي.

وبذلك تتحدد مفهوم رعاية الشباب بصورته العلمية في ثلاث محاور أساسية هي كالتالي:

1-  المحور الأوّل: أنّها جهود مهنية بمعنى أنّها تركز على قاعدة علمية لها طرق وأساليب عمل فنية ومعايير أخلاقية ومهارات وممارسة تطبيقية وتحتاج إلى متخصصين أعدوا إعداداً خاصاً للعمل فيها.

2-  المحور الثاني: أنّ لهذه الرعاية أهداف تنموية تعمل على النهوض بقدرات الشباب كما أنّ لها أهداف وقائية تقف دون انحرافهم كذلك لها أهداف علاجية تسعى إلى مواجهة مشكلاتهم وصعوباتهم.

3-  المحور الثالث: إنّ هذه الرعاية وإن كانت توجه بصورة مباشرة إلى الشباب إلّا أنّها بالضرورة تمتد إلى المصادر البشرية والمادية المؤثرة على الشباب أيضاً.►

 

المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ

ارسال التعليق

Top