ج- هجرة الكفاءات العربية:
وجانب آخر مظلم للبطالة! على الرغم من أنّ الدول العربية تعتبر من الدول النامية علمياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً فهي لم تكن كذلك في الماضي، ويشهد لها التاريخ بأنّها لطالما قادت العالم، وكان أبناؤها أعلاماً في العلوم والفنون والحضارة. والناظر المتفحص في سجلات التاريخ يجد أدلة صارخة على أنّ الأُمّة العربية لديها مواهب ممتازة والتي إذا ما أتيحت لها الفرصة فإنّها تحقق إنجازات باهرة يشهد لها الجميع، وما التأخر الذي تعاني منه الأُمّة الآن إلا بسبب عدم وجود البيئة الصالحة للكشف عن هذه الكنوز وصقلها. وأكبر دليل على ذلك هو استقطاب الدول الغربية للعديد من صفوة الكفاءات العربية وتقديم كافة المغريات وسبل الرعاية لهم، ويبقى الوطن العربي محروماً من التطوير والإبداع، ولعل هذا من أخطر الأسلحة التي يستخدمها الغرب في مواجهة عمليات التنمية في الوطن العربي. وللأسف الشديد فقد باتت هجرة هذه الكفاءات ظاهرة عامة تنتاب الوطن العربي بأكمله ولا تقتصر على قطر واحد، بل وأصبح الأمر لا يشمل فقط الدول العربية الفقيرة وإنما امتد أيضاً إلى الدول الغنية كذلك، وأخذت هذه الهجرة تتزايد باستمرار وبنسب عالية جدّاً من عام لآخر، مما نتج عنه خسائر كبيرة كبيرة لا تقدر بثمن سواء في الموراد البشرية أو الاقتصادية، فحوالي 75% من كفاءات العالم الثالث موجودة في ثلاث دول غنية هي أمريكا وكندا وانجلترا. كما يقدر الخبراء أن ما تجنيه الولايات المتحدة من وراء هجرة الأدمغة إليها بنصف ما تقدمه من قروض ومساعدات للدول النامية، وبريطانيا 56%، أما كندا فالعائد الذي تجنيه يعادل ثلاثة أضعاف ما تقدمه من مساعدات للعالم الثالث. وتغزى هجرة المواهب والكفاءات العلمية العربية إلى عوامل داخلية وخارجية، وتتمثل العوامل الداخلية في التغيرات الاجتماعية والضارية التي يشهدها الوطن العربي، فهجرة الكفاءات والمواهب العربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع السائدة في المجتمع العربي، وهي ظاهرة تكونت نتيجة سوء تكوين المجتمع والخلل القائم في تركيباته الاجتماعية وعدم استقرار الأوضاع مما يضطر الموهوبين للبحث عن سبل لتأمين الحياة في مجتمعات أخرى، فضلاً عن الدوافع الاقتصادية التي تمثل أهم أسباب الهجرة نتيجة الفقر والبطالة وسوء النظام الاقتصادي، بالإضافة إلى عجز النظم التعليمية عن مواكبة التطورات المعرفية الحديثة وغلبة أسلوب الحفظ والتلقين عليها، كما أن غياب التخطيط العلمي يكرس تشتيت جهود العلماء وعدم وضعهم في الأماكن المناسبة. أمّا العوامل الخارجية في أنّ الدول المتقدمة أخذت في وضع خطط علمية مدروسة لاستقطاب هذه الكفاءات وتقديم كافة سبل الرعاية والتسهيلات لهم. ومن هنا يتبين أن هجرة الكفاءات العربية تشكل خسارة فادحة للوطن العربي على المدى القريب والبعيد، ويكرس مزيداً من التبعية للغرب، مما يتطلب وضع استراتيجية عربية عاجلة يتضافر فيها الجميع وترتكز على تشجيع الإبداع والمبدعين، وتطوير نظم التعليم، ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب، والعمل على استعادة العلماء، وتسهيل تبادل الكفاءات العلمية بين الأقطار العربية المختلفة. كل هذا إن أردنا استعادة ريادتنا العلمية المفقودة والتي قامت النهضة والحضارة الغربية على أكتافها. إنّ مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي تواجه وطننا العربي نظراً لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأُمّة عنصراً هاماً من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال عدم الاستفادة بهم وتهميشهم أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما إجتماعياً فإنّ البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار. وأمنياً تؤدى إلى انتشار ظاهرة الارهاب الذي يجد في أبناءنا العاطلين عن العمل ملاذاً له حيث يستغل نقمتهم على حكوماتهم من أجل خدمة أغراضه وأهدافه الإرهابية. خ- علاقة البطالة بالهجرة إلى الخارج: سؤال يبحث عن إجابة: الهجرة والسفر إلى الخارج. هل هي المشكلة أم الحل؟ ساعدت البطالة على جعل الهجرة والسفر إلى الخارج حلماً يراود أذهان الكثير من الشباب، وتقول الإحصائيات أنّه خلال الـ15 سنة الماضية تزايد عدد من يعبرون الحدود سعياً وراء حياة أفضل بشكل مستمر، ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين هناك فرد واحد من كل خمسة وثلاثين شخصاً حول العالم يعيش كمهاجر، وإننا إذا جمعنا كل المهاجرين في مكان واحد فإنّهم سيكونون دولة هي الخامسة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان. ويلخص العالم الديموجرافي الفرنسي ألفريد صوفي إشكالية الهجرة بقوله "إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر، وإذا أن يرحل البشر حيث توجد الثروات". ويستقطب الشرق الأوسط أكثر من 10% من مجموع المهاجرين في العالم وستضيف الدول الغنية في الخليج العربي أعلى تركز للعمالة المهاجرة في العالم، وتقدر المنظمة الدولية للهجرة بتحفظ بأنّه يوجد حالياً 14 مليون مهاجر دولي و6 مليون لاجئ في الشرق الأوسط وتستضيف السعودية أكبر عدد من السكان الأجانب في المنطقة يقدر بـ6.2 مليون، ويقدر عدد الأجانب في الإمارات بـ1.7 مليون، والكويت بـ1.3 مليون. ويكون الهنود أكبر مجموعة من المهاجرين في المنطقة 3.2 مليون ويأتى بعدهم المصريون 1.8 مليون، والباكستانيون 1.2 مليون، ويتركزون في السعودية بشكل رئيسي وبلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى.► *(أستاذ علم النفس المساعد) كلية الآداب – جامعة الاسكندرية المصدر: كتاب (أزمة الشباب ومشاكله بين الواقع والطموح) رؤية سيكولوجية معاصرةمقالات ذات صلة
ارسال التعليق