• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«المجتمع» رافد من روافد اكتساب القيم

السيد عبدالحسين القاضي

«المجتمع» رافد من روافد اكتساب القيم

◄إنّ من أهم روافد اكتساب القيم والمبادئ السامية لدى الفرد رافدين:

الأوّل: الجانب التربوي الذي يكون المسؤول عنه بشكل مباشر المدرسة ومؤسسات التعليم بشكل عام.

الثاني: البيئة الاجتماعية التي يتحرّك الفرد ويتجوّل في مرافقها الحيوية فيكتسب من خلال ذلك القيم والتعاليم التي تساعده على اكتساب المعرفة والتعمُّق في الموروث الثقافي والمعرفي لتزداد القيم العلمية والدينية رسوخاً في نفسه، كما يمكن أن يكتسب التزلزل الفكري والاضطراب الذي يؤدّي به في نهاية المطاف إلى القلق واهتزاز الشخصية وضياع الأهداف النبيلة، فيما لو كان المجتمع على ذلك.

وهناك عوامل أخرى تدخل كعوامل مساعدة في تحفيز الفرد على البحث عن بعض الحقائق المُغيبة عن ذهنه نتيجة بُعد مجتمعه أو مدرسته عنها، إلّا أنّ بعض الإثارات الخارجية التي يمكن أن يطلع عليها نتيجة الارتباطات الخارجية بين المجتمعات قد تثير لديه بعض التساؤلات ومنها يدخل حيز البحث عن الحقيقة المغيبة. ولذا نرى بعض الذين اعتنقوا الدين الإسلامي وكانوا يعيشون في مجتمعات بعيدة كلّ البُعد عن المجتمعات الإسلامية كان إسلامهم نتيجة لبعض الإثارات التي حصلت لديهم بسبب تقارب مجتمعهم مع بعض المجتمعات الإسلامية.

ولا يمكن أن تعدّ هذه ظاهرة طبيعية يفترض أن تحدث عند جميع الأفراد، بل هي ظاهرة خاصّة تُنبئ عن قوّة شخصية وعزم كبيرين واهتمام بالغ بالحقيقة والبحث عنها وإن كانت بعيدة عن ثقافته وموروثاته المعرفية، وإلّا فالحالة الطبيعية السائدة في المجتمعات بشكل عام هي حالة الاكتساب من نفس المجتمع وتأثُّر الفرد به واكتساب القيم والأخلاق منه بشكل مباشر.

إنّ مفهوم المجتمع والبيئة مفهوم عام قد يصعب تحديد مدخلاته البيئية الوظيفية التي هي أساس قوامه والتي تُحدِّد مساره مما يعود بتأثيره على الفرد. وقد عُرّف المجتمع بأنّه مجموعة من الناس التي تعيش بشكل منظم، وضمن جماعات منظمة، وهذا التعريف لا يعود إلى تفسير المجتمع كمجتمع، بل إلى تفسير الاجتماع من الناس مع ملاحظة حركتهم الجميع نحو تحقيق الإنسيابية النسبية في حركة الناس ليحل مشكلة التقاطع التي تحصل نتيجة تضارب المصالح فيما بينها، وإلّا فالظاهر أنّ المجتمع هو الحصيلة الناتجة عن ذلك الاجتماع المنظم بهذا النحو من التنظيم.

وهذا يعطي فكرة واضحة على أنّ الحصيلة المذكورة لابدّ أن تكون مؤثرة في واقع الأشخاص الذين يعيشون ضمن هذه الدائرة الاجتماعية كما لابدّ من انعكاس تأثيرهم عليه.

وهناك عدّة أُمور يمكن أن تدخل في النظام الاجتماعي الذي ينتج عنه المجتمع وتؤثر فيه تأثيراً كبيراً وتُحدِّد مساره بشكل مباشر أو غير مباشر مما يعود بتأثيره على الفرد بشكل مباشر، أهمّها أمران:

أوّلاً: البيئة الأسرية حيث إنّ لها التأثير الكبير على الفرد، وهي في الكثير من الأحيان العامل الأوّل في تحديد مساره ويمكن أن تدخل عوامل أخرى تحرف مسيرته الفردية المكتسبة من البيئة الأسرية ويشذ عنها. ولا مجال للإسهاب في تأثير البيئة الأسرية على الفرد لأنّ من الواضح أنّ التدرُّج العلمي للطفل حتى الكبر ينشأ من الأسرة سواء على الصعيد الفكري أم على الصعيد التربوي والأخلاقي. فإنّ القيم الأخلاقية وإن كانت تابعة للعقل الفطري، إلّا أنّ للبيئة الأسرية الدور الكبير في تنمية القيم المذكورة وترسيخها. كما أنّ دور البيئة الأسرية يمكن أن يكون في طمس تلك القيم واضمحلالها في نفس الفرد إذا كانت تلك البيئة مشوهة خالية من القيم الأخلاقية فينشأ الفرد فيها فرداً خاوياً لا يمتلك من القيم شيئاً. ولذا ورد في الحديث الشريف: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه»، وهو يشير إلى نفس القيم التي أشرنا إليها.

ثانياً: الرُّفقاء الذين يرجع تأثيرهم على الفرد في الأهميّة كتأثير البيئة الأسرية وهي أيضاً أداة لتكوين مدخلات المجتمع التي نشير إليها. ويختلف الحصول على الرُّفقاء من شخص لآخر، فقد يحصل عليهم الفرد من المدرسة أو الكُلِّية أو الجامعة، كما قد يحصل عليهم من السوق ومواقع العمل ومحال الاجتماع الدوري لدى الشخص، كما قد يحصل عليهم من بعض الأندية والمناسبات الخاصة والعامّة وهذه الأخرى تدخل في النظام الاجتماعي الخاص الذي يترتب عليه تنظيم المجتمع.

ومن هنا تكمن ضرورة اختيار الفرد لرفيقه، وترك رُفقاء السُّوء، وضرورة السؤال عن الرفيق قبل الرفقة، ونحو ذلك، وترجع أهمية ذلك لتأثيره على سلوكه وتفكيره وميوله الشخصية، وكلّ ذلك يعود بالتأثير على الواقع النفسي الذي يؤثر سلباً على القيم العلمية والتربوية للفرد، سواء أكان ذلك إيجاباً أم سلباً.

وهناك أُمور أخرى تصلح أن تكون مؤثرة في الواقع الاجتماعي والتي يرجع تأثيرها على الفرد كونه ضمن المنظومة الاجتماعية التي نتحدّث عنها؛ لكن أهمّها ما ذكرنا. فالذي يتحمّل مسؤولية الفرد هذان المحوران، ولذا كان اللازم تحري أساليب التربية الصحيحة والاهتمام بذلك للخروج عن المسؤولية الشرعية. ►

 

المصدر: مجلة ينابيع/ العدد 74 لسنة 2017م

ارسال التعليق

Top