• ١٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«ثاني أكسيد الكربون» سبب أساسي لتغير مناخ الأرض

تحقيق: أحمد خضر الشربيني

«ثاني أكسيد الكربون» سبب أساسي لتغير مناخ الأرض
                                 بعد أن تجاوزت نسبته كل الحدود في التاسع من مايو الماضي، تجاوز المتوسط اليومي لتركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في مرصد جبل ماونا لوا في هاواي، التابع للإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي NOAAA، ولأوّل مرة منذ بدء القياسات في العام 1958، تجاوز حاجز 400 جزء في المليون. وكانت قياسات مستقلة أجريت من خلال الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي ومعهد سكريبس لعلوم المحيطات قد اقتربت من المستوى نفسه قبلها بأسبوع. وهي علامة فاصلة، لأنّ مرصد ماونا لوا، الذي يضم أقدم محطة للقياس المستمر لثاني أكسيد الكربون (CO2) في العالم، هو موقع القياس العالمي الأوّل لرصد الزيادة في تركيزات هذا الغاز المسبب للاحتباس الحراري. والواقع أن غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتم ضخه في الغلاف الجوي عن طريق حرق الوقود الأحفوري والأنشطة البشرية الأخرى هو أكثر غازات الاحتباس الحراري إسهاما في تغير المناخ. ويزيد تركيزه في كل عام منذ بدأ العلماء في تسجيل القياسات على سفوح بركان ماونا لوا منذ أكثر من خمسة عقود. وتسارع معدل الزيادة منذ بدأت القياسات، من حوالي 0.7 جزء في المليون سنوياً في أواخر خمسينيات القرن الماضي، إلى 2.1 جزء في المليون سنوياً خلال السنوات العشر الماضية. وكما قال البروفيسور بييتر تانز، كبير علماء لإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي وعضو شعبة الرصد العالمي في مختبر أبحاث نظام الأرض التابع للإدارة في بولدر بولاية كولورادو، فإن "هذه الزيادة ليست مفاجئة للعلماء"، وأضاف: "والدليل قاطع على أنّ النمو القوي للانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون من حرق من الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي هو الذي يقود التسارع". وقبل الثورة الصناعية في القرن 19، كان المتوسط العالمي لثاني أكسيد الكربون حوالي 280 جزءاً في المليون. وفي الثمانمائة ألف عام الماضية (800.000)، تقلبت تركيزات ثاني أكسيد الكربون بين حوالي 180 جزءاً في المليون خلال العصور الجليدية و280 جزءاً في المليون خلال الفترات الدافئة بين العصور الجليدية. ومعدل الزيادة اليوم أسرع بمائة مرة من الزيادة التي حدثت عندما انتهى العصر الجليدي الأخير. ويقول العلماء إن آخر مرة زادت فيها معدلات ثاني أكسيد الكربون عن 400 جزء في المليون كانت منذ ما بين 3 إلى 5 ملايين عام، قبل وجود الإنسان على سطح الأرض. ويقول العلماء إن درجة حرارة المناخ آنذاك كانت أكثر ارتفاعاً من الآن بقدر كبير. وكان العالم تشارلز ديفيد كيلينج من معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفوريا في سان دييغو، هو الذي بدأ بقياس مستوى تركيزات ثاني أكسيد الكربون في ماونا لوا في العام 1958، وهو الذي وضع ما يعرف الآن باسم "منحنى كيلينج". وواصل ابنه، رالف كيلينج، وهو أيضاً أستاذ في الجيوكيمياء في معهد سكريبس، تسجيل قياسات معهد سكريبس منذ وفاة والده في العالم 2005م. وكان رالف كيلينج قد قال: "ليس هناك ما يوقف ثاني أكسيد الكربون من الوصول إلى 400 جزء في المليون". وأضاف: "هذا الأمر محسوم الآن. لكن ما سيحدث هنا من الآن ولاحقاً سيؤثر في المناخ، ولا يزال الأمر بيدنا. وسيعتمد إلى حد كبير على المدى الذي سنستمر به في الاعتماد على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة". ويقوم علماء الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي مع شعبة الرصد العالمي بتسجيل قياسات على مدار الساعة هناك منذ العام 1974. ولديهم برنامجان يقيسان بشكل مستقل غازات الاحتباس الحراري لتوفر الثقة بأنّ القياسات صحيحة. وعلاوة على ذلك، سجلت زيادات مماثلة في ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم من قبل العديد من العلماء الدوليين. وتدير الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، على سبيل المثال، شبكة كونية تعاونية لأخذ عينات الهواء، وحسبما ذكرت العام الماضي، فإن جميع مواقع القطب الشمالي في شبكتها أبلغت في العام الماضي عن وصول تركيزات ثاني أكسيد الكربون إلى 400 جزء في المليون للمرة الأولى. وكانت هذه القيم العالية تمهيداً لما سجل الآن في ماونا لوا، وهو موقع شبه استوائي. وسوف تتبعه مواقع في نصف الكرة الجنوبي خلال السنوات القليلة المقبلة. ويعود هذا إلى أنّ الزيادة في نصف الكرة الشمالي هي دائماً تسبق قليلا مثيلتها في نصف الكرة الجنوبي، لأن معظم الانبعاثات التي تقود إلى الزيادة في تركيزات ثاني أكسيد الكربون تنطلق في النصف الشمالي. ويدير جيمس بتلر مختبر أبحاث النظام الأرضي وهو مؤسسة بحثية في ماونا لوا، حيث بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون حسب قياس المختبر في التاسع من مايو الماضي 400.03 جزء في المليون. ويقول بتلر: "تتغير تركيزات ثاني أكسيد الكربون على أساس يومي وأسبوعي، ولهذا لا نشعر بالرضا عن إعطاء قراءة واحدة أقل عدد من القراءات التي نسجلها في اليوم هو قراءة واحدة، وهو ما حدث في هذه الحالة". ويضيف أن: "مركزي ماونا لوا والقطب الجنوبي موقعان مهمان، حيث يسجلان معدلات ثاني أكسيد الكربون منذ العام 1958. العام الماضي سجلت جميع المراكز في القطب الشمالي 400 جزء في المليون. هذه أول مرة يزيد فيها المعدل اليومي عن 400 جزء في المليون في ماونا لوا". ويقول بتلر: "في العام المقبل أو الذي يليه قد تفوق القراءة اليومية 400 جزء في المليون". ويضيف: "بعد عامين من ذلك ستفوق القراءات في القطب الجنوبي 400 جزء في المليون وبعد نحو تسعة أو عشرة أعوام قد نرى آخر قراءة تصل إلى 400 جزء في المليون". وقد أفادت عدة محطات عالمية أخرى لرصد الغلاف الجوي أيضاً عن تجاوز تركيزات ثاني أكسيد الكربون عتبة الـ400 جزء في المليون خلال الذروة الفصلية، التي تحدث في مطلع فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي قبل أن يمتص نمو الغطاء النباتي جانباً كبيراً من ثاني أكسيد الكربون. وقد عبرت هذه العتبة لأوّل مرة في محطات في القطب الشمالي. وسجل المتوسط الشهري تجاوز حاجز الـ400 جزء في المليون في بارو بآلاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية (خط عرض 71.3 شمالا) لأول مرة في أبريل 2012، وكذلك في آلرت في كندا (82.5 شمالاً) من بداية العام 2013، وفي ني آليسوند بالنرويج، (78.9 شمالاً). والآن أيضاً سجل تجاوز لهذه العتبة في محطات أقرب إلى خط الاستواء: في إيزانا (جزر الكناري، إسبانيا)، حيث تجاوز متوسط القيم اليومية الـ400 جزء في المليون في نهاية أبريل 2013. وأعقبتها محطة ماونا لوا، التي تسجل القياسات منذ العام 1958. وتنسق منظمة جلوبال أتموسفير ووتش عمليات رصد تركيزات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى مثل الميثاق وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي، لضمان أنّ القياسات في جميع أنحاء العالم هي موحدة ويمكن مقارنتها مع بعضها البعض. وتغطي شبكتها أكثر من 50 بلدا، بما فيها محطات عالية في جبال الألب، وجبال الأنديز والهملايا، وكذلك في منطقة القطب الشمالي، والقطب الجنوبي وفي أقصى جنوب المحيط الهادئ. وثاني أكسيد الكربون أهم غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من جراء الأنشطة البشرية. وهو مسؤول عن 85 في المائة من الزيادة في التأثير الإشعاعي، تأثير الاحترار على مناخنا على مدى العقد الماضي. وبين عامي 1990 و2011 كان هناك 30 في المائة زيادة في التأثير الإشعاعي بسبب الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويتم حساب التأثير الإشعاعي بالنسبة إلى مستوى ما قبل الثورة الصناعية من الغازات الدفيئة الرئيسية. ووفقاً لدورية جرينهاوس جاز بوليتين، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وصلت إلى 390.9 جزءاً في المليون في العام 2011، أو 140 في المائة من مستوى ما قبل الثورة الصناعية الذي كان يقدر بنحو 280 جزءاً في المليون. ويمثل مستوى ما قبل العصر الصناعي توازن تدفقات ثاني أكسيد الكربون بين الغلاف الجوي والمحيطات والمحيط الحيوي. وتزداد كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في المتوسط بنسبة 2 جزء في المليون سنوياً على مدى السنوات العشر الماضية. ولتحديد معدلات ثاني أكسيد الكربون قبل استحداث مراكز القياس الجديدة، كان العلماء يلجأون لقياسات بديلة مثل دراسة فقاعات الهواء الحبيسة في جليد القطب الشمالي. وتعليقاً على تجاوز هذه العلامة الفارقة، قالت الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كريستينا فيجيريس: "مع وصول تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 400 جزء في المليون، فإننا نكون قد عبرنا عتبة تاريخية ودخلنا منطقة خطر جديدة. وعلى العالم أن يستيقظ ويدرك ما يعنيه هذا من أجل أمن البشر ورفاهية الإنسان والتنمية الاقتصادية. وفي مواجهة الخطر الواضح والراهن، فإننا بحاجة إلى استجابة سياسية ترتفع حقاً إلى مستوى التحدي. ولا تزال لدينا فرصة لدرء أسوأ آثار تغير المناخ، لكن هذا سوف يتطلب استجابة واسعة ومتصاعدة عبر محاور العمل المركزية الثلاثة: العمل من قبل المجتمع الدولي، ومن قبل الحكومة على جميع المستويات، ومن قبل قطاع الأعمال التجارية ومؤسسات التمويل. وكما أسلفنا القول، فإنّه بالرغم من عدم تحديد أهداف رسمية، فإن معظم العلماء والباحثين يعتقدون أنّه يتعين على العالم ألا يتجاوز أبداً ارتفاع حرارة كوكبنا درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة في عصور ما قبل الصناعة. لكن الوصول إلى هذه النقطة يبقى أمراً غير واضح نظراً لاستمرار حالة عدم اليقين في ما يتعلق بمدى حساسية المناخ إزاء الجرعات الزائدة من غازات الاحتباس الحراري. وتشير معظم التقديرات إلى أن مضاعفة كميات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة (أي من 280 جزءاً في المليون إلى 550 جزءاً سترفع درجة حرارة الأرض بين درجتين وأربع درجات. غير أن دراسات حديثة ذهبت إلى أن من شأن هذا أن يرفع درجة حرارة الأرض إلى مستويات أعلى بكثير قد تصل إلى 11 درجة مئوية. وقد أكد العديد من العلماء أنّ العالم يجب أن يستهدف إبقاء مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تحت مستوى 400 جزء في المليون. وفي الوقت الراهن، تمتص التربة والغابات نحو ربع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرقنا للوقود الأحفوري. وهذه النسبة تتزايد لأنّ النباتات باتت تنمو أسرع، وتتغذى بمستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون. والحقيقة أنّ الطبيعة تساعدنا على أن ننقذ أنفسنا من أنفسنا، لكنها لن تفعل ذلك إلى الأبد. فمع تسارع ارتفاع درجات الحرارة، تتسارع أيضاً معدلات تحلل الأخشاب، وأوراق الأشجار وجذورها لتطلق كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون في الجو. وعند نقطة معينة، ستتجاوز معدلات الإطلاق معدلات الامتصاص، وستتحول اليابسة من (مغاطس) تمتص ثاني أكسيد الكربون إلى مصدر لانبعاثاته. وإذا حدث هذا، فإن تكاليف إعادة الاستقرار إلى مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستكون أكبر مما نتصور. وتتوقع بعض النماذج الكمبيوترية أن يحدث هذا إذا تراوحت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بين 400 و500 جزء في المليون. والمشكلة أنّه ما إن تنطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي والمحيطات، فإنّها تبقى فيها لآلاف السنين. ومن ثمّ، فإنّ التغيرات المناخية التي يسببها ثاني أكسيد الكربون تعتمد أساساً على الانبعاثات المتراكمة، الأمر الذي يجعل من الصعب على نحو متصاعد تجنب المزيد من التغيرات المناخية الكبيرة.

ارسال التعليق

Top