• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«حفظ الجوار» سعادة وهناء

«حفظ الجوار» سعادة وهناء

◄لا يخفى أنّ الجوار الحسن، نعمة ما مثلها نعمة، إذ انّ الجار إذا كان أميناً، وصادقاً، وحافظاً لجوار جاره، يكون الجار الآخر في مأمن منه واطمئنان، إذ أنّه يحفظه حاضراً وغائباً.

والجار الأمين، أنيس لجاره، وصديق له، لا بل هو بمثابة الأخ الشفيق، لأنّه يقوم بحقّ جاره عند المرض، أو الشدة، مقام الأهل، والأحباب. وهو إذا وفى، الساعد الأيمن لجاره، ولا يسلمه عند الشدائد.

فالحياة في الدنيا حياة سعادة، لا حياة شقاء، وحياة اجتماعية، لا حياة تفرقة ووحدة، لأنّ الوحدة، لا تفيد صاحبها، ولا تمنعه من عاديات الزمن.

والإنسان بطبعه وطبيعته اجتماعي ألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

وجليس الخير خير *** من جلوس المرء وحده

فالجيران الأمناء، كالعائلة الواحدة، يحافظ بعضهم على بعض، يتشاركون في السراء والضراء، بقلوب صافية، مع إنس وسرور.

لم نبالغ في قولنا إنّ الجيران كالعائلة الواحدة، فإنّنا نرى بالوجدان أنّ الجيران المتحابين المتكاتفين، في سرور دائم وعيش رغيد، لا يشوب صفوهم كدر.

لذلك نرى الدين الإسلامي، الحنيف، قد حث على حفظ الجوار، بكلّ ما لهذه الكلمة، من معانٍ عميقة.

ولقد أراد الرسول الأعظم محمّد (ص)، عندما حث على حفظ الجوار وحب الجار أن يبعث الاستقرار والطمأنينة في قلوب المسلمين، وحتى تكون الأُمّة في سعادة وهناء. لأنّ الأُمّة هي عبارة عن جسم واحد، فإذا اضطرب بعض أطرافه، اضطرب الجسم كلّه.

نرى بالوحدان أنّ الجار صاحب الأخلاق الجميلة، والمروءة العالية لا يساويه شيء، لأنّه محل اطمئنان النفس ويجب الركون إليه.

وكما قال سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) (النساء/ 36).

ومما لا يخفى على كلّ عاقل، انّ للجوار حقاً على كلّ شخص علاوة على ما تقتضيه أخوة الإسلام، فحقوق الجار لابدّ أن تكون محفوظة على كلّ مسلم.

إذ انّ الله سبحانه وتعالى لما أمر في مكارم الأخلاق حث على حفظ الجوار، كما حث على الإحسان لليتامى وبرّ الوالدين يحسن إليهم خاصة، ولجميع القرابات عامة.

وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): من جملة وصيته لولديه الحسين والحسين (عليهما السّلام): "الله... الله في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيّكم، وما زال يوصي بهم، حتى ظننا أنّه سيورثهم".

قال رسول الله (ص): "أتدرون ما حقّ الجار؟ إن استعان بك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستعمل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فادخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، ولا تؤذه بقطار قدرك إلا أن تغرف له منها، ثمّ قال: أتدرون ما حقّ الجار؟ والذي نفسي بيده، لا يبلغ حقّ الجار إلا من رحمه الله".

وقد نهى النبيّ (ص): "أن يطلع الرجل في بيت جاره، وقال: من نظر إلى عورة أخيه المسلم، وعورة غير أهله متعمداً، أدخله الله مع المنافقين، الذين كانوا يبحثون عن عورات النّاس، ولم يخرج من الدنيا، حتى يفضحه الله، إلا أن يتوب".

وقال (ص): "مَن آذى جاره، حرّم الله عليه ريح الجنّة (ومأواه جهنّم وبئس المصير) ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا".

عن أبي جعفر (ع) قال: "قال رسول الله (ص): ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع".

واعلم، انّه ليس حقّ الجوار، كفّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى، فإنّ الجار أيضاً قد كف أذاه فليس في ذلك قضاء حقّ، ولا يكفي احتمال الأذى، بل لابدّ من الرفق، واسداء الخير والمعروف، إذ يقال: إنّ الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة فيقول: يا ربّ سل هذا لما منعني من معروفه وسد بابه دوني.►

ارسال التعليق

Top