• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آثار الذنوب في القرآن

أسرة البلاغ

آثار الذنوب في القرآن
   إياك أيها المؤمن من أن تتعدى حدود الله تعالى فتكون قد ظلمت نفسك وتصير مصداقاً والعياذ بالله لقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء/ 14).

فحذار أيها المؤمن ثم حذار من الاقتراب من الذنوب والمعاصي فإنّها تبعدك عن ربك وتعرضك لسخطه وغضبه ونزول نقمته، فتأمل في قول إمامنا الباقر (ع) عندما يقول: "ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّ وجل: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين/ 14).

وإياك أن تستحقرن ذنباً من الذنوب فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس/ 12).

ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان/ 16).

واعلم أن من استهان وتجرأ على الصغائر استهان وتجرأ على الكبائر، فعن مولانا الرضا (ع) أنّه قال: "الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر، ومن لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير".

واعلم أنّه لا فرق في الحقيقة بين الذنب الصغير والذنب الكبير لأنّ العاصي في كليهما متجرّئ على الله تعالى وخارج عن طاعته وإن اختلف نوع العقاب فيهما وحجمه.

فإذا عرفت هذا يتضح لك أنّ العاصي بعيد كلّ البعد عن ساحة جلال الله وجماله، ولا يمكنه أن يدعي محبة الله سبحانه وتعالى وتعلقه به، فقد ورد عن إمامنا الصادق (ع) أنّه قال: ما أحب الله عزّ وجلّ من عصاه، ثمّ تمثل فقال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه *** هذا مجال في الفعال بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إنّ المحب لمن يحب مطيع

فإياك ثم إياك أن تتجرأ على معصية الخالق عزّ وجلّ أو تعرض نفسك لسخطه وغضبه فإنّه ما أفلح من عصى ربه وخالف أمر مولاه.

 

عبادة الله ومراتبها:

ثمّ اعلم قواك الله على معرفته وعبادته أني بذلك أكون قد أقمت الحجّة عليك بلزوم معرفة الله تعالى ولزوم طاعته واجتناب معصيته والتقرب إليه والإخلاص له، وعليه فلابدّ لك من أن تشمر عن ساعد الجدّ والاجتهاد لعبادة الله وأداء حقه وتلبية ندائه سبحانه الذي يقول فيه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 21)، لتكون بذلك مصداقاً لما روي عن رسول الله (ص) من قوله: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر".

وتأمل في قول إمامك جعفر الصادق (ع) عندما قال: "في التوراة مكتوب: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك وعليَّ أن أسدّ فاقتك، وأملأ قلبك خوفاً مني، وإن لا تفرغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثمّ لا تسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك".

وعليك يا مؤمن وفقك الله على لما يحب ويرضى – أن تسعى لتكون عبادتك من أعلى وأسمى مراتب العبادة لأنّ عبادة الناس على أقسام فقوم عبدوا الله عزّ جلّ خوفاً منه ومن عذابه فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلباً لثوابه وحباً بجنانه فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حباً له ومعرفة به فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة".

ولا أقول لك إنّ هذا الأمر في متناول اليد ولكن من جدّ في سلوك طريق لابدّ أن يصل إلى مراده ولو بعد حين.

فاعبد الله صانك الله عن معاصيه وجعلك من المخلصين – عبادة العاشقين لا عبادة الخائفين أو الطامعين، واذكر في ذلك قول إمامنا عليّ بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين (ع) عندما يقول: "إنّي أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلّا ثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطمع إن طمع عمل وإلّا لم يعمل، وأكره أن [لا] أعبده إلّا لخوف عقابه فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل، قيل: فلم تعبده؟ قال: كما هو أهله بأياديه علي وإنعامه".

 

النية والإخلاص:

ثمّ اعلم  عزيزي المؤمن حباك الله وجعلك من المتقين – أنّ قبول العبادة مرهون بأمور عديدة من أهمها الإخلاص في النية والتقرب إليه وحده، فأخلص لله سبحانه وتعالى في عملك واجعل عبادتك لله وحده واذكر عند قيامك بأي عمل قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف/ 28)، فهم يريدون وجه الله سبحانه وتعالى فقط لا نيل ثناء الناس ومدحهم. واذكر كذلك قوله عزّ من قائل: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (لقمان/ 22).

فطوبى وهنيئاً لمن أخلص لله العبادة وكان همّه رضا الخالق أوّلاً وآخراً، وويلٌ وهوانٌ لمن أشرك بعبادة ربّه أحداً، فإيّاك ثمّ إياك أن تكون من أولئك فيذهب عملك هباءاً منثوراً، وتكون قد أتعبت نفسك وجسدك في الدنيا وخسرتهما في الآخرة حيث يقول تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون/ 4-7).

فعليك أن تعلم أنّ من أكثر الأمور إفساداً للعمل وإبطالاً له هو الشرك الخفي أي الرياء أعاذنا الله منه، فإنّه على مكانة عالية من الخطورة وهو من الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة لأنّ يسير الرياء شرك فكيف بكثيره؟ ولأنّ الله سبحانه لا يقبل عملاً فيه مثقال ذرة من الشرك. ولخطورة هذا المرض حذّر منه الرسول الأكرم (ص) وآله الأطياب، فقد قال رسول الله (ص): "سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم".

انتبه لنفسك قبل فوات الأوان، وأخلص لله في عملك قبل حلول أجلك، وإنّ أفضل الأمور للتحصن من هذا المرض هو أن تتذكر دائماً وعند كلّ عمل أنّ الله لا يقبل العمل الذي فيه شوبة رياء وأنّ الله أعدّ للمرائين عذاباً أليماً.

واعلم أنّ من الأمور المهمة أيضاً للابتعاد عن الرياء والتخلص منه هو إخفاء الطاعات والأعمال الصالحة خصوصاً المستحبات ولا سيّما منها التي لا يأتي بها كثير من الناس، فإذا فعلت ذلك فلن تنازعك نفسك في طلب غير الله تعالى وسيكون أجرك مضاعفاً إن شاء الله فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: "أعظم العبادة أجراً أخفاها".

وورد عن إمامنا موسى الكاظم (ع) قوله: "المستتر بالحسنة له سبعون ضعفاً".

ارسال التعليق

Top