• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آداب الهدية

آداب الهدية

    فنّان جميل الذّوق ومرهف الحسّ ذاك الذي اخترع الهديّة لما لها من أثر ساحر في نفس الطّرف المقابل، فأنت حينما تهديني أيّة هديّة – والهدايا في معناها لا في قيمتها المادِّية – إنّما تقدِّم لي تعبيراً محسوساً على حبِّك لي، وكما يحلو لي أن أفرح بهديّتك فإنّ لك عليَّ حقاً أن أبادلك الهديّة بالهديّة.

    ولمّا كانت الهدية تعبيراً عن مشاعر لا تستطيع الكلمات إيصالها، فإنّ لها آداباً، منها:

    أ- لابدّ من الذوق والدِّقّة في الاختيار، فاختيار المرء – كما يُقال – قطعة من عقله، فقد تكون الهدية صغيرة في حجمها كبيرة في مغزاها.. إن كتاباً ممّا يحبّ صديقك مطالعته، قد يعدل أو يفوق لديه أيّة هديّة أخرى.

    ب- كما لابدّ من اختيار المناسبة، ولكن قد تكون الهدية بمناسبة وقد تكون بلا مناسبة، فعلاقتك بأخيك وحرصك على تنميتها مناسبة بحدِّ ذاتها. كما أنّ تحيّن الفرص السعيدة كالنجاح أو تحقيق انجاز معين أو تخرّج أو زواج أو شراء بيت أو قدومه من سفر، لتقديم الهدايا، هو ممّا يُعزِّز أواصر الصداقة ويُغذِّيها. وفي الحديث الشريف: "تهادوا تحابّوا".

    ج- إنّ تغليف الهدية بغلاف جميل عليه عبارات تبريك رقيقة وتمنِّيات عطرة أو أبيات من الشعر، يجعل الهدية ناطقة بأكثر من لسان.

    د- يُفضّل أن يراعي المُهدي الفائدة العمليّة للهدية، فلبعض الهدايا عمرٌ قصير ولبعضها عمر أطول، وبعضها ذو فائدة محدودة وبعضها ذو فائدة أكبر، فربّما كانت لوحة زهيدة الثمن مخطوط عليها بخطٍّ جميل حديث شريف أو آية مباركة أو حكمة مأثورة تجعل من الهديّة أثراً فنِّياً وأدبياً خالداً لا يُنسى.

    هـ- لا يصحّ إطلاقاً نقد الهدية أو التقليل من قيمتها حتى ولو كانت كذلك، فلابدّ من شكر المُهدي على كلِّ حال، واستقبال هديّته المتواضعة برضىً ملحوظ. فلقد أهدى تلميذ من أسرة فلّاحية أستاذه شيئاً من الخيار في أوّل موسمه، فتناول المعلِّم واحدة منه فكانت مرّة المذاق فاستذوقها، ثمّ تذوّق الثانية فكانت كذلك، فأكلها والطلاب ينظرون باستغراب لعدم دعوتهم لمشاركة الأستاذ في أكل الخيار حتى خرج التلميذ وهو مسرور بهديته لأستاذه الذي التفت إلى تلاميذه قائلاً: "قد تستغربون منِّي ذلك، لكنّ الخيار كان مرّاً، ولو كنت قدّمته لبعضكم وتأفّف من مرارته لكان ذلك إساءة للتلميذ الذي كان فرحاً بهديّته وقد أردتُ إدخال السرور عليه باستطعامي لخياره!

    و- كما لا يصحّ أن تهدي ما أُهدي إليك، فقد قيل إنّ الهدية لا تُهدى، فهي ممّا خصّك به مهديها فكيف تفرّط بهدية لو رآها مهديها عند غيرك، فلربّما ساءه ذلك.

ارسال التعليق

Top