• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آيات الصيام منهجية البناء.. والتقوى

أ. د. محمد أديب الصالح

آيات الصيام منهجية البناء.. والتقوى
إنّ الذي جلّى الوجه الحضاري لأمتنا على المستوى اللائق في ميادين الفكر والسياسة والاجتماع وغيرها.. هم أولئك الأفواج من جند الله عبر القرون المتطاولة. الصفوةُ الذين أحكمت الدعوة المحمدية بناءهم ظاهراً وباطناً؛ فوضعوا طاقاتهم وإمكاناتهم على طريق البناء المتميز للأُمّة، حتى أصبح أيُّ لون من ألوان النماء في تلكم الطاقات والإمكانات رافداً من روافد الخير والفلاح لمجتمعهم الكبير، وكان لهم من الوعي والإخلاص في الحركة، ما استطاعوا معه أن يدركوا ما عليه واقعهم، بعيداً عن التجربة والخيال، ويأخذوا بيده إلى حيث الاحتكام إلى شريعة الإسلام ترعى بنورها شؤونه كافة، ولمفهومات الإسلام ترسم له منهج النظر والتفكير. كما استطاعوا – وهم يُعنَون بمخالطة المعارف الإسلامية في البناء وتنمية حوافز الرقي – أن يتلقفوا بكثير من الأمانة والوعي ما زخرت به أعصارهم من صنوف العلم والمعرفة، ومن ثمرات التجارب الإنسانية، وأن يهضموها ثم يقدموها – على صعيد النفع للأُمّة – من منظور إسلامي، ويجعلوا من رصيدها روافد لهذه الأُمّة تسهم في تشييد معاقل الهداية والبر. وتمدُّها بما يعود على قوتها بالنماء والإطراد، كيما تؤدي رسالتها في العالمين. وليس من مكرور القول الإشارة إلى جند الله هؤلاء كانوا كذلك، وأغلى ما يميزهم تقوى الله عزّ جلّ؛ فهم أحباب الله الأتقياء الأنقياء في كل ما ذكرنا – وهو قليل من كثير – والتقوى عندهم، وكما هي في المفهوم الإسلامي الصحيح: اجتناب للمعاصي وأداء للفرائض واستكثار من النوافل، وجهاد في سبيل الله، مع إخلاص في العمل ومراقبة لله عزّ وجلّ في السر والعلن؛ كلٌّ في موقعه وإطار عمله وتخصصه، والثغر الذي أقامه الله عليه. وهذا ما يذكرنا بما ختمت به أوّل آية من آيات الصيام في سورة البقرة من قول الله جلّ ذكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) هذه جعلها الله غاية سامية للمؤمنين ترتجى وتطلب من خلال صيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً. فلينظر المسلم في عظمة كل من الغاية والوسيلة؛ أرأيت!! لعلكم تتصفون بمنقبة التقوى فتكون سجية لكم، فتصبحوا وتمسوا والتقوى نور يضيء تصرفاتكم، وقوة باعثة على استقامتكم ونصرتكم لدين الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله أمرهم صادقين مخلصين. إنا ونحن نسعد بالنظر في آيات الصيام من سورة البقرة نستنير بعطائها على ساحة البناء والمبتغى؛ يستوقفنا هذا الوجه من وجهوه الهداية في هذا المعلم القرآني؛ لما أنّ التقوى ضمانة أيُّ ضمانة لاستقالة الفرد، ولسلامة الحركة في خلايا المجتمع، عبادةً، وتعاملاً بين الناس، وتعاوناً على الخير، وتناصحاً أميناً بين الحاكم والمحكوم. نقول هذا وعبير ليالي الشهر الميمون وأيامه يملأ على المؤمنين جنبات قلوبهم، ونور الطاعة صياماً وقياماً، وتلاوة وتدبراً لكتاب الله العزيز، يريح نفوسهم ويسمو بها إلى معالي الأمور والحرص على فعل ما من شأنه أن يقربهم إلى الله زلفى. فليكن وراء ذلك صدق العزيمة في أن يكون شهر رمضان – بحق – رحلة بناء على قوة الإرادة في طاعة الله والجهاد في سبيله، ومصدر تنمية لأخلاق الصبر والأمانة والمراقبة، والحسِّ المشترك بين المؤمنين في ظل العبودية لله عزّ وجلّ، والإخلاص في تلقي الخطاب الثري الندي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). وما أجمل أن يبلغ صدق العزيمة مبلغه، فتصحب رحلتَنا في الحياة أخلاقُ الصيام ومشاعر الصائمين الصابرين المقربين.

وإذا صدقت الوجهة وسلم للمؤمن التوكل، وأخذت النفس بأخلاق الفارين إلى الله، المشوقين إلى مرابع عطائه في جنات عدن: أمنت العاقبة – بفضل الله – وتحقق الفوز في الدارين.

المصدر: كتاب (الإنسان والحياة، في وقفاتٍ مع آيات)

ارسال التعليق

Top