الدِّين الإسلامي دين عام عالمي جاء لخير البشرية جميعاً، ولقد وحّد الإسلام بين أبنائه وجمعهم حول العقيدة الصادقة والمبادئ السامية وأصبح الإخاء العام بينهم هو الرباط والدعامة الذي بنوا عليه علاقاتهم وتعاملهم وكانت الإخوة الدينية أصدق تعبير وأسمى هدف وأجل غاية، وبهذا المفهوم لتلك الإخوّة نجد أنّها أمر طبيعي يتحقق بمجرد الاعتقاد الصادق، فبمجرد إقرار الإنسان بشهادة التوحيد والاعتراف بالدِّين الإسلامي والانضواء تحت رايته تتحقّق إخوّته لجميع المسلمين في أنحاء المعمورة فهي ليست تكليفاً يكلف به الإنسان أو يحتاج إلى مراسم ظاهرية معينة أو ما إلى ذلك من النواحي الشكلية، وإنّما بمجرّد الإيمان يصبح للفرد حقوقه التي هي لكلّ المسلمين وعليه واجباته التي يطالب بها الجميع.
وإذا كانت الأخوة الدينية تسمو عن العلاقة المادّية المجردة فإنّها تسمو كذلك عن العلاقة النسبية المجردة وعلى ذلك تكون الأخوة الدينية أقوى وأثبت من العلاقة النسبية فقط وممّا يؤكد هذا أنّنا نلاحظ شرعاً أنّ الأخوة الدينية لا تنفصم بانفصام الأخوة النسبية والقرآن يوضح هذا والواقع يؤكده، يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10).
إذا كان الإسلام قد جمع بين أبنائه واعتبرهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فإنّ ذلك يرجع إلى روح الأخوّة المخلصة بين أبنائه، وبهذا المفهوم الرفيع ينبغي أن تكون صلة المؤمن بإخوانه والعلاقة فيما بينهم يجب أن تكون علاقة الحبّ والولاء والتكافل والتضامن والتواصي بالمعروف والتناهي عن المنكر. ولقد نهج القرآن الكريم منهجاً يحقق ذلك الهدف الأسمى ليربط بين المسلمين برباط الألفة ويقوي بينهم علاقة الودّ والصفاء فدعا المسلمين إلى التماسك والتآلف ونبذ روح الفرقة والاختلاف فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران/ 103)، كما أمرهم بالتعاون على البرّ والتقوى لا على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2).
وحديث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد هذا المضمون حيث قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر»، وممّا يستوجبه صدق العلاقة بين المؤمنين أن يتولى المؤمن أخاه بتوجيهه إلى الخير ونهيه عن الشرّ والوقوف إلى جانبه إذا أدت الضرورة إلى ذلك فشعار أُمّة الإسلام ما جاء في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 110).
والكثير من الأحاديث تؤكّد هذا المفهوم منها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدِّين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، المسلم أخو المسلم لا يخذله، ولا يكذّبه، ولا يظلمه، إنّ أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى فليمطه عنه».. فالكلام عن صدق الإخوّة والإخلاص فيها الكثير ممّا ينبغي أن يكون بين المسلمين في علاقة بعضهم ببعض، وبوجه عام يجب أن يسود المسلمين التكافل الاجتماعي بكلّ معانيه وهو شعور الجميع بمسؤولية بعضهم عن بعض بحيث يكون كلّ فرد متحملاً لتبعاته وتبعات الآخرين ما أمكنه ذلك، يسأل عن نفسه وعن إخوانه وأي مجتمع يرغب في الرقي ويأمل في حياة طيِّبة لابدّ أن يتوفّر فيه ذلك، لأنّه الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الأُمم وتبني عليه حياتها وهو السبيل لبقائها حرّة كريمة عزيزة الجانب مرهوبة السلطان. كان ذلك العرض الوجيز شيئاً عن منهج الإسلام في علاقات المؤمنين عامّة وضعه ليكون إطاراً منيعاً لحماية المجتمع الإسلامي وصيانته من التفكك والانحلال ودافعاً له إلى التقدّم والرقي والازدهار.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق