• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أجواء الحوار المثمر

عمار كاظم

أجواء الحوار المثمر

الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتفاهم بين الديانات وكلّ التيارات الفكرية، وهو الأسلوب الحضاري الفريد الذي يفضي إلى اللقاء فيما تشترك به الديانات من القيم الروحية الإنسانية..

من هنا، تأتي ضرورة تحضير أجوائه على الأرض، حتى لا يبقى مجرّد نداء يُطلق في المناسبات الدينية، بل يكون منهجاً دينياً شاملاً في كلّ مفردات الحياة. ثمّ إنّ الحوار بين الأديان على أساس العقيدة، فكرة شجّع عليها الإسلام، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64). فالغرض من فكرة الحوار في الإسلام أن يتم على قواعد لابدّ من التأكيد عليها وهي: التوحيد، نفي الشِّرك، إفراد العبادة لله وحده، أن لا يُطيع أحدٌ أحداً من الناس في معصية الله، وهو ما يدل عليه نص الآية دلالة لا لبسَ فيها.

يتحدَّث البعض عن ضرورة إخراج الحوار بين الأديان إلى حيِّز التطبيق الفعلي الذي يضمن تحقيق المفاعيل والانعكاسات الإيجابية لهذا الحوار الضروري في كلّ وقت، بعيداً من الكلام والشعارات التي تُطلق دوماً في الهواء بما يتعلق بهذا الحوار، ولا تجد لها طريقاً إلى التطبيق الحيّ والمنتج. وهذه نقطة مهمّة لابدّ من تسليط الضوء عليها، ومتابعتها مع المؤثّرين في الشأن العامّ، بغية إيجاد الأرضية الصالحة لنموّ الحوار وفعله التغييري المفترض.

لابدّ من تبنّي الحوار ومفاعيله بجدّية من أصحاب الشّأن، كي نخرج من دائرة الجمود والاستهلاك، وبالتالي الابتعاد عن الشكليات التي تبقينا على السطح، ولا تؤدّي الغاية المطلوبة في تكريس التقارب والتفاهم بين الأديان والأفكار.. فالغاية هي التقارب والتفاهم والتواصل واللقاء المشترك، بما يدفع مسيرة البشرية من خلال مفردات الدِّين التي تفتح القلوب والعقول على الأُفق الواسع للوجود.

نريد من كلمة الحوار أن تتحرّك في جوٍّ عقلاني يكون حياديّاً حتى مع الفكر الذي يلتزمه المحاور، من حقّك أن تلتزم فكرك وتؤكّد قناعاتك، ولكن أن تطرح فكرك في ساحة الحوار، لابدّ لك أن تكون محايداً بين فكرك والفكر الآخر، أن تعمل على أن تعزل ذاتك عن فكرك، حتى لا تكون هناك ذات تصارع ذاتاً، بل فكر يصارع فكراً، وتكون الذات مجرد منطلقات للتفكّر، دون أن تعيش فيه وفي ملامحه وأجوائه.. لذلك ومن منطلق إيماننا بأنّ الدِّين عند الله الإسلام، فإنّ الحوار يجب أن يقوم على أساس طرح الإسلام عقيدةً، ومنهج حياة، فإذا وجد الناس فيه ما يلبي تطلّعاتهم، وحاجاتهم الدنيوية والأخروية، القائمة على دعوة التوحيد، وعن هذه الدعوة تنبثق جميع المفاهيم، والمناهج والنُّظم التي تؤَمِّن خير الإنسان.

وفي الخلاصة، فإنّ تحضير أجواء الحوار المثمر، يستوجب حضور النوايا المخلصة، والعمل الجادّ والوعي المطلوب، والحرص على تكريس مفاعيل الحوار في الواقع، لإعادة إنتاج الحياة وفق نقاط التفاهم واللقاء الذي ينسجم مع حركة الزمن، وفي كلّ المحطات والظروف، وبما يتوافق أيضاً مع قاعدة التعارف الإلهيّة بين الناس، والتي من أهمّ مفاتيحها، الحوار الإنساني في انفتاحه على قضايا الوجود. في سعي مخلص لبناء العقول والمشاعر في خطّ الله والإسلام، وما يعنيه ذلك من إبداعٍ وإصلاح وتغيير.. فالأساس في بناء العلاقات الإنسانية، علاقة الإنسان بأخيه الإنسان التي لا تُبنى على أساس التناحر أو التخاصم، بل على أساس التعارف والتنافس والتحاور، إلّا أنّ نجاح الحوار يتوقف على توفير ظروفه ومناخاته وتهيئة مقدماته وشروطه. قال الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رُوِي عنه: «مَن كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس».

نعم، إنّ الحوار حاجة علمية وضرورية فكرية بهدف اللحاق بركب العالم المتقدّم. وغياب الحوار أو رفضه يعني زيادة في التخبط والتخلف والعزلة. كما إنّ فتح أبواب الحوار بضوابطه ومنهجه العلمي يحقّق أهدافاً وغايات بناءة. ويفضّل الحوار بأسلوب قرآني نبويّ ناجح ومثمر يأسر القلوب ويحرّكها نحو الفضيلة.. فللحوار آداب وأخلاق -كما ذكرنا آعلاه- لابدّ من التعرّف عليها والتحلّي بها؛ لأنّها مستنبطة من واقع السنّة النبويّة ومدعمة ببعض من الآيات القرآنية.

ارسال التعليق

Top