• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أدب الأطفال.. فوائده وأشكاله ومنطلقاته

أدب الأطفال.. فوائده وأشكاله ومنطلقاته

إنّ أدب الأطفال للطفل مثل الفيتامينات للفكر، ويجب أن يربى الأطفال فكرياً وروحياً وعقلياً كما يربون جسدياً، فتتوازى فيتامينات الجسد مع فيتامينات الفكر والروح، وقد نرى في واقعنا اهتماماً من كثير من الأُسَر، بصحة الطفل وأجساد الأطفال، ونجد مثل هذا الاهتمام عند كثير من الأُمم، بل وكثير من الثقافات، ونجد كثيراً من الأفراد والمنظمات تهرع إذا عُذِّبَ الطفل، أو اعتدي عليه جسمانياً – وهذا أمر ممدوح ولا شكّ في ذلك – ولكننا في كثير من الأحيان نجد انتهاكاً وتعدياً على عقل الطفل وروحه وفكره ولا نرى تحركاً ولو بلفظة.

وما ذاك إلا لعدم وعيهم بعقل الطفل وفكره وروحه، وأولى من ذلك أن يوجه كلّ هؤلاء اهتمامهم لتربية روح الطفل وعقله. وأستطيع أن أشبه الطفل الذي رُبِّي جسدياً ولم يربَّ روحياً أو عقلياً بالحيوان الغبي، الذي يدمر نفسه بنفسه، وأرى أنّ الفيتامينات التي تقوي جسد الطفل بلا تقوية للفكر والروح والعقل بالتوازي مع ذلك تجعل مصيره مثل المارد القوي الذي ضل الطريق، فماذا ننتظر منه، عندما يكون إفساده أكثر من إصلاحه، وسيأتي عليه يوم يستعصي الحل والتفاهم معه.

إذن الحل يكمن في تربية الطفل، بأن تتوازى فيتامينات الروح والعقل والفكر مع فيتامينات الجسد، وأدب الأطفال له مسؤولية كبرى في السمو بروح الطفل وعقله وخياله، ولكي ينمو نمواً مكتملاً، فإنّه يحتاج إلى أنواع مختلفة ومتنوعة من الفيتامينات التي تغذي روحه من الدين، والتي تغذي فكره من المعارف، والتي تغذي عقله من الثقافات، لكي تُغَذَّى روح الطفل وعقله وفكره، فينمو كلّ ذلك بالتوازي مع الجسد، فكل جانب يغذي جانباً من تكوين الطفل، وكلّ نوع من أنواع المعارف يقوي ناحية من نواحي احتياجات الطفل سواء كانت عقائدية أو فكرية أو عقلية، فأدب الأطفال عليه عبء تغذية هذه الجوانب، ولذا يجب أن يتنوع أدب الأطفال وألا يقتصر على مجال دون آخر، فلا يكون كله موجهاً لمهارة بذاتها، ولا إلى أدب أُمّة واحدة فقط؛ ولا أن يكون أدب الأطفال محصوراً في الأدب المكتوب فقط، أو المنطوق وحده، أو المرئي وحسب، أو الوسائط المتعددة بمفردها، ولكن يجب أن يشمل كل ذلك، فهو السبيل الذي يُسعد الأطفال، ويسليهم، ويطور وعيهم، ويغير طريقة فهمهم للحياة، ويُنمِّي إدراكهم الروحي، ويربطهم بخالقهم مستمدا ذلك من صحيح الكتاب والسنة، ويشعل محبتهم للجمال، ويغذي فيهم روح المرح ويوسِّع أفق القراءة عندهم، ويُعمِّق أبعاد استمتاعهم بها.

 

أشكال أدب الأطفال ووسائله:

تتنوع أشكال أدب الأطفال وطرق وصوله إليهم، فقد يكون في شكل قصة خيالية، أو حتى خرافة، أو أسطورة، وقد يكون في شكل قصة واقعية، أو تهذيبية، أو تراثية، أو يكون في شكل فن شعبي أصيل، وقد يكون في حكاية من الحكايات الخيالية، أو حكايات الجن والأشباح، أو في صورة قصة شعرية غنائية، أو مقطوعة شعرية سهلة الفهم، وقد يكون في صورة قصة مغامرات أو بطولة، أو قد يكون حكمة، أو مثلاً شعبياً، أو لغزاً، أو طرفة، أو نادرة، وتتنوع وسائل توصيل أدب الطفل إلى الطفل؛ فقد تجري القصة على لسان الإنسان، أو الحيوان، أو الجماد، وقد تكون نابعة من بلد الطفل ولغته، أو آتية إليه مترجمة أو مقتبسة من لغة أخرى، لكنها تُنَمِّي مواهب متعددة في الطفل.

ويجب التنبه للقصص المترجمة فليس كلّ أتٍ من غير بيئتنا يصلح لها، فبعض المسؤولين عن الثقافة يتساهلون فيأخذون المستورد غثه مع سمينه، ولكن علينا أن نأخذ ما ينفعنا ونترك ما يضرنا، من عقيدة، وثقافة، واجتماعيات، وتقاليد وعادات راسخة في مجتمعنا، لأن ذلك سلاح ذو حدين، فنأخذ الحد الذي يفيدنا، ونترك ما هو مظنة تلويث عقيدتنا، لأنّ الأطفال يشبهون أكواباً فارغة تمتلئ بما يسكب فيها، فلابدّ أن تكون مضامين أدب الأطفال وأهدافها وطريقة عرضها متوافقة مع عقيدتنا، والمستقر من الآداب الاجتماعية في بيئتنا، فإذا التزم أدب الأطفال ذلك فإنّه يعطي الاطفال فرصاً للتعرف بأنفسهم على أنفسهم، وعلى المجتمع حولهم، ونساعدهم على أن نقتلع مخاوفهم أو نمكنهم من التصدي لما يعترضهم من صعوبات في الحياة أو معايشتها ومن ثمَّ التخلص منها، فأدب الأطفال يطلق العنان لأحلام الأطفال وطاقاتهم الإبداعية، فيكون سبيلاً لأن يقدم للأطفال جهوداً متميزة لا يستطيع غيرهم أن يقدمها إليهم، فيكون مطبوعاً بطبعهم، تتجلى فيه خصائصهم الفردية، فيسهمون في تحقيق الغايات الكبرى التي تجمع البشرية فترتوي بتدفق نهر الحياة.

 

منطلقات أدب الأطفال:

المنطلق الأوّل لأهداف "أدب الأطفال": إمدادهم بالمعلومات العلمية، وربطهم بالعقائد الدينية الصحيحة، وبث الروح الوطنية التي تربط الأطفال بوطنهم الكبير وأسرتهم الصغيرة، والنظم السياسية، والتقاليد الاجتماعية، وبث عواطف الرأفة والرحمة والإحسان إلى المحتاجين ومساعدتهم،وإكسابهم مفردات لغوية جديدة لتوسيع قاموسهم اللغوي، وإمدادهم بما يساعدهم على التفكير المنظم، وما يعينهم على اللحاق بركب الثقافة والحضارة من حولهم، في إطار خيالي يذكي خيالهم بأسلوب سهل مبسط، وإطار مشوِّق ممتع، وبذلك يعد أدب الأطفال وسيلة من وسائل التعليم والمشاركة والتسلية، ويكون سبيلاً إلى ترسيخ العقيدة الصحيحة، وكذلك يساعد على التعايش الإنساني بتقبل الآخر، وطريقاً لمعرفة السلوك المحمود، وأداةً لتكوين العواطف السليمة للأطفال، وأسلوباً يكتشف به الطفل مواطن الصواب والخطأ في المجتمع، ويجعله يقف على حقائق الحياة، وما فيها من خير وشر.

المنطلق الثاني: بذر الأخلاق الحميدة وتقوية إيمان الطفل بالله، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفسه، وترسيخ ارتباطه بالوطن ونشر الخير والعدالة والإنسانية؛ وحتى لا يخدع الطفل حين يواجه الحياة، فلابدّ أن يعرض ذلك في قالب يعرض الحقائق ويكشفها أمام أعين الطفل في أسلوب خيالي جذاب.

المنطلق الثالث: المثال الذي يعرضه الأديب في قصصه قد لا يوافق الواقع الذي يعيشه الطفل، ولذلك فعلى الأديب أن يراعي ألا يكون أدب الطفل عامل هدم بدلاً من كونه عامل بناء، فقد يرى الطفل انفصاماً بين ما يقرأه في أدب الأطفال وبين الواقع، وللتغلب على هذه المعضلة يجب على الكاتب تصوير الشر والظلم والاستغلال بصورها الموجودة في المجتمع، ويُحَذِّر منها، ومن الانسياق وراء هذه الاتجاهات التي قد تغوي ضعفاء النفوس من الناس، وبذا يسير أدب الأطفال جنباً إلى جنب مع الحق والخير والعدالة ومع الحياة الواقعية. المنطلق الرابع: التأكيد على أنّ الشر وإن تغلب فإلى حين، وأنّ النصر في النهاية للحق، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ) (الرَّعد/ 17).

إنّ أدب الأطفال ليس لعرض الأخبار؛ ولكنه لتكوين شخصية الطفل، لذا فالأديب عندما ينقل المعرفة إلى الصغار، ليس لمجرد السمر فيسلي وقتهم، ولكن أدب الأطفال يقدم أيضاً لقرائه أو سامعيه تجارب البشرية التي تنتج عنها المتعة والسرور، فـ"أدب الأطفال" يزيد الثروة اللغوية ولكنها ليست هدفه الوحيد، ولكن مع زيادة الثروة اللغوية يُنمي الإحساس بالجمال لدى الأطفال، فللكلمة قوتها وتأثيرها، ولكنها تكشف للأطفال سر الجمال والحقيقة.

وليس أدب الأطفال ليُشَرِّحَ الإنسانُ نفسه، ولكنه يُححب الأطفال في قراءة ألوان الأدب وسماعها؛ وما أشد حاجة الأطفال إلى ذلك!

 

*للكاتب د. أحمد عبدالتوّاب عوض/ أكاديمي من مصر

 

المصدر: مجلة العربي/ العدد 665 لسنة 2014م

ارسال التعليق

Top