إنّ شخصية الإمام الرضا (ع) متميزة من كلّ الأبعاد والجوانب. وأنّ سيرته حافلة بالعطاء والآثار الخالدة، وله عند أهل العلم والفضل من التكريم والتبجيل ما يؤكد مكانته وسمو شخصيته، وقد اعترف بذلك أعداؤه قبل أصدقائه. فشخصيته وعلمه ومكانته لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها. وولد في المدينة المنورة عام 148 هـ ولقب بغريب الغرباء كونه دفن في ولاية خراسان من بلاد فارس بعيداً عن أرض جده رسول الله (ص). واستشهد الإمام الرضا (ع) في السابع عشر من صفر سنة 203 للهجرة إثر مؤامرة دس السم في الطعام ودُفن في خراسان. وعن سيرة الإمام الروحية والأخلاقية، يمثل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) رمزاً من رموز الفضيلة والأخلاق، ومنبعاً فياضاً من القيم الروحية والمعنوية، فهو كآبائه الطاهرين جسد حقيقة الإنسان الكامل، الذي تشع من جوانبه الروحانيات والمعنويات والأخلاقيات الرائعة والجميلة والنبيلة. كما قام بدور هام جداً في توجيه الأمة نحو الإسلام الأصيل، والوقوف بوجه المنحرفين الذين أرادوا تشويه الإسلام. وكان الإمام (ع) في عصره عملاق الفكر الإسلامي، وأعلم إنسان على وجه الأرض -كما يقول المأمون- وقد أمد العالم الإسلامي بجميع مقومات الارتقاء والنهوض، وقد اتّخذ الجامع النبويّ معهداً لدروسه ومحاضراته، وقد احتف به العلماء والرواة وطلبة الفقه، وهو ابن نيف وعشرين عاماً، وهم يسجلون فتاواه، وما يدلي به من روائع الحكم وفنون الآداب. وعن التثقيف الصحي والطبي للإمام (ع)، فمن أهم الآثار العلمية التي خلفها الإمام (ع) لنا ولكلّ الأجيال القادمة هو رسالته الطبية التي كتبها للمأمون العباسي، والتي تسمى (الرسالة الذهبية)، حيث أنّ المأمون أمر بكتابتها بماء الذهب وذلك لأهميتها العلمية ونفاستها الصحّية، وهي أول رسالة طبية كتبها مسلم في التاريخ الإسلامي، أما ما كُتب قبلها فلا تعدو أن تكون ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية. وعن التوجيه الاقتصادي، قد كان للإمام (ع) دور هام جداً في بيان تلك المبادئ والمفاهيم الاقتصادية للناس حتى يعرفوا حقوقهم الاقتصادية، وكان (ع) ينتقد تصرفات الحكام في أموال المسلمين بغير وجه حقّ، ويدعو إلى التكافل الاقتصادي والعدالة في توزيع الثروات. وعن التوعية السياسية، قد أعطى الإمام (ع) لهذه المسألة أهمية كبيرة، فقد كان يقدم للناس المفاهيم والأفكار السياسية التي تنسجم مع الإسلام، كما كان يغذي خواصه وتلامذته بالفكر السياسي وفق رؤية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الأمر الذي أنتج مجموعة من الكفاءات والكوادر الرسالية المسلحة بالعلم والفكر والوعي السياسي، وكان لبعضهم أدوار مهمة في إدارة بعض الأقاليم في البلاد الإسلامية. وعن التنظيم الإداري، وهو الإدارة الاتصالية بين القائد -وهو الإمام (ع)- والناس من خلال أولئك الثقات، الذين هم بمثابة قنوات اتصال مهمة بين القيادة والناس. أما بالنسبة لنبل أخلاق الإمام (ع)، فقد روي أنّ أبا الحسن الرضا (ع) ما جفا أحداً بكلمة قط، وما قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها ولا مدّ رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم. وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البوّاب والسائس، وكان (ع) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول: ذلك صوم الدهر. وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السرّ وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة. حيث كان أبو الحسن الرضا (ع) إذا أكل أتى بصفحة فتوضع قرب مائدته، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كلّ شيء شيئاً، فيوضع في تلك الصفحة، ثم يأمر بها للمساكين، ثم يتلو هذه الآية: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد/ 11) ثم يقول علم الله عزّوجلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم السبيل إلى الجنة "بإطعام الطعام".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق