• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أركان السعادة البشرية

مرتضى مُطهري

أركان السعادة البشرية

◄(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

في هذه السورة المباركة يشير القرآن الكريم إلى أنّ السعادة البشرية إنما تنهض على أربعة أركان: الأوّل هو الإيمان، والثاني العمل الصالح، الثالث التواصلي بالحق، أمّا الركن الرابع فهو التواصي بالصبر.

والإيمان هو الركن الأساسي في الحياة الإنسانية، فالإنسان بما هو إنسان لا يمكنه أن يعيش سعيداً مطمئناً ناعم البال دونما إيمان، كما أنّ النشاط الإنساني يحتاج إلى قاعدة يستند إليها وينطلق منها وإلّا عمّت الفوضى وساد الاضطراب وفقد الإنسان إقباله ورغبته في الحياة.

لو نظرنا إلى الحيوان وتأمّلنا في سلوكه لأدركنا عدم حاجته إلى ما ندعوه بالإيمان، ذلك أنّ النشاط الحيواني محدود ولا يتعدى دائرة الطعام والشراب والنوم ورعاية الصغار كحد أقصى، وهو ينطلق بنشاطه من منطلق الغريزة، فالظمأ أو الجوع هو الذي يحرّكه دون تردّد للبحث عن الماء والكلأ.

لو كانت دائرة النشاط الإنساني محدودة ومحصورة بالغرائز لما احتاج الإنسان في عمله إلى قاعدة يستند إليها سوى الغريزة، ولكن ما العمل ودائرة الإنسان واسعة جدّاً لا تحدّها حدود، فأوّل شيء يمتاز به الإنسان عن الحيوان هو أنّه كائن اجتماعي، والحياة الاجتماعية هذه سبب في استفادته وإفادته للآخرين، فهو من جانب مكلّف بأداء وظيفته تجاه المجتمع، ومن جانب آخر يقدّم له المجتمع مختلف أشكال الخدمة.

وهنا تتجلّى الغريزة الإنسانية عن دورها في رسم السلوك الإنساني وتنعدم تلك البساطة والسهولة بل واللذة والفرح في القيام بأعماله الطبيعية، وعلى هذا الأساس يتحمل الإنسان مسؤوليته ويشعر بثقلها على عاتقه، إذ يتوجب عليه الصدق والأمانة والتضحية والإنصاف والعدالة والتقوى والعفّة، في حين تقتضي منفعته وطبيعته الشخصية العكس، فلتحقيق لذائذه تتطلب منه الكذب والخيانة والسرقة أن يتخلّى عن ثوب التقوى والطهارة والعفّة ليمكنه نيل مراده. وهنا يرى الإنسان نفسه أمام قرارات كبرى تخالف طبيعته ومنافعه الشخصية، ومن المحال أن تقنع نفسه بالفضائل دون قاعدة تنطلق منها أو تنهض عليها وهي الإيمان الركن الأوّل في السعادة البشرية.

الركن الثاني هو العمل الصالح فمن الممكن أن يؤمن الناس لكنهم لا يقومون بالأعمال الصالحة، وقد يبدو قبول هذا الأمر صعباً في الوهلة الأولى. إذ كيف يؤمن الإنسان دون أن يتجلّى إيمانه بالعمل الصالح؟!.

لا ينبغي التعجب من ذلك، ذلك أنّ البعض من الناس يؤمنون بالمبادئ السامية: يؤمنون بالله والأنبياء والكتب السماوية ولكنهم وبسبب بعض الانحرافات والفهم الخاطئ يظنّون أنّ المطلوب فقط هو الإيمان ولا أهمية للعمل.

وقد يوجد البعض ممن يعمل وينطلق بعمله هذا من منطلق الإيمان والعقيدة ولكنه يخطئ في تشخيص ذلك، فهو يقوم بسلسلة من الأعمال منطلقاً من إيمانه وعقيدته دونما فائدة أو أثر يترتب عليها.

إننا نشاهد الكثير من الناس ممن يعانون ويقاسون في قيامهم بأعمالهم تلك دون أثر للإحسان، وإذا بسعيهم هذا يبقى دونما معنىً أو فائدة.

الركن الثالث في سعادة البشر هو التواصي بالإيمان والحقّ والعمل الصالح، فليس المطلوب من أفراد المجتمع الإيمان والعمل الصالح فحسب بل والتواصي بذلك أيضاً بشتى الوسائل قولاً وفعلاً وأن يشجع بعضهم بعضاً بشكل يظهر فيه المجتمع ملهماً لأفراده عمل الخير، لا أن يكون – لا سامح الله – منطلقاً وملقّناً لأفراده الفساد والانحراف والعمل السيِّئ.

الركن الرابع وهو التواصي بالصبر والاستقامة والثبات، ذلك أنّ الحياة لا تمضي وفق ما يريده الناس، وعواصف الدهر لا تهب دائماً في الجهة المطلوبة والرياح لا تجري بما تشتهي السفن، ولذا فإن أفراد المجتمع مواجهة حوادث الزمن ونوائب الدهر، وأن يتواصوا بالصبر والثبات والاستقامة. قال سبحانه في محكم كتابه الكريم: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن/ 16).►

 

المصدر: كتاب سلوك وأخلاق الإسلام

ارسال التعليق

Top