• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أسباب الوقوع في المعاصي وسبل تجنبها

إيمان إسماعيل عبدالله

أسباب الوقوع في المعاصي وسبل تجنبها
 ◄(.. وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ...) (الحجرات/ 7). لا يخلو ابن آدم من معصية مهما يكن صلاحه، فقد ورد عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) قال: "كل بني آدم خَطّاء، وخير الخطائين التوابون" صحيح الألباني. فإذا أخطأ الإنسان وقارف معصية من المعاصي، فعليه أن يعرف أن باب التوبة مفتوح وأن الإقلام عن المعصية والتوبة منها أمر واجب. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ...) (هود/ 112)، ويوجه رسول الله (ص) المسلمين بقوله: "قل آمنت بالله ثمّ استقم" صحيح الألباني. والاستقامة تتمثل في ابتعاد المسلم عن المعصية في كل أمر يُقدم عليه. أنّ المعصية هي كل أمر مخالف للشريعة الإسلامية من الأقوال والأعمال الظاهرة أو الباطنة، سواء أكان بفعل المحظورات أم ترك الفرائض والواجبات في الكتاب والسنة وكل ما أتي به محمد (ص). ونظراً لخطورة عاقبة المعصية مهما يكن نوعها، كان لابدّ من تنبيه المسلم إلى أن لا يستهين بأمر المعصية، وأن يجتهد في سبيل تجنبها والوقاية منها، وأن يبادر إلى التوبة منها في حال الوقوع فيها.   -        أسباب الوقوع في المعاصي: هناك أسباب لا حصر لها تجعل الإنسان عرضة للوقوع في المعاصي. ومن جملة تلك الأسباب التي يجب الاحتراز منها، ضعف الوازع الديني وعدم الالتزام بالصلاة والاستهانة بأمرها، وهي عمود الدين من أقامها أقام الدين وهي التي تنهي عن الفحشاء والمنكر. ومن أسباب الوقوع في المعصية أيضاً إهمال الأهل تربية أبنائهم وبناتهم وعدم الانتباه لهم، وترك العمل بقول رسول الله (ص): "كلكم راع، وكلكم مسؤول في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" صحيح البخاري. ومن الأسباب التي تُعرّض صاحبها للوقوع في المعاصي عدم غض البصر، في حين أنّه يجب على كل مسلم ومسلمة غض البصر في كل الأحوال، كما أن سبحانه وتعالى نهى النساء عن التبرج وإظهار الزينة أمام غير الزوج والمحارم، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 30-31).  

-        كيفية التوبة من المعصية: لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ليعمر الأرض، والله سبحانه وتعالى يعلم أنّ الإنسان سيرتكب الكثير من المعاصي، ولكنه عزّ وجلّ ترك له باب التوبة من المعاصي مفتوحاً على مصراعيه، لذا يجب على المسلم والمسلمة التوبة إلى الله سبحانه وتعالى في كل لحظة من كل أمر يقع فيه، فكيف للعبد أن يتوب من ذنوبه؟ روى مسلم عن أبي هريرة (رض)، عن النبي (ص) في ما يحكي عن ربه عزّ وجلّ، قال: "أذنب عبد ذنباً. فقال: اللّهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك". قال عبدالأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: "اعمل ما شئت". ويُفهم من الحديث الشريف أنّ الذي يرتكب المعصية مرة بعد مرة، ذنبه مغفور في كل مرة إن أعقب معصيته بتوبة صادقة في كل مرة صادقة. والدليل على جواز التوبة مرة بعد مرة أنّ الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر الصديق (رض) ردهم أبو بكر إلى الإسلام وقبل منهم ذلك، علماً بأنهم كانوا كفاراً ثمّ دخلوا في الإسلام ثمّ رجعوا إلى الكفر ثمّ دخلوا الإسلام. وقبل الصحابة كلهم منهم التوبة، على الرغم من أنّ الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم، فقبول التوبة من المسلم العاصي، ولو كانت متكررة، أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة. ولكن هذا بشرط أن تكون التوبة الأولى وما بعدها توبةً نصوحاً صادقة من قلب صادق، وألا تكون مجرد تظاهر بذلك. وهذا الكلام لا يُفهم منه أنه تشجيع على المعاصي وارتكابها مرة بعد مرة، ولا أن يجعل المسلم رحمة الله تعالى وتوبة الله تعالى عليه سُلماً للمعاصي، لا. إنما نريد أن نشجع العاصي على التوبة مرة بعد مرة، فالقصد هو أن يطمئن قلب المسلم الذي يريد أن يرجع إلى الله تعالى بأن باب الرحمن مفتوح، وأن عفو الله سبحانه وتعالى أكبر من معصيتك، فلا تيأس من رحمة الله تعالى وعُد إليه. قال الحافظ بن رجب الحنبلي: روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن عليّ، قال: "خياركم كل مفتن تواب". يعني كلما فُتن بالدنيا تاب. قيل: فإذا عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور". وقيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثمّ يعود ثمّ يستغفر ثمّ يعود؟ فقال: ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار. وروي عنه أنّه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين. يعني أنّ المؤمن كلما أذنب تاب. وقال عمر بن عبدالعزيز في خطبة له: أيها الناس من ألمّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها. ومعنى هذا أنّ العبد لابدّ أن يفعل ما قُدر عليه من الذنوب كما قال النبي (ص): "إنّ الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة..." رواه مسلم. ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب ومحاه بالتوبة والاستغفار، فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب، وإن أصر على الذنب هلك.   -        عوامل تساعد على التخلص من المعصية: هناك عوامل تساعد المسلم على التخلص من المعصية مهما يكن نوعها، ومن تلك العوامل: الصلاة والسجود لله سبحانه وتعالى بخشوع القلب والجوارح، وكذلك الدعاء بأن يتوب الله تعالى عليه من كل المعاصي، والدعاء هو أعظم علاج للمذنبين، وهو الذي يساعدهم على الرجوع لله سبحانه وتعالى بصدق وأمانة، قال الله سبحانه وتعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل/ 62). وكم من رجل وامرأة كانا يجدان صعوبة في ترك بعض الذنوب، ولكن لما لجأوا إلى الله عزّ وجلّ وجدوا التوفيق والعون. ومن أفضل أوقات الدعاء أثناء السجود، قال رسول الله (ص): "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فأكثروا الدعاء) صحيح مسلم. المجاهدة والإرادة القوية، فإن ترك المعصية لا يكون بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى إرادة قوية وصبر ومجاهدة الهوى، وإن تلك المجاهدة دليل على الصدق في ترك الذنوب والإقلاع عن المعاصي. معرفة عواقب المعصية ونتائجها، فالعبد كلما تفكر في النتائج المترتبة على الذنوب، فإنّه حينها يستطيع تركها. ومن عواقب الذنوب والنتائج المترتبة على الوقوع في المعاصي الهم والغم والحزن والاكتئاب والضيق والوحشة بينه وبين الله. البعد عن أسباب المعصية، فإن كل معصية لها سبب يدفع إليها ويقويها، ويسهم في الاستمرار فيها. ومن أصول العلاج البعد عن كل سبب يقوي المرض. الحذر من رفقاء السوء، فإن بعض الشباب يريد ترك المعصية ولكن صديقه يدفعه إليها، وفي الحديث الصحيح: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". لذا يجب على المسلم العاقل أن يبتعد عن صديق السوء قبل أن يصبح ممن قال الله تعالى عنهم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا) (الفرقان/ 27-29). تذكر فجأة الموت، يقول الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت/ 57)، فليتخيل الإنسان أنّ الموت قد يأتيه وهو يقارف المعصية، ويسأل نفسه ماذا سيتمنى حينها؟ قال الله سبحانه وتعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون/ 99-100). إنّه يتمنى الرجوع إلى الحياة، لا ليستمتع بها ولكن ليعمل عملاً صالحاً على خلاف الذنوب والمعاصي التي كان يرتكبها. تذكر الميزان يوم القيامة، وهو ميزان دقيق توزن به الحسنات والسيئات، قال الله سبحانه وتعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء/ 47)، وليسأل نفسه عن طبيعة أعماله التي ستوضع في هذا الميزان، هل هي طاعات وأعمال صالحة؟ (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون/ 102)، أم هي سيئات وذنوب؟ (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون/ 103). تذكر اسم الرقيب (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) (الأحزاب/ 52)، فالله يراقبك، ويعلم بحالك، ويعلم تحركاتك ونظراتك وسمعك وقلبك (.. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ...) (الأحزاب/ 51)، فإذا دفعتك نفسك إلى ارتكاب الذنوب فقل لنفسك: إنّ الله يراني، فكيف لا أخجل منه سبحانه وتعالى؟ وكفى بذلك رادعاً يحول بين العبد وارتكاب المعاصي.►

تعليقات

  • 2022-02-10

    فؤاد دافس عيسى

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ارسال التعليق

Top