د. طارق عبد الرؤوف عامر/ مدير إدارة جودة التعليم الأزهري
◄توجد بعض الأسس والقواعد التي تقوم عليها التربية الإسلامية للمراهق وهي في الحقيقة مقومات المنهج التربوي في الإسلام:
1- التربية الخلقية:
أنّ التربية الخلقية من المثل السامية للتربية في الإسلام، وهي تعمل على تكوين رجال مهذبين ونساء مهذبات ذوي نفوس أبية وعزيمة صادقة وأخلاق عالية، وعندما امتدح الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).
وقال (ص): "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وروي عنه أنّه قال: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".
والأخلاق يجب أن تكون قد من العلم بل تاجه لأنّ العلم إن لم يصحبه الخلق كان وسيلة هدم وشر.
فلابدّ أذن من شيء آخر بعد العلم والمعرفة اسمه التهذيب والتربية الخلقية فنبغي أن يكون دائماً لوزارة التربية رسالة مزدوجة جامعة بين التربية والتعليم جميعاً.
ولهذا اعدلت كثيراً من الدول اسم وزارة المعارف إلى وزارة التربية لأنّ التربية لها المحل الأوّل من العناية والتعليم وسيلة لا غاية، كما أنّ التربية تتضمن أيضاً العلم والمعرفة.
وقد عنى الإسلام بالتربية الخلقية منذ طفولة الناشيء حتى تكون لديه العادات الحسنة منذ الصغر إذ يشيب المرء على ما يشب عليه.
2- تربية الضمير الديني:
أنّ القرآن الكريم يقف بكلّ شخص من المسلمين أمام ثلاث محاكم أدبية: محكمة الضمير في قلوبنا، ومحكمة الرأي العام من حولنا، ومحكمة السماء من فوقنا.
وفي هذا يقول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105)، وقد هيأنا القرآن الكريم وأعدنا للوقوف أمام هذه المحاكم بأنواع ثلاثة من التربية لوجدناها هي كالتالي:
- تربية الوجدان الخلقي.
- تربية الوجدان الاجتماعي.
- تربية الوجدان الأدبي.
أ) فمن أمثلة تربية الوجدان أو الضمير الخلقي وتهذيب الشعور الأخلاقي.
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات/ 12)، وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء/ 27).
وأيضاً فقد نهى عن التسرع في إطلاق الأحكام على الآخرين قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحجرات/18).
وغير ذلك من الآيات مما يبين أنّ الله تعالى قد حذرنا مقدماً من كلّ عمل قد يترتب عليه تأنيب الضمير كما أمرنا أن نرجع إلى هذا الضمير السليم فقال (ص): "استفتِ قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك".
ب) تربية الوجدان الاجتماعي والشعور بالمسؤولية أمام الناس: كذلك حذرنا القرآن الكريم من أن تصدر في حقنا أحكام من محكمة الرأي العام التي قال الله فيها: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105).
فهذه تصدر أحكاماً أدبية يرفع الله بها أقواماً ويخفض أخرين وحكمها هو حكم الله على الإنسان كما في الحديث: "أنّ الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلاناً فيحبه أهل السماء ثمّ يكتب له القبول والحب بين أهل الأرض وهكذا..
وإذا كنت أيها الإنسان قادراً على إثبات بياض صفحتك وطهارة سمعتك أمام الآخرين فافعل فكما في قصة يوسف (ع)، وفي سنة النبي (ص). كما في حديثه لأصحابه عن صفية حيث قال لمن رآه معها إنها زوجتي صفية.. يبعد عن نفسه أي شبهة، إنّ في ذلك خير شاهد ودليل فلا تدع الظنون تحوم حولك ولو كنت بريئاً ومن أتى موضوع التهم فلا يلومن من أساء به الظن.
ت) تربية الشعور الديني: وهو الذي يؤهل الفرد للنجاة من المسؤولية أمام أكبر محكمة إلهية عليا تضبط الظاهر والباطن وما يقع تحت السمع والبصر ما لا يقع، فهي تحيط بظواهرنا وبواطننا، ولا يخفي عليها شيء من أمرنا وأن بعدنا عن أعين الرقباء وفي الحديث أن تعبد الله كأنك تراه.
3- بناء الشخصية السوية:
ومنهج الإسلام في بناء الشخصية المسلمة يجعلها شخصية سوية متمتعة بكلّ مظاهر وأركان الصحة النفسية.
فالإسلام إذا خالطت بشاشته القلوب، يشيع فيها الطمأنينة والثبات والاتزان الانفعالي والعاطفي والعقلي ويقيها من القلق والخوف والاضطرابات، كما يعني الإسلام بفرش أركان الصحة النفسية في المسلم منذ المراحل الأولى ويوجهه إلى المرونة في مواجهة الواقع والصبر عند البلاء ويحثه على التعاون مع جماعة المسلمين ويحثه على القناعة والرضا والتفاؤل.
4- القناعة وحرية الفكر:
يدعو الإسلام إلى توليد الرغبة والدافع وتحري الإقناع والحلم وسعة الصدر وترك المجاهرة بالتوبيخ لذلك أمر أن تكون بالحسنى والرفق قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125).
كما احترم الإسلام الفكر وأعطاه الحرية في العمل ولكنه أحاطه بضوابط كثيرة لئلا يضل، ومن هنا كانت حرية العقيدة بمعنى عدم الإكراه على الدين بالنسبة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى قال الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256).
5- النهي عن التقليد الأعمى:
يهاجم الإسلام التقليد وينعي على المقلدين في كثير من آيات القرآن ويسخر منهم ويجعلهم كالحيوانات التي لا إرادة لها ولا إدراك قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 170-171).
6- المساواة وتكافؤ الفرص:
ومن أسس التربية الإسلامية المساواة في الحقوق والواجبات قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).
وقال (ص): "لا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى"، وهذه المساواة لا تغفل عوامل الذكاء والاستعدادات والملكات الفطرية واختلاف القدرات العامة والخاصة وأثر ذلك كلّه في النشاط العام وترقية الحياة.
7- العدالة الكاملة المطلقة:
تقوم التربية الإسلامية على الاحترام التام لحقوق الناس وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة/ 8).
ومبدأ العدل يترتب عليه أيضاً ما يسمى في التربية بمبدأ تكافؤ الفرص وهو أن يعطي كلّ فرد من الحقوق ما يتفق مع استعداداته ومواهبه.
8- الدعوة إلى العمل:
انّ القرآن الكريم يدعو إلى العمل الذي يجلب الخبر للناس ويؤدي إلى زيادة وتنمية الحصيلة الإنتاجية للأفراد والجماعات، ولذلك يجب أن توجه العناية إلى تدريب القوى البشرية للإرتفاع بمستوى الحياة من جميع نواحيها قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105)، وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10).
9- الدعوة إلى العلم:
ليست الدعوة إلى العلم مقصورة على العلم الديني فحسب ولكنها تتناول جميع العلوم والمعارف التي تساعد على النهوض بمستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وبذلك فتح الإسلام آفاقاً رحيبة أمام العقل الإنساني ودعاة إلى الفكر والنظر، قال الله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس/ 101).
والآيات والأحاديث في العلم وفضله والحث عليه وفي النظر والفكر والتفكر والمطالبة بالدليل كثيرة.
10-الوسطية والاعتدال:
استمدت التربية الإسلامية روحها من روح الإسلام فكانت تربية وسطاً بين النواحي المادية والروحية والدنيوية والآخروية فهي تدعو إلى الأخذ من كلّ منها بنصيب، قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 77).
11-الرفق والحب:
يوجه الإسلام اتباعه إلى المعاملة بالرفق والحب والبعد عن العنف بكلّ صورة قال رسول الله (ص): "إنّ الرفق لا يكون في شيء إلّا زانه ولا ينزع من شيء إلّا شانه".
وفي سيرة النبيّ (ص) وفي سيرة أصحابه أمثلة رائعة للتربية بالرفق على أساس الحب والمودة.
12- التكيف بالوسع:
يوجه الإسلام إلى أن تكون معاملتنا لمن تربيهم قائمة على سياسة واعية تقدر طبيعة المرحلة التي يمرون بها وما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم فلا تكلفهم فوق ما يطيقون مما يعجزون عن تنفيذه والالتزام بها قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286).►
المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق