أسرة
هذه المحاولة المتواضعة ليست استقصاءً لكل الأمراض النفسية السائدة اليوم، ولا علاجاتها هي كل العلاجات المطروحة، ولكنّنا نحب أن نشدّ الإنتباه دائماً إلى العلاج المحوري والمركزي، الذي هو (الارتباط بالمصدر) بصفته (علاج العلاجات) أو (العلاج الأكبر).
1- الأزمات ← الدّعاء:
إنّنا نُردِّد دائماً بأنّ: "الدعاء سلاح الأنبياء"، أو "الدعاء سلاح المؤمن"، أو "الدعاء مخّ العبادة" و"الدعاء معراج المؤمن".. والله تعالى أكّد هذه المعاني والقيم في قوله سبحانه: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77).
بل ومن أجل أن يحسِّسنا بقيمة هذه القناة المتّصلة بيننا وبينه، يبتلينا أحياناً لنتضرّع إليه، لأنّنا في الغالب أصحاب غفلة، إذا أصبحنا معافين في أبداننا، آمين في سرِّنا. كفانا عيشنا، لا نذكر الله إلا قليلاً، والله تعالى لا يُذكر في أوقات الشدة فقط، بل إن ذكره قريب التشبيه بحبّة الأسبرين، التي ينصح الأطباءُ أبناء الأربعين أو مرضى القلب بتناولها يوميّاً حتى الممات، إنّهم يتعاطونها حتى في غير الإحساس بالأزمة، لكي لا تنتابهم الأزمة، وهذا هو حالنا مع الدعاء والذكر والصلاة، فنحنُ نأخذ وجبتنا الروحية في أثناء السلامة بانتظام، ليكون مفعولها في فترة الإضطراب ملموساً، وهذا ما عناه رسول الله (ص) بقوله: "تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشِّدّة"!
إنّ الذين لا يأخذون الأسبرين بانتظام، ولا يزاولون عباداتهم بانتظام أكثر الناس عرضة للنوبات القلبية والنفسية، فإذا ما ضربتهم أزمة ما تنبهّوا لمخاطر تقصيرهم في عدم المداومة على الدواء.. قارن هذا بقوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام/ 42).
- إشتداد الأزمة.. الهرع إلى الدواء:
والبعض منّا قد ينتظم على تناول الدواء إبّان الأزمة حتى إذا مرّت وانقشع السحاب وارتدينا لباس العافية، عدنا إلى سابق اضطرابنا. وهذا هو مرمى قوله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنعام/ 43).
فلكَ الآن أن تربط هذا الفهم الروحي بالفهم العلاجي من خلال "خير الأعمال ما داوم عليه العبد وإن قلّ".
حبّة أسبرين تقي ابن الأربعين وما بعد الأربعين من النوبات القلبيّة.
وبرنامج عبادي (تضرّع، مناجاة، ذكر، خدمة لعباد الله من الناس)، يُبقي قناة الإتِّصال مفتوحة مع المصدر يقي من نوبات نفسيّة كثيرة.
إنّ من ألطف ألطاف الله علينا، وهي كلّها لطيفة، أنّه لم يجعل للإتِّصال به مواعيد مُسبقة، فقد تشتدّ العلّة ومواعيد الطبيب مزدحمة، وتلحّ الحاجة وصاحب السلطة مشغول بغيرنا، أمّا مع الله فلا (باب) ولا (حجاب) ولا (موعد مُسبق) ولا (أثناء الدوام وخارج الدوام) ولا (تأجيل) إلا إذا كان في التأجيل مصلحة، ولا تقل (إنّ الأمر قد فُرِغَ منه)، فحتّى مع القضاء لا تترك الدعاء، فعن النبي (ص): "الدعاء يردّ القضاء وقد أبرم إبراماً، وختم أصابعه"!!
إنّ الدعاء خطّ مفتوح بينك وبين الله، وقد لا يتطلّب كلمات بليغة ومقدّمات أو طقوساً خاصّة، يكفي أن تُعبِّر عن حاجتك بكامل فقرك، وعن الإحساس التامّ بغناه. ولو شئت أن تعلِّق هذه اللوحة الجميلة في غرفتك فتنفعك ذات يوم وهي: "الدعاء شفاء كلِّ داء"!
هل تترك الطبيب؟
مَن قال ذلك؟!
هل نهجر الدواء؟!
لا، أبداً.
"تذكّر قول الإمام علي (ع) لصاحب البعير الأجرَب، الذي كان يدعو لبعيره بالشفاء، أضف إلى الدعاء شيئاً من القَطِران (أي الدّواء)"!
هذا هو الدواء الأوّل في هذه القائمة.
2- التأثّر والإنفعال والغضب ← الإمساك بالأعصاب:
يُعرِّف (رينيه لوسين) في كتاب (الطِّباع) سرعة التأثر والإنفعال بأنها ملكة في الإنسان، تجعل منه شديد الحساسية إلا أنّ ثمّة بشراً يمكنهم ضبط هذه الملكة والسيطرة عليها، وآخرون لا يستطيعون التحكم فيها، ويصحّ أن نطلق على هؤلاء وصف العاطفيِّين.
ولعلّ تعبير (الملكة) غير دقيق، أو أنّ ترجمتها إلى العربيّة غير دقيقة، فالإنفعال غريزة، والملكات تُستحصل عادة بالجهد والتعلّم والإكتساب.
ولسنا بحاجةٍ للكشف عن عواقب الإنفعال وتصوير صورة الإنفعالي الهائج الغاضب المُنفلت الأعصاب، فهي صورة لكثرة شيوعها لم تعد خافية على أحدٍ (بركان ثائر)، فما يهمّنا من الناحية. النفسية أنّ العصبيِّين هم الذين يواجهون الصدمات النفسية بانتفاضات فورية عنيفة، وعلماء النفس وإن صنّفوا الإنفعاليِّين إلى: عصبيِّين، وعاطفيين، وسريعي الغضب، ومولعين، إلا أنّ القاسم المشترك للجميع هو شدّة الحساسية، أو الحساسية المفرطة.
ويضعون عدداً من العلاجات النافعة كـ(الصمت) و(التأمّل)، (استخدام الحساسية نفسها في الحد من عواقبها) و(الإيحاء الذاتي) في ضبط النفس والسيطرة على نزواتها والتحكّم بغرائزها.
وكما أنّ انفعالك – من وجهة النظر الإسلامية – يمكن أن يوظّف في الطريق الصحيح، فإنّ أطباء الصحة النفسية يؤكِّدون أنك إذا كنت ممن اختصّتهم الطبيعة المزاج شديد الحساسية، وكنت ممّن ينزعون إلى الإفصاح العفوي عن أحاسيسهم وعواطفهم وما تجيش به نفوسهم، فاعلم أن انفعالاتك ناشئة عن مزاج إيجابي يمكن أن يقود خطاك على دروب النجاح إذا عدّلته بما يكبح جماحه.
يرى الدكتور (سولفينو) أنّ العصبي المزاج مؤهّل لأن يشقّ طريقه إلى النجاح، وسبيله أن يعمل على مداواة إحساسه المرهف، مُتّبعاً الإرشادات التالية:
- (التمرّس اليومي في ضبط النفس والتحكم بالغرائز والنزوات):
فعندما تستيقظ صباح كل يوم تمثل في ذهنك ظروف نهارك المحتملة، فإذا تصوّرت هذه الأشياء قبل وقوعها، وأعددتَ لكلٍّ منها الموقف المناسب، مضيتَ إلى عملك وأنت على أتمّ الإستعداد لتلقِّي الصدمات باتزان ورباطة جأش.
هذا التمرين في تصور الحوادث قبل وقوعها، يُكسبك مناعة ضد التسرّع والإندفاع والإنفعالات العفوية.
في المساء، إمتحنْ ذاتك على ضوء الحوادث التي مرّت بك في نهارك، واجتهد في تحسين سلوكك في اليوم التالي.
إنّ عملية الإمساك بالأعصاب لا تأتي في أوّل محاولة، ولا تُترك عند أوّل فشل، إنها مع تكرار المحاولات الضابطة، ستحقق نجاحات ولو نسبيّة، لكنّها مشجِّعة نحو نجاحات أكبر.
- (طالع سِيَر العظماء، وتأمّل قدرتهم على ضبط النفس والتحكّم بالنزوات):
هذه النصيحة تسمعها دائماً، وهي مهمّة جدّاً، لأنّها تجعلك تختزن وتستبطئ صور الضبط النفسي لتستحضرها وتسترجعها في أوقات الحاجة إليها، ولكنّنا هذه المرة نريد أن نُفعِّل هذه النصيحة بإرشادٍ إضافي، هو الآتي:
إنّ العظماء مثلٌ عُليا، أو قدوات صالحة واستبطان مواقفهم واستدعاؤها عند الضرورة، يشيع في النفس الطمأنينة، ولكن هذا وحده ليس كافياً، فلو طرحت على نفسك السؤال التالي:
ماذا كان سيفعل مثلي الأعلى في هذا الموقف؟!
ربّما كان هذا السؤال لحظة الإنفعال صعب الإستحضار، ولكنّنا إذا أخذنا بتمرين تصوّر الحوادث قبل وقوعها، ومارسنا تصوّرنا لردِّ فعل مثلنا الأعلى، نكون أقدر على التوافق مع حالة الضبط والحلم والإمساك بالأعصاب.. فلنُجرِّب.
ألا تتصوّر – مثلاً – أنّ بعض الذين لا يقلّون انفعاليّة عنك ولكنّهم لا يفصحون عن إنفعالاتهم، بل يحتفظون بهدوئهم في أحرج المواقف، قد جرّبوا تمريناً كهذا؟ ألا يعجبكَ أن تحذو حذوهم، فالإرادة حتى تحقِّق هدفها لابدّ لها من تعبير عنها وإلا أصبحت مشلولة.
إنّنا ندعوكَ.. إلى كظم غيظكَ وإلى كبت انفعالاتك ما استطعت، وإذا كان لابدّ من تفجيرها أو تحريرها أو تسطيرها فعلى الورق في شعر أو رسم أو مدوّنة، أو رسالة.. أو تمرين رياضي، و ليس بضرب بريء، أو ضعيف، أو تكسير الأواني الزجاجية وتحطيم الصحون.
هذا هو نوع من التحكّم، أو ما يمكن أن نطلق عليه بـ(تسريب الشحنات)، الذي هو أشبه شيء بالسلك مانع الصواعق، الذي يُبدِّد طاقة الصاعقة ويُشتِّتها ويدفنها في الأرض بدلاً من أن يتركها تُحدث حريقاً هائلاً.
تسريب الشحنات هذا، له في ثقافتنا الإسلامية مصطلح، وهو (تُجرُّع الغيظ). يقول الإمام الصادق (ع):
"ما من جرعةٍ يتجرّعها العبد أحبُّ إلى اللهِ عزّ وجلّ من جرعةِ غيظٍ يتجرّعها عند تردّدها في قلبه، إمّا (بصبرٍ)، وإمّا (بحِلم)"!
فالصبر والحلم اسفنجتان كبيرتان لامتصاص شحنات الغضب. وبحسب نظريّة تحويل القوى الفيزياويّة، هذه الطاقة غير المتفجِّرة يمكن أن تتحوّل لرفد طاقات ذهنية ونفسيّة أخرى.
3- الخوف ← ثلاثة أرباعه وهم:
سبقَ أن ناقشنا أنّ فكرة الخوف شيطانيّة في الأساس (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) (آل عمران/ 175)، وأنّ شدّة توقِّي الأمر الذي تخافه أو تتهيّب منه أعظم مما تخاف منه.
ويضيف أطبّاء الصحة النفسية بعض المؤكّدات لما سبق وأكّدناه، فيقولون: لكي نشفى من الخوف، يجب أن نفصله ذهنياً من فكرة إرتباطه بالقلق.. إنّ القلق هو الذي يقتل، والقلق مخيّلة، والمخيّلة يمكن أن تخضع للمراقبة الدقيقة والتهذيب العملي، وعليك أن تعلم أنّ أكثر من ثلاثة أرباع الخوف لا يتحقّق مُطلقاً، وليس ذلك سوى فعالية ذهنية مُبعثرة، بدليل أن ليس كل الأفراد لديهم نفس المخاوف من الأشياء التي تبدو مخيفة.
وتأكيداً لما ذهبنا، يُقال لك طبِّيّاً أيضاً: لا تحاول الهرب من الأشياء التي تخافها، بل عليك مجابهتها، فإنّ قيامك بالشيء الذي يخيفك، يهدم الخوف نفسَه!!
وثمّة بشارة طبية نفسية أيضاً: "إذا شفيت من الخوف – وإمكانية شفاؤها ميسورة مُتاحة وبيدك لا بيد غيرك – فإنّك سوف تُحدث إصلاحات جذريّة في صفاتك كلّها!!
ومع ارتباطك بالمصدر الحامي، المحبّ، والمنقذ، والقادر القوي، والكافي.. لا يبدو هناك من سبب وجيه أو مقنع للخوف.
الدِّين وعلم النفس متّفقان على أنّ العلاج ينطلق منك، فالدين لا يستطيع أن يطرد الخوف من نفسك إذا لم تكن مستعدّاً لذلك، والطب النفسي لا يستطيع معالجتك وشفاءك، إذا لم يكن لديك إمكانية عدول عن مخاوفك.
إنّ قصّة الذي كان يرى نفسه حبّة حنطة، ويخاف أن تأكله الدجاجة، قد تبدو غير واقعية في عالم الأسوياء الأصحّاء ولكنّها قد تكون موجودة في أوساط المصابين بلوثات عقليّة، وعلى أيّة حال فهي مُعبِّرة عن هذه الحالة، فبعد أن استطاع الطبيب النفسي إقناعه أنّه ليس بحبة حنطة وأنّه بشر، وأنّ الدجاجة لا تستطيع أن تأكل بشراً بهذا الحجم، بل البشر هو الذي يأكل الدجاج، واقتنع أخيراً، لكنه فاجأ الطبيب المُعالج بسؤال: دكتور أنا مُقتنع الآن بأنِّ لستً بجبّة.. لكن مَن يُقنع الدجاجة بذلك؟!
إنّ خوفاً كهذا لا يمكن طرده ما لم تتغيّر الذهنيّة، والنظرة للأمور والأشياء.
فما الخوف إلا ما تخوّفه الفتى **** وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا!
4- التشاؤم ← عليك بالتفاؤل الجادّ:
يُعرّف التشاؤم بأنّه نزعة إعتباريّة في الذِّهن إلى رؤية كل شيء أسوداً قاتماً، وأخذ الجانب السيئ من كل شيء، وإهمال ما عداه. وإنّ المتشائم لا يستقي من الحياة غير المرارة، ولا يراها إلا بنظارات قاتمة تعتِّم الرؤية حتى على المنير والمضيء والمشعّ، حتى أنّ التشاؤم ينزع بصاحبه إلى استلذاذ الكآبة، أو التلذّذ بالألم، وهو تلذّذ – كما يصفه أطباء الصحة النفسية – قذر غير صحي، إنّه على عكس ما يتصوّر صاحبه ليس ضحيّة الحظّ العاثر والدّسائس والمؤامرات، بل ضحية طبعه المريض، الذي يرتع في البغض الذي هو بدوره وليد الكآبة والمغالاة في الحساسية.
يقول المعالج للمُتشائم:
أن تكون مُتفائلاً، ذلك واجب مفروضٌ عليك أن تؤدِّيه نحو نفسك، فلا أحد يؤدِّيه بالنيابة عنك لتحيا حياتك بعُمق وحرارة، وإذا أهملته قتلت نفساً، هي نفسك.
والصحة النفسية لا تدعو إلى التفاؤل الأبله، لأنّه لا فرق بين متشائم لا يرى غير الأسود من ألوان الوجود، ومتفائل لا يرى غير الأبيض، فكلاهما – في نظرها – أعور ولا فرق في العَوَر إن كان في العين اليمنى أو اليسرى.
إنّها تدعو إلى (التفاؤل الجادّ)، المنقذ الذي يخلِّصك من الأفكار السوداء ويوجِّهك نحو العمل الإيجابي المُثمر، بعدما تزن كل شيء بدقة، وتحكم عليه بعدل واعتدال، وتُصلح نظرتك للأمور.
يوصف المُتفائل – عند أهل الصحة النفسية – بأنّه يحتفظ في حالة الصحو في نفسيّته، وأنّه مبتسم حتى في حالات الخيبة والفشل، لا لأنّهما يدعوان للإبتسام، فليس ذلك من عادتهما، بل لأنّه ينظر إلى الجانب الآخر منهما فيراه صحواً، ويقارن بين ما كان وما يمكن أن يكون، وبين الأشدّ سوءاً والأقلّ سوءاً، وعينه أوّل ما تقع على (الأسنان البيضاء).
ويقول المعالج الديني للمُتشائم: "تفائل بالخير تنجح".. ولا ترم بذنبك على ما لا ذنب له! يقول النبي (ص): "تفاءلوا بالخير تجدوه". في لفتة نفسية علاجية عملية رائعة وهي أنّ أحلامك قابلة للتحقيق، وذلك ما يلتفت إليه الطب النفسي الكلينيكي اليوم أيضاً من أنّ كل شيء هو ما تنظر إليه لا ما هو في الخارج.
الشاعر البنغالي (طاغور) يقول في إحدى قصائده:
"لقد نمتُ وحملتُ بأنّ الحياة (بهجة)
وصحوتُ، ورأيتُ أنّ الحياة (خِدمة)
فنظرتُ إلى (الخدمة) على أنّها (بهجة)"!!
وإذا أردنا تحليل هذا الشعر، فإنّ (حلم البهجة) أمر لاإرادي لأنّه حصل في النوم، وان مفهوم (الحياة خدمة) رؤية عقلية (فكرة) أو (مشروع). وأنّ معادلة (الخدمة = بهجة) تحويل الحلم إلى حقيقة.
وإذا قُدِّر لي أن أكون متفائلاً، وقد اتّخذت قراراً بذلك، فإنّني يمكن أن أُنتج أو أولِّد الكثير من الصور المتفائلة على الطريقة الطاغورية؛ فمثلاً:
حلمتُ بأن الجنّة (بهجة)
صحوتُ رأيتُ أنّ الجنة (العمل بما ينفع الناس ويحقِّق محبّتهم)
فنظرت، إلى (العمل الصالح) بأنّه (جنّة).
حلمتُ بأنّ (العطاء) (بهجة)
صحوتُ رأيت أنّ العطاء هو (الإحسان إلى الآخرين)
نظرتُ إلى (الإحسان) على أنّه (بهجة).
أرأيت كيف إذا تفاءلت بالخير تجده؟!
إنّك بهذه الطريقة يمكن أن تحيل عالمك الداخلي إلى مملكة بهجة!
5- الإحساس بالذنب ← تستّرْ (أو استتر) ما استطعت:
للطبّ النفسي تفسيره المختلف لمرض الإحساس بالذنب عن التفسير الديني له وتبعاً لذلك يتباين العلاج.
فالإحساس بالذنب – عند المصحّات النفسية – يسبق أغلب الأمراض النفسية، فهو السبب الدفين للخجل، وضعف الثقة بالنفس، وازدرائها، والشكّ، والتوجّس، وتجسيم التوافه، والشعور بحقارة النفس، والنقص، والاكتئاب والمخاوف بعينها.
إنّ الأطباء النفسانيين يربطون بين العيب في العُرف الإجتماعي وبين أخطاء الطفولة التي تسبق التكليف الشرعي، بين ما ينبع عنها من إحساس بالخجل، أو العار، أو الذنب، والمقارنة بين الإنسان المريض وغيره، بل والإحساس بالنقص أيضاً.
إنّهم هنا لا يتحدّثون عن (الذنب الديني) إذا صحّت تسميته كذلك، بل عن الإحساس الواعي بالنقص أو العار أو الخجل، وقد يخلطون بين هذا وبين الإحساس بالذنب، بسبب الإبتعاد عن تعاليم الدين.
وينصحون كعلاج بأن تكفّ عن عقاب نفسك، وأن تدع الناس يعرفونك على حقيقتك. أمّا النصيحة التي يوجِّهها إليك المعالج النفسي الإسلامي فغير ذلك، إنّه يقول لك: إذا ابتليت بالمعاصي فاستتر. فثمّة فرق بين مَن يفسق ويكتم فسقه، وبين مَن يفسق ويُجاهر بفسقه، إنّ الأوّل غلبته شهوة المعصية فعصى لكنّه خجلٌ مما قد اقترف، وهذا – بحدّ ذاته شيء حسن –. أمّا الآخر، فيرتكب ذنبين: ذنب المعصية ذاتها، وذنب إفشائها والتحدّث عنها، وربّما المباهاة بها، والمُشرِّع الإسلامي – كمربِّي ومعالج – حريص على سمعتك، لا يريد أن يفضحك ولا يريد لك أن تفضح نفسك، ولذلك كان الذي يفطر في شهر الصيام من غير أن يعلم به أحد، حسابُه على الله كونه عاصياً، أمّا المتجاهر بالإفطار الذي يتناول الطعام أمام المسلمين الصائمين علناً، فله عقابه من قبل سلطات الدولة المسلمة، فضلاً عن حساب الله له.
غير أنّ هذا لا يعني أن نعالج ذنوبناً ومعاصينا دائماً بهذه الطريقة، فالأولى والأجدر والأفضل أن لا نرتكب المعصية مُطلقاً أو أبداً، ولذلك لو اعدت النظر في مرمى الحديث الشريف: "إذا ابتليتم بالمعاصي، فاستتروا"، رأينا أنّ منطقه هو منطق العلاج لا منطق التشجيع على المعاصي، ذلك أنّ المربي أو المعالج الإسلامي لا يريد لك أن تسقط على جميع المستويات، فإذا سقطت في (إمتحان المعاصي) فلا تسقط في (إمتحان الحياء)، وإذا تجاهرت بفسقك، وأفشيت معاصيك، وبما تُقرّر أن تتوب فيتوب الله عليك، إلا أن نظرة الناس عنك قد يصعب تغييرها حتى بعد أن تتغيّر، فكن على حذرٍ واحسب حساب الغد، واجتهد أن لا ترتكب المعصية ما استطعت، فإذا ابتليت بها فاستتر فهو أخف بكثير من إعلانها والتشهير بها أو المباهاة بها.
6- الوساوس ← أفضل طريق أن لا تعتني بها:
الوساوس القهرية من قبيل أن يحسّ المرء أنّ أفكاراً معيّنة مفروضة على ذهنه فرضاً فيتمثل لإرادتها وإن أدرك سخفها، وقد يقاومها، فإذا قاومها شعر بالضيق وافتقد الراحة النفسية، كالذهاب إلى الباب عدّة مرات للتأكّد من أنّه مُغلق، وإدارة موقد الغاز مراراً للتأكّد من أنّه مقفل أو التردد على مطفأة السجائر للتأكّد من أنّ السيجارة مُطفأة، أو الإحساس بالرغبة في التفتيش تحت السرير أكثر من مرّة حتى إذا لم يكن هناك شيء، والأمثلة كثيرة.
في المصحّات النفسية يطرح العلاج التالي: إنصرف عن وساوسك ذهنيّاً، أطرد الخواطر المزعجة من ذهنك عن طريق تحويل ذهنك إلى فكرة أخرى أجدى وانفع، كلّما هاجمتك الفكرة المتسلِّطة، ولا يلبث أن يأتي الوقت الذي تزول هذه العادات تماماً.
في المشفى الإسلامي، القاعدة ذاتها، ففي الفقه الإسلامي معالجة صريحة للوسواس القهري الذي يصطلح عليه بـ(كثرة الشك)، وهي أنّ كثير الشك لا يعتني بشكِّه، أي أنّ عليه أن يُسلِّم بصحّة عمله ويمضي، ولا يرتِّب عليه أثراً، سواء كان شكّه المتكرِّر في وضوئه أو صلاته، أو عباداته الأخرى.
الحقيقة أنّ الوسواس أمرٌ شيطاني ناتج عن الوسوسة في أنّ عملك باطل. وقد يخرج وقت الصلاة وأنت لم تحرز الوضوء التام أو الغسل الشرعي أو الصلاة الصحيحة، وعندها يخرج الشيطان مُصفِّقاً بانتصاره عليك!
روِّض نفسك أيضاً أن توسوس لك في الإيجابي بانه تتصدّق أكثر أو تحسّن إلى الناس أكثر حتى تحرز رضى الله أكثر.
7- الأنانيّة ← الإيثار والربحيّة:
من أعراض الأنانيّة – كما تشخِّصها الدراسات النفسية – هي: الجشع، الطمع، المادية، والإفراط في العداء، والرغبة في الأخذ دون العطاء، وقليل من الإنتاج مع توقّع الكثير من الجزاء.
ارسال التعليق