أهلاً بشهر رمضان، شهر ربيع القرآن، شهر الخير والبركة والرحمة والغفران.. شهر يطلّ علينا بأنواره السنيّة مرّة كلّ عام.. وها قد طلّ علينا هذا العام.. ونحن ننتظره بكلّ شوق ولهفة، لأنّه أفضل زائر في مقدمه وترحاله، جئتنا ضيفاً عزيزاً.. والمؤمنون ينتظرون مَقدمك فرحين مستبشرين لأنّك ليس كباقي الضيوف.. تحلّ على المؤمنين بالرحمة والبركة والعافية.. وتغادرهم بغفران الذنوب واستجابة الدُّعاء والعتق من النار. أهلاً بمقدمك.. فلنا أمل في الرحمات التي جئت بها. هو شهر الله الذي بارك لنا فيه، وخصّه تعالى بكثير من الفضل والبركة، ودعانا فيه إلى الإقبال عليه والتقرُّب منه بقلوب سليمة، ونفوس محبّة ودودة رحيمة.
أهلاً بالشهر الكريم الذي يحمل في أعداله بشائر الرحمة والبركات، ونسائم العفو والغفران، والعبادة والإيمان، ووعد العتق من النيران... أهلاً بشهر الصدقات والعطاءات والبرِّ والإحسان، شهر الصلاة والدُّعاء وتلاوة القرآن. ولأنّه الشهر الذي يحمل كلّ هذه الأبعاد، فإنّ علينا أن نكون على قدر مقامه ومكانته، فنتحضّر له بالاستعداد الروحي، والعقلي والعملي، والاستعداد العبادي والقرآني للدخول في شهر رمضان دخولاً واعياً منفتحاً على الله، ومنفتحاً على التوبة من كلِّ الذنوب، ومنفتحاً أيضاً على عمل الخير.
ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة شهيرة توضح مدى فضل هذا الشهر، جاء فيها: «أيُّها الناسُ! إنّه قد أقبَلَ إليكم شهرُ اللهِ بالبركةِ والرحمةِ والمغفرةِ. شهرٌ هو عندَ اللهِ أفضلُ الشهُورِ، وأيّامُهُ أفضلُ الأيّامِ، ولياليهِ أفضلُ الليالي، وساعاتُهُ أفضلُ الساعاتِ. هو شهرٌ دُعِيتُم فيه إلى ضيافةِ اللهِ، وجُعِلتُم فيه من أهلِ كرامةِ اللهِ. أنفاسُكم فيه تسبيحٌ، ونومُكم فيه عبادةٌ، وعملُكم فيه مَقبُولٌ، ودُعاؤُكم فيه مُستَجابٌ، فَاسألوا اللهَ ربَّكم بِنِيَّاتٍ صادقةٍ، وقُلُوبٍ طاهرةٍ، أن يُوفِّقَكم لصيامِهِ، وتِلاوةِ كتابِهِ، فإنّ الشقيَّ مَن حُرِمَ غفرانَ اللهِ في هذا الشهرِ العظيمِ. واذكُرُوا بِجُوعِكم وعَطَشِكم فيه، جُوعَ يومِ القيامةِ وعَطشَه. وتَصدَّقوا على فُقرائِكم ومساكينِكم، ووَقِّرُوا كبارَكم، وارحموا صِغارَكم، وصِلُوا أرحَامَكم، واحفَظوا ألسِنتَكم، وغُضُّوا عمَّا لا يَحِلُّ النظرُ إليهِ أبصارَكم، وعمَّا لا يَحِلُّ الاستِماعُ إليهِ أسماعَكم. وتَحَنّنُوا على أيتامِ الناسِ يُتَحَنّن على أيتامِكم، وتُوبُوا إلى اللهِ من ذُنُوبِكم، وارفَعُوا إليه أيدِيَكم بالدُّعاءِ في أوقاتِ صلاتِكم، فإنّها أفضلُ الساعاتِ، ينظرُ اللهُ عزّوجلّ فيها بالرحمةِ إلى عبادِهِ، يُجِيبُهم إذا ناجَوهُ، ويُلَبِّيهم إذا نادَوهُ، ويُعطِيهم إذا سألوهُ، ويَستَجيبُ لهم إذا دَعَوهُ. أيُّها الناسُ! إنّ أنفُسَكم مرهونةٌ بأعمالِكم، فَفُكّوها باستِغفارِكم، وظُهُورَكم ثقيلةٌ من أوزارِكم، فخفِّفُوا عنها بطولِ سُجُودِكم. واعلموا أنّ اللهَ أقسمَ بعزّتِهِ أن لا يُعَذِّبَ المُصلِّين والساجدين، وأن لا يُرَوِّعَهم بالنارِ يومَ يقومُ الناسُ لِربِّ العالمين.
أيُّها الناسُ! مَن فَطَّرَ منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهرِ، كان له بذلك عندَ اللهِ عِتقُ نَسَمةٍ، ومَغفِرَةٌ لما مَضى من ذُنُوبِهِ. قِيلَ: يا رسولَ اللهِ! فليسَ كُلُّنا يَقدِرُ على ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اتّقُوا النارَ ولو بِشِقِّ تَمرةٍ، اتّقُوا النارَ ولو بِشَربةٍ من ماءٍ. أيُّها الناسُ! مَن حَسَّنَ منكم في هذا الشهرِ خُلُقهُ، كان له جَوازاً على الصِّراطِ يومَ تَزِلُّ فيه الأقدامُ، ومَن خَفَّفَ في هذا الشهرِ عمّا مَلَكت يَمينُهُ، خَفَّفَ اللهُ عليه حِسابهُ، ومَن كَفَّ فيه شرَّهُ، كَفَّ اللهُ عنه غضبَهُ يومَ يَلقاهُ، ومَن أكرمَ فيه يتيماً، أكرمَهُ اللهُ يومَ يَلقاهُ، ومَن وَصَلَ فيه رَحِمَهُ، وَصَلَهُ اللهُ برحمتِهِ يومَ يَلقاهُ، ومَن قَطَعَ فيه رَحِمَهُ، قَطَعَ اللهُ عنه رَحمَتَهُ يومَ يَلقاهُ، ومَن تَطوَّعَ فيه بصلاةٍ، كَتَبَ اللهُ له براءةً من النارِ، ومَن أدَّى فيه فَرضاً، كان له ثوابُ مَن أدَّى سبعين فريضةً فِيما سِواهُ من الشهُورِ، ومَن أكثرَ فيه من الصلاةِ عليَّ، ثَقّلَ اللهُ ميزانَهُ يومَ تَخِفُّ الموازِينُ، ومَن تَلا فيه آيةً من القرآنِ، كان له مِثْلُ أَجرِ مَن خَتَمَ القرآنَ في غيرِهِ من الشهُورِ».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق