حسين يزدي/ ترجمة: عبدالرحمن العلوي
◄تعد الحرّية الفكرية والعقائدية أحد أنواع الحرّيات الاجتماعية. فالإنسان لابدّ له أن يكون حراً في كافة شؤونه الحياتية، وأن لا يقف أي سد أو عائق في وجه تقدمه وحركته. فالحرّية الفكرية من أكثر المواهب قدسية عند الإنسان والتي يحتاج إليها حاجة ماسة، فالفكر هو من أهم عناصر الإنسان التي لابدّ من تربيتها، ولابدّ من وجود الحرّية الفكرية عند الإنسان لأنّ التربية الفكرية بحاجة إلى حرّية، أي إلى عدم وجود عوائق ومعرقلات تعرقل التفكير. وتُطرح اليوم في عالمنا المعاصر قضية بالغة الأهمية باسم "حرّية العقيدة"، لا سيّما بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد جاء في مقدمة هذا الإعلان: "نعلن عن ظهور عالم الناس فيه أحرار في التعبير عن عقائدهم ولا مجال فيه للخوف والفقر، وهو ما يمثل أسمى الأهداف البشرية". والعقيدة هنا عامة بما فيها العقيدة الاجتماعية، والسياسية، والدينية. هذا يعني أنّ المطمح الإنساني الكبير هو ظهور عالم حر يُتاح فيه لكلّ أحد التعبير عن عقيدته ورأيه بحرّية، ولكلّ أحد الحقّ في انتخاب العقيدة التي تروق له، والتعبير عنها بحرّية، ولابدّ في عالم كهذا أن يزول الخوف، والفقر، ويستتب الأمن بشكل كامل، ويعم الرخاء الاقتصادي. وهذا هو العالم الذي أُعلن عنه كهدف إنساني. وجاء في المادة (19) من ذلك الإعلان: "لابدّ لكلّ أحد من التمتع بحقّ حرية العقيدة والبيان، ويشمل هذا الحقّ عدم شعوره بالخوف والاضطراب لما لديه من عقائد. وأن يكون حراً في اكتساب المعلومات والأفكار ونشرها بكافة الوسائل الممكنة وبدون أيّة اعتبارات حدودية".
ونريد أن ندرس هذه القضية من وجهة النظر الإسلامية ونرى هل يقر الإسلام حرّية الفكر والعقيدة، أي هل أنّ الإسلام يتبنى هذه الحرية أم لا يتبناها؟ ولابدّ لنا على هذا الصعيد أن نفرّق بين الفكر وبين ما يُسمى اليوم غالباً بالعقيدة. فهناك تفاوت بين الفكر والتفكير وبين العقيدة. فالفكر قوة لدى الإنسان ناشئة عن التعقل.
الحرّية الفكرية نابعة عن الموهبة الإنسانية التي تتيح له التفكير في القضايا، ولابدّ أن تكون هذه الموهبة حرة باستمرار لأنّ التطوُّر والتكامل الإنساني رهين بها.
فالفكر منطق، والإنسان لديه قوة باسم قوة التفكير، وبإمكانه أن يحسب ويختار في القضايا على أساس الفكر والمنطق والاستدلال.
وبما أنّ الإنسان موجود عاقل ومفكِّر، لهذا يتميز بالقابلية على التفكير في القضايا، مما يتيح له اكتشاف الحقائق إلى حد ما وبما تسمح له به طاقاته، مهما كان نوع ذلك التفكير، سواء كان تفكيراً استدلالياً واستنتاجياً وعقلياً أو تفكيراً تجريبياً. فالله قد وهب الإنسان مثل هذه القوة، ومنحه العقل كي يفكر به ويكتشف المجهولات، لأنّه يرد على هذا العالم جاهلاً: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) (النحل/ 78).
فالإنسان يطلّ جاهلاً على الدنيا ولابدّ له أن يعلم. فكيف يعلم؟ يجب أن يعلم عن طريق التفكير والدراسة، والتفكير هو أن يفكر الإنسان في كلّ قضية بما لديه من استعداد وموهبة ويصل إلى النتيجة عن طريق علمي، وهل بإمكان الإسلام أو أية قوة أخرى أن تقول بأنّ الإنسان لا حقّ له في التفكير؟ كلا، فالتفكير عمل ضروري لا غنى عنه، ولابدّ للبشرية منه. والإسلام ليس قد منح حرّية التفكير فحسب وإنما عدّها كإحدى الواجبات، وإحدى العبادات. وقلما ندرك أهمية تأكيد القرآن على التفكير لأنّنا نقتصر مطالعتنا عليه ولا نطالع كُتباً أخرى. فأنتم لن تجدوا كتاباً آخر غير القرآن – سواء كان دينياً أو غير ديني – يؤكد كلّ هذا التأكيد على التفكير ويدعو الإنسان إليه إلى هذا الحد. إنّه يحث على التفكير وباستمرار وفي كافة المجالات: في التاريخ، والخلقة، والخالق، والأنبياء، والنبوة، والمعاد، وتعاليم الأنبياء. وهو يحفل بالحث على التفكير في مثل هذه القضايا. وقد عد الإسلام التفكير عبادة. وهناك العديد من الأحاديث التي تدور حول هذا المضمون: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"، و"تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة" و"تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة". وهذا التغيير في التعابير وكما ذهب إلى ذلك الكثير من العلماء يعود إلى الاختلاف في نوع التفكير وموضوعه. فهناك تفكير يقود الإنسان لما يعادل عاماً من العبادة، وهناك تفكير آخر يقوده لما يعادل ستين عاماً من العبادة وآخر لما يعادل سبعين عاماً. وقد ورد في الأحاديث: "كان أكثر عبادة أبي ذر، التفكُّر". فأبو ذر الذي يلي سلمان أو يقف معه في مستوى إيماني واحد – ويمكن القول بأنّه لم يأتِ أحد نظيراً لهما في الإيمان بعد المعصومين – كان كثير العبادة لله، إلّا أنّ التفكر كان أكبر عبادته.
المصدر: كتاب الحرّية عند الشهيد المطهري
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق