عصام فضل الله
◄إنّ دراسة نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1973 لـ"فرانك وتريز كابلن" في عنوان اللعب وأهمّيته عند الأطفال.
- نحن مقتنعون أن للعب أهمّية قصوى وجدية فهو الكيفية التي يحيا بها الطفل منذ شهوره الأولى وحتى سن الثامنة، إنّه يلعب منذ الصباح وحتى المساء عندما يحين موعد نومه، إنّها الطريقة الطبيعية التي يستعمل فيها مهاراته وطاقاته الطبيعية فينمّيها ويتعلّم بواسطتها أشياء كثيرة. إنّ اللعب يساعد على النمو الطبيعي ويساهم في تطوّره، فالطفل بحاجة لمزيد من الوقت ليأخذ مكاناً في ثقافة الحياة، ومع الوقت يكتسب مبادئ المسؤولية والمراقبة ومنها إلى بعض العادات المفيدة، لذلك يجب أن يكون المجتمع سخيّاً مع الطفل فيؤمنّ له الملاعب المناسبة لكي يكتشف ويقلّد ويتعاون، ليجد نفسه بين الآخرين ويختبر على الطبيعة كلّ ما يفكّر فيه.
- عندما يلعب الولد يتحرّر من كلّ الحالات المغلقة التي يعيشها، فاللعب يبعد القلق ويجعل الولد يفكّر دائماً بإحراز تقدّم وربح وهذا ما يساعد على تكوين الشخصيّة.
إنّ الولد يتعلم أشياء كثيرة خلال السنوات الثماني الأولى من العمر هذه الفترة يكون لها تأثير كبير على شخصيته ويقول الباحثون أن هذا التدرج في الفهم يقلّ بنسبة ملحوظة بعد سنّ الثامنة ويتساءل علماء التربية، هل أنّ هذه هي سنّة الطبيعة أم أنها مرتبطة بما تقدّمه المؤسّسات التعليمية؟ ويجيبون على ذلك بالتركيز على الأمر الثاني.
إنّ إهتمامات الولد في هذه المرحلة هي اللّعب، فنحن إن طلبنا منه ذلك أو لم نطلب فهذا جوّه، يريد أن يلعب يحبّ أن يتعلّم أشياء جديدة والأهمّ أن يتسلّى ليقضي ساعاته وأيامه بالشيء المفيد له، لذلك كلّما مارس لعبة أو هوايةً يحبّها كلما كان الحافز عنده أقوى وأشدّ، وهكذا تتكوّن عنده بواسطة هذه الاختبارات الشخصيّة الثقة بنفسه وبقدراته.
يفضّل الأولاد اللّعب بالطريقة التي تناسبهم فالشعور عندهم أن يختاروا وأن يقيّموا ما يختارون فهم يحاولون دائماً أن يختاروا الألعاب التي من الممكن أن ينجحوا فيها أكثر وفي هذه الحالة ما على المتابعين للولد من أهل وغيرهم إلا بتشجيع الولد لا تقريعه وتأنيبه إذا حصلت بعض الأخطاء، فإذا رسم الولد عصفوراً من الأفضل أن نقول له "كم هو جميل هذا الرسم" لا أن نقول له "إسمع ما هكذا يُرسم العصفور" إنّ الفرق كبير بين الطريقتين ولكلّ منها أثره الإيجابي أو السلبي على شخصية الولد.
- إن مخيّلة الولد ليست ناضجة بالشكل الكافي ليعبّر بشكل واضح عن أفكاره، لذلك يجب أن يجرّب ويبحث ليصل إلى ما يريد، وكلّما حاول واستعمل إمكاناته الطبيعية كلّما أغنى فكره وتوضّحت عنده الأمور.
- إنّ الولد في سني طفولته الأولى يحب أن يلامس الأشياء ويحسّ بها لكي يكتشف إلى أي مدى تثيره ويسرّ بها. وقد تساعده الصدفة أحياناً على اكتشاف أمور لم تكن تخطر بباله. إنّ الولد يحاول إستعمال مخيّلته بشكل مطلق فهو يتصوّر الأشياء ويطبّقها حسب تصوّره وقد تكون أحياناً مشوبةً بالخيال أكثر منها بالواقعيّة. يحبّ أحياناً أن يتشارك بالرّأي مع آخرين لمناقشة أمر ما وغالباً يحبّ أن يقرّر ما يريد بنفسه، وما هذه المحاولات كلها إلا ليستوعب العالم المحيط به ليدعم ويقوّي عبرها الثقة بنفسه.
- إنّ الولد الطبيعي قد يمارس اللعب لساعات، ونلاحظه منسجماً إلى أبعد الحدود مع ما يعمله، يبذل جهده، ولا تستطيع أن تجبره أن يفعل ما لا يريد لأنّه كلّما كانت الأمور نابعة من داخله كلّما زاد عنده التركيز الذي هو أساس كل تدرّج في النموّ الطبيعي.
- في البيت يكون الولد هو صاحب القرار بالنسبة للعبة والطريقة التي يلعب فيها، فالأمور تخصّه وحده لا يوجد من يزاحمه أو يراقبه ويعطيه التعليمات لأنّ الأهل ينشغلون أحياناً عنه ويتركون له حريّة التصرّف. أمّا في المدرسة فيلعب مع رفاق له وقد يحصل بينهم خلاف وعدم توافق بالرّأي لذلك لابدّ من التقيّد ببعض التعليمات المحدّدة التي تقلّل من النّزاع بين الرّفاق، وهنا تلعب المربّية أو المشرفة التربوية دوراً مهمّاً في توجيه الأولاد الذين ليس عندهم خيار إلا الطاعة. لذلك يجب أن يكون هذا التدخّل حسّاساً جدّاً ولا يجرح مشاعر الولد حتى يعطي النتيجة المرجوّة.
- كل الأولاد ولدوا وعندهم الرغبة بالتأثير فيما حولهم، وكلّ ما يملكونه من ألعاب وما يمارسونه من نشاطات ما هو إلا لإرضاء رغباتهم الطبيعية، لأنّها تعطيهم الشعور بقيمتهم الشخصية.
- إنّ اللعب مع الآخرين يساعد الولد على تحسين لغته، فكلّما إحّتك أكثر بالآخرين وكلّما لمس وشاهد بأمّ عينه ألعاباً وعاش أحداثاً كلّما توسّعت مداركه وأجاد التعبير عنها.
- إنّ اللعب يخلق علاقات شخصيّة مهمّة مع الآخرين، ومن هنا يبدأ الولد يتعلّم كيف يعيش حياة الجماعة، فهو ينتقل من الحياة الفرديّة المحدودة التي يعيشها في عائلته إلى حياة أوسع وأشمل. إنّه المجتمع الأوسع والأكثر تأثيراً، فهو يوطّد صلاته مع الآخرين ويتعلّم كيف يحترمهم وكيف يحترم قوانين العلاقة التي تجعل الآخرين يحبونه ويحترمونه.
- يجب الإفساح بالمجال للولد لكي يعبّر عن نفسه، وما علينا إلّا تشجيعه على ذلك فنعطيه دوراً معيّناً في تمثيلية يشارك فيها أكثر من ولد ونساعده على إتقان الدور ونترك له الطريقة التي يعبّر فيها عن المطلوب.
- إنّ الولد وحتى سن الثامنة عنده طاقة لا تعرف الحدود، لذلك يجب أن يؤمن له ما يلزم من ألعاب وغيرها ليستغلّ هذه الطاقة. فالرّكض، القفز، شدّ الحبل، الوقوف لوقت قصير مع التركيز بالنظر إلى البعيد دون حركة، رمي الطابة، لعبة التنس، ركل الطابة، ويجب أن نختار لكلّ سن ما يناسبه من هذه الألعاب والحركات.
- إنّ اللعب يساعد الولد على التخلص من الروتين كما الكبار وكذلك يساعد على زيادة الثقة بالنفس والتخلّص من القلق الذي يأتي عند الطفل من الفراغ، ويساعده على الشفاء من بعض الحالات النفسيّة المؤلمة التي تعترضه ويقول أحد التربويين (إدوارد نوربك) إذا لم يمارس الأولاد هواية اللعب لا يمكن لهم أن يتطوّروا.
- يؤكد كثير من العلماء والباحثين أن سنّ الثامنة هي نهاية المرحلة التي يعيشها الولد في ذروة حيويّته ويعتبرون أن شخصية الولد وقدراته مع الحوافز المدرسيّة قد تشكّلت بنسبة 80% وإنّ السنوات التالية تساعد على توسيع التجربة التي بدأت وقد لا تؤثّر فيها كثيراً. وبالمختصر تعتبر هذه السنوات هي الأهمّ بالنسبة للنموّ العقلي وإتّقاد نسبة الذكاء كلٌّ بحسب ما وهبته الطبيعية.
- ما هو دور الأهل والمرشدين التربويّين فيما يخصّ الألعاب التي تنشّط مخيّلة الولد: إنّ للأهل دوراً مهماً في تشجيع الألعاب التي تلعب دوراً مهماً في هذا المجال. فعندما يبني الولد بيتاً بواسطة المكعّبات، أو عندما يستعمل أوراق الكرتون ليعمل منها أشكالاً مختلفة، كما أنّ إصطحاب الأولاد إلى شاطئ النهر أو البحر، الذهاب في رحلة إلى الغابة، رحلة مدرسيّة في الأتوبوس أو القطار، زيارة مركز البريد أو مؤسّسة بنكيّة، الذهاب لزيارة الإسكافي، زيارة فرن، طلب مقابلة مع رجل إطفاء أو رجل بوليس، كل هذه الأعمال تنعش مخيّلة الولد وتعطيه تجربة ذات قيمة كبيرة.►
المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكّرة إلى سن الرشد
ارسال التعليق