أسرة البلاغ
قل لي ماذا أخترت، أقل لك من أنت.
دقيق جداً هو القول بأن أختيارك يمثل قطعة من عقلك، لأن المفترض بالمختار أن يكون قد أعمل عقله في عملية الإختيار، وإلا كيف رجح شيئاً على آخر، أو شخصاً على شخص أو موقفاً على ثانٍ؟!
نحن لا نتحدث هنا عن الإختيار الذوقي المزاجي أو الإنتقائي المتعجل والمتسرع وغير الناضج، بل عن سلسلة الاختيارات المطروحة والمعروضة على الشخص (المختار)، وهو عندئذ مخير بالقيام بموازنة وتفضيل وترجيح وفق أسس وقواعد الاختيار سليماً إلا إذا كان العقل سليماً.
فإختيار الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، ليس إختياراً شكلياً أو عاطفياً فقط، وإنما يفترض أن يكون اختياراً عقلياً أيضاً، يحسب لإمكانات واحتمالات ديمومة شركة الحياة، وإدارة البيت، وتربية الأولاد، ومواجهة المشاكل والصعاب المستقبلية حسابها.
واختيار الكتاب الذي تريد أن تقرأه، أو الفيلم الذي تود مشاهدته، او المواقع التي تدخل عليها في الانترنت، والأصدقاء الذين ترافقهم في رحلة حياتك، والمنزل الذي تريد السكن فيه وما الى هناك من خيارات، كلها مؤشرات على رجاحة أو عدم رجاحة العقل الذي تتمتع به، بمعنى أن وراء كل اختيار سليم عقل أعمل وتم الوصول به اليه.
طبعاً لا، فالمؤثرات في الاختيار كثيرة، وستأتي عليها إن شاء الله، ولكن دور العقل فيه كبير، لأن العقل بطبيعته يجبل النظر في الأمر من زواياه المختلفة، أما العاطفة ووسائل الاختيار الأخرى فقد تنظر الى الخيار من زاوية واحدة، فهي أحادية النظرة، ولذلك كان الخيار العقل أنضج الخيارات وأهمها وأكثرها سلامة، والى هذا أشار تعالى بقوله:
(وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا اليهم أموالهم) (النساء/6).
فحتى يكون اليتيم قادراً على التصرف بماله (مختاراً)، لابد من اختيار قدراته العقلية ومدى بلوغه الرشد الذي يمكنه من حسن التصرف وحسن الإختيار، (فإن آنستم منهم رشداً)، أي لمستم لمساً واقعياً نضجهم العقلي، فادفعوا لهم تركتهم المالية، لأنهم أحرار في التصرف بها عندما يبلغوا مرحلة الاختيار.
ارسال التعليق