• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إدارة الأزمات

سي. تي هيو/ ترجمة: عبدالفتاح الصبحي

إدارة الأزمات

 لقد ازدادت باطراد احتمالات التعامل مع أزمة ما في مجرى حياتنا خلال السنوات القليلة الماضية. بيد أن تعاملنا مع الأزمة يغدو ضرورة لابدّ منها. ذلك أنّ العالم قد دار كثيراً جدّاً حول محور الأزمة.

أعتقد أن هنري كيسنجر عبر تعبيراً دقيقاً عن الأزمات، ولخص ببراعة فائقة شعورنا جميعاً، حين قال: "لا يمكن أن تكون هناك أزمة في الأسبوع المقبل. إن جدول عملي حافل بالفعل". نعم، وأحسبنا نوافقه على ذلك. فنحن في شغل شاغل الآن، وآخر ما نحتاج إليه                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  هو إحدى الأزمات وبنفس هذه الروح، ولكي لا يتم تجاوزه في مضمار الحديث عن الأزمات، قال ريتشارد نيكسون: "إنّ الحياة أزمة تلو أخرى". ولسوء الحظ، فإننا نستطيع أن نتعاطف معه في هذا الشأن. ونحن نعرف، الآن، أننا نعيش في خضم أوقات مثيرة وأزمنة مضطربة، ونعرف أيضاً أن علينا أن نتعامل مع حقائق جديدة. كما نعرف أننا معرضون للانتقاد ونخاطر بأن تنفجر أزمة من الأزمات في وجوهنا في أيّة لحظة.   - كل أزمة مختلفة: يحدد قاموس Webster معنى الأزمة كما يلي: "هي فترة حرجة أو حالة غير مستقرة تنتظر حدوث تغيير حاسم. هجمة مبرحة من الألم، كرب أو خلل وظيفي". وفي عالم واحد، قد تجد الأزمة جذورها في سلعة من السلع، أو في عملية أو مجال من مجالات نشاط المستخدمين. وهذه أزمات شبيهة بتلوث فيتاسوي Vitasoy الأخير في هونج كونج والاسترداد اللاحق لهذه السلعة على صعيد العالم بأسره. أو التلاعبات السلعية التي هددت بتدمير أكثر السلع نجاحاً في تاريخ الولايات المتحدة – تايلينول Tylenol. والآن، وبينما يمكن للمرء أن يجد مجموعة من توجيهات إدارة الأزمة للاهتداء بها، فإنّ الحقيقة هي أنّه لا وجود البتة لأزمتين متشابهتين. وعلى الرغم من التشابهات بين أزمة وأخرى تالية لها – ورغم ما قد يبدو من ملاءمة تطبيق الحلول الشجاعة التي لجأ إليها الآخرون في مواجهة المشاكل الكبرى – فليس ثمة تشابه تحت أي ظرف من الظروف بين أزمة وأخرى سابقة لها ولابدّ من حل كل أزمة بصورة مختلفة. ومهما يكن، وبصرف النظر عن مصدرها، فإن جميع الأزمات تتبع في ثبات ثماني مراحل أو سمات محددة. ومن أجل إعطائنا جانباً من الصورة النظرية في هذا الصدد، عانت شركة يونيون كاربايد، لدى مواجهة القائمة الصاعقة للضحايا في بوبال، جميع المراحل الثماني في أقل من 72 ساعة، أما فيما يتعلق بتايلينول، فقد تطلب الأمر ثلاثة أسابيع. وسواء كانت الأزمة بسبب زلزال، أو كارثة معدية كبيرة، أو حريق فندق أو الدمار التام لمحفوظات الحاسوب، أو أزمة في شأن السفر إلى جهة ما أو سلعة فإنها ستمر أيضاً عبر هذه المراحل ذاتها وبالترتيب: 1- المفاجأة 2- نقص المعلومات 3- التدفق المتصاعد للأحداث 4- فقد السيطرة 5- التدقيق الشديد من الخارج 6- عقلية الحصار 7- الذعر 8- التركيز قصير الأمد لنبدأ بالمفاجأة. فحين رفعت بصري عن مكتبي ذات أصيل من العام 1993، ورأيت طائرة كبيرة مستقرة في المياه عند نهاية مطار كاي تاك في هونج كونج أصابتني الدهشة كما أصابت الجميع. ومن المؤكد أن ذلك كان شعور حكومة هونج كونج أيضاً، إلا أنهم كانوا مستعدين وتحركوا بسرعة للخروج من الورطة. ويأتى بعد ذلك نقص المعلومات. إنّ الحكومات والمؤسسات تتخذ قراراتها، في المواقف الاعتيادية، من خلال قنوات قائمة، أما أثناء الأزمة، فنحن لا نجد سوى القليل من الوقت والمعلومات اللذين نحتاجهما من أجل العمل بطريقة منهجية. وليس لدينا الفرصة لجمع الإدارات المختلفة أو طاقم الموظفين العاملين معا، ولن يتاح لنا قط الحصول على المعلومات بالسرعة المنشودة. ويؤدي النقص في المعلومات إلى تدفق متصاعد في الأحداث. وهنا، يكون معجّل السرعة هو الحد الصاعد للتغطية الإعلامية. وتحت وهج الأضواء الكاشفة، تدخل المؤسسات المرحلة التالية – مرحلة فقد السيطرة. وليس من المهم في واقع الحال ما إذا كان فقد السيطرة هذا حقيقياً أم من قبيل التصوير، فالنتيجة واحدة. إنّ النتيجة هي التدقيق الشديد من الخارج. ويتمثل أكبر قدر من الاستجابة الإنسانية لهذا التدقيق في السمة رقم 6 – بدء عقلية الحصار. إنّ عقلية "نحن" تقف في مواجهة عقلية "هم" – حين نشعر أننا ضحايا سقطنا جراء إساءة الفهم وليس هناك من يهتم بروايتنا للأحداث أو بوقائع قصتنا. والذعر هو السمة التالية للأزمة، وهو بسيط جدّاً: فهو يحدث حين لا تكون لدينا فكرة محددة عن كيفية حل المشكلة. ومن الذعر، تبرز السمة الأخيرة – التركيز قصير الأمد. إنّه التركيز قصير الأمد الذي يجعل المسؤولين والمديرين يغضبون ويشتتون طاقاتهم في أمور سرعان ما يتضح أنها خالية من المنطق. هذا هو الوقت الذي يقوم فيه المديرون بتصرفات متهورة، كإنهاء خدمة المستخدمين الذين يظهرون على شاشة التلفزيون منتقدين إياهم أو متحدثين عن جوانب الخطأ، أو موظفين يحاولون سلق النقاد بألسنة حادة، وكأن هؤلاء كانوا سبب المشكلة وليس أحد أعراضها، أو، - وتلك هي الطامة الكبرى – إلقاء اللوم في المشكلة على الجمهور أو على كائن من كان.   - الوضع إزاء الاتصال: إنّ في بداية كل أزمة شيئاً واحداً مؤكداً: لا أحد يعرف على وجه التأكيد كيف يمكن حلها. ولذلك فإنّ الاستجابة الأولى من جانب الإدارة هي، في الغالب، عدم الاتصال بأي شخص. ويمكن فهم أسباب عدم الاتصال في حالة الهيئات والمؤسسات. فالمديرون، قبل الإفضاء بأي تصريح علني، يريدون تجميع جميع الحقائق. إن ثمة اعتبارات قانونية ويحتاج الأمر إلى تحديد الناطق باسم المؤسسة. ومن ناحية ثانية، وبينما يحدث ذلك.. تتشكل ملاحظات الذين يقفون خارج المشكلة ويبدأون في التعبير عن آرائهم واقتراح الإجراءات للتعامل مع الأزمة. لقد علمتنا التجربة أنّه، مهما كانت الأزمة شديدة الوطأة، ومهما كانت المهمة مؤلمة، فمن الأفضل للمؤسسة أن تفصح عمّا تعرفه وعمّا لا تعرفه – بسرعة، ووعي بالمسؤولية، وبرقة في الإحساس نحو الذين تأثروا بالمشكلة. فنحن إذ نأخذ زمان المبادرة ونولي اهتمامنا لدواعي القلق – حقيقية كانت أم من نسج الخيال – يكون من المرجح أن يرانا الآخرون أهلاً للثقة وسريعي الاستجابة. ثمّ إنّ علينا أن نتذكر أنّه، في أثناء الأزمة، ستشعر وسائل الإعلام والجمهور بريبة طبيعية بل إنكار لما يقال. ومن المؤكد أن يكون هناك قدر من الارتياب إزاء ما يصدر عن المؤسسة، أو حتى الحكومة، من تصريحات. ومن شأن الصمت أن يترك المرء أكثر عرضة للانتقاد. إنّ من المحتمل أن تحدث معركة مضنية. فمصداقية وسائل الإعلام عالية إذ ينظر إليها في الغالب باعتبارها حيادية. وهو ما يفسر الدور المهم الذي تلعبه وسائل الإعلام أثناء الأزمة.   - تخطيط الاستعداد: إنّ الطريقة المثلى للتعامل مع الأزمة هي، بطبيعة الحال، إعداد لعدة لها، فالاستعداد الأساسي للأزمة يتيح لنا هجر عالم النظريات، ويصرفنا عن محاكاة الآخرين ويحررنا من ضغوط اتخاذ القرار حينما نواجه آخر المواعيد، ونقص المعلومات، والتدفق المتصاعد للأحداث. ويسمح لنا تخطيط الاستعداد بدراسة موقفنا ذاته بموضوعية سلفا. وبصورة نموذجية، يتضمن تخطيط كهذا عملية من ثلاث خطوات: الخطوة الأولى هي عمل تقييم كامل لقابليات التعرض للخطر من منظور الاتصالات. ويتم في الخطوة الثانية إعداد كتيب موجز لمواجهة الأزمة تعود ملكيته للمؤسسة وحدها. وهذا الكتيب هو الوثيقة الأصل لجميع المديرين والموظفين أثناء الأزمة. ويشرح الكتيب سياسات وإجراءات لاتصال خطوة خطوة. كما يوفر مواد الاتصالات المتفق عليها، بما في ذلك صحائف الحقائق، والبيانات الجاهزة. وتخضع الخطوة الثالثة المديرين الرئيسيين في الأزمة إلى أزمة مفتعلة أو تمرين على مكافحة الحرائق، حسبما تشاء. ويتيح لهم ذلك ممارية "حياة حقيقية" في التعامل مع جمهور عدائي – بما في ذلك وسائل الإعلام، وجماعات المواطنين، وأسر الضحايا.   - توجيهات الأزمة: بادىء ذي بدء، يكتسب البحث أهمية حاسمة. فنحن في حاجة لأن نعرف ونفهم ملاحظات وآراء جماعات النظارة والجمهور قبل أن نستطيع تقديم الإجابة وفقا لذلك إنّ هذه الملاحظات والآراء واقعية، وهي التي تقود السلوكيات. ثانياً، الاعتراف بالمشاكل، وتقبل اللوم، إذا كان ذلك ممكنا في بداية الأزمة، على الأقل. والأهم من ذلك كله أننا نحتاج إلى تعبير عن قلقنا. ثالثاً، إننا نحتاج إلى العمل مع وسائل الإعلام على أفضل صورة ممكنة لأنها العامل الثابت في أي أزمة. رابعاً، اختيار الناطق الملائم باسم المؤسسة. وليس ذلك سهلاً بالضرورة إذ يحتاج الناطق إلى التحلي بصفات معينة – السلطة، وإمكانية الثقة به والقدرة على إظهار الشفقة. ثالثاً، ينبغي أن تكون الرسالة المحورية في الأزمة ثابتة، رغم أن أساليب تقديمها يمكن أن تختلف. ويلي ذلك، ما يمكن أن تختلف. ويلي ذلك، ما يمكن أن يقدمه المتعاونون من تأثير ملاحظات الجمهور، إذ إن بمقدورهم القيام بدور ذي قيمة أثناء الأزمة. رابعاًً، لا تغال في رد الفعل، ولكن لا تقلل أيضاً من خطورة المشكلة. ومهما يكن، فإنك إذا وجدت نفسك مضطرا لاختيار أحد الأمرين، فمن الأفضل عادة أن تزيد من رد الفعل وأن تخطط لاحتمال ما هو أسوأ. فإذا كنا سنزيد من رد الفعل، ثمّ ينقشع الضباب عن مشكلة صغيرة، أمكننا حينذاك أن نتقهقر. أما في حالة التهوين من المشكلة، فإننا لا نستطيع استعادة الوقت الضائع ولا المصداقية المفقودة. ومن منظور الاتصالات فإن غالبية الأزمات التي يساء إدارتها إنما تحدث لأنّ المسؤولين والمديرين فيها لم يتوقعوا المزيد من الأخبار السيئة. وفي الختام، ومن أجل إعطائنا زاداً للتفكير، أود أن اقتبس من المنطق الذي تضمنه كتيب فن "العرافة" الصيني القديم الذي ظهر لأوّل مرة منذ ثلاثة آلاف سنة Ching-1 "إذا فكر المرء في العيش فقط وتجاهل مخاطر الحياة، فسوف يندم يوم لا ينفع الندم". وتعرف الحكومات والمؤسسات، اليوم، أن احتمالات وقوع أزمة في حياتنا قد تزايدت باطراد. وذلك هو الواقع الجديد. ومن ثمّ فإننا في حاجة لأن نكون مستعدين له.

ارسال التعليق

Top