• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إضحك على نفسك

خليل حنا تادرس

إضحك على نفسك

◄يستدعي سير عجلة الحياة أن يضحك المرء على نفسه في مناسبات، وأن يأخذ الأمور في هذه المناسبات ببساطة حتى لا يفلت منه العيار.. فمثلاً قد يتعرض المرء في موقف لسماع كلمة لا يرتضيها في الأوقات العادية ويحاسب صاحبها عليها ولكنه في هذه المرة، وفي هذا الموقف بالذات يتسبب إذا أثار ضجة حولها في خسارة كبيرة، كأن لا تتم عملية البيع مثلاً، أو لا يتم تحقق الأمل الذي سبق أن بذل في سبيله مالاً وجهداً ووقتاً كثيراً.. ومن ثمّ فمن الواضح أنّ من الحكمة هنا أن يضحك المرء على نفسه، ويسمح بمرور هذه الكلمة في هذه المرة وتحت هذه الظروف.

والواقع أنّ هذا المثال لم يتضمن ضحكاً بالمعنى الأصلي للضحك؛ ولنذكر الآن بعض الأمثلة التي تتضمن ضحكاً حقيقياً: هب أنك اضطررت لارتداء ملابسك بسرعة كبيرة، ثمّ اكتشفت بعد ذلك أنّ الجورب الذي ارتديته بالقدم اليمنى يختلف عن ذلك الذي ارتديته بالقدم اليسرى فلا تنزعج، ولا تخلق جواً من الاضطراب حولك، فكثيراً ما تجد بعض الأشخاص يضطربون اضطراباً صامتاً فيحرصون في حركاتهم حرصاً كبيراً حتى لا يظهر الخطأ الذي يسرفون في تجسيمه لأنفسهم إلى درجة تجعلهم أحياناً ينسحبون من كثير من المواقف التي كانوا يرغبون في أن يوجدوا فيها لولا هذا الذي حدث. والأمر لا يستحق كلّ ذلك؛ والاستجابة الطبيعية في مثل هذا الموقف أن يضحك الشخص على نفسه ولا مانع في أن يشترك مع أصدقائه في الضحك وبهذا ينفض الموضوع بشكل مناسب.

وشبيه بذلك أيضاً موقف الأب الذي يسارع إلى الإجابة على مسألة فيخطئ، ثمّ يراجعها مرة ثانية بنفس السرعة ولا يصل مرة أخرى إلى الجواب الصحيح.. ذلك لأنّه كرر في هذه المرة نفس الغلطة التي أنزلق فيها في المرة الأولى.. فيعود إلى المحاولة ثالثة، ولكن ببطء وحينئذ يكشف أنّه جمع (4) و(6) وأعطى جواباً سريعاً (24) أو ما شابه ذلك من الأخطاء التي نتعرض لها جميعاً.. هنا أيضاً، قد يلجأ الوالد إلى أحد طريقتين فإما أن يبرر الخطأ وأما أن يحاول إخفاءه، وهذا تصرف خاطئ في كلتا الحالتين، والأنسب أن يظهر الخطأ، ويضحك على نفسه وينتهي الأمر.

وأحياناً يتحمس المرء بفكرة معينة ويذكرها لمجموعة من زملائه فيتضح لهم سخافة الفكرة ويضحكون منها.. وهنا نجد أنّ المرء يتخذ عادة أحد طريقين، فقد يدافع عن الفكرة، وقد يخجل من نفسه وينسحب؛ وهذا سلوك خاطئ على أيّة حال فطالما أنّه اكتشف سخافة الفكرة، فالأجدر به أن يسخر منها ويضحك عليها مع زملائه.. أما الدفاع عن قضية خاسرة فإنّه مجهود عقلي، ومجهود عصبي، ومجهود نفسي، ولا طائل من وراءه، فماذا لا نسلم؟

 

ولماذا لا نضحك على أنفسنا؟!

وأحياناً تضطر لأن تضحك بمفردك، فلا تتردد!.. ومن أمثلة هذا الموقف أنك أحياناً تذكر لأصدقائك طرفة تعتبرها مضحكة للغاية، ثمّ تجد أنّه يستمعون إليها بشيء من البرود، فلا تنزعج؛ بل إضحك عليها، وإضحك على نفسك أيضاً.

مثل هذه المواقف إذا أخذتها ببساطة ودون تريث، عاد عليك هذا بفوائد صحية كثيرة... فلا تستهلك نفسك في انفعالات غير مناسبة كالغضب والخجل؛ بل ابتسم وأضحك، وخذ بعض المسائل بشيء من البساطة، حتى لا تعقد الأمور على نفسك وبالتالي تعقد حياتك بلا داع.

وهناك مسائل أخرى لا يجوز لك أن تأخذها ببساطة وتضحك على نفسك فيها.. وسنذكر لك أمثلة لهذه المواقف:

الشخص الذي يقبل الاشتراك في موضوع، أو يقحم نفسه في مشروع يعلم مقدماً أنّه لا يستطيع أن ينجح فيه؛ ولكنه يضحك على نفسه – والضحك هنا بمعنى التغرير – ويخلق المبررات المختلفة لسلوكه هذا، فتسمعه مثلاً يقول: على المرء أن يحاول.. وهذا كلام يبدو في مظهره أنّه مقبول، ولكن لم يكن المقصود منه أطلاق محاولة شيء يعلم المرء مقدماً – بكلّ تأكيد – أنّ المحاولة فيه لن تجدي.. والواجب أن نزن الأمور مقدماً.. وألا نغمض أعيننا أو نضحك على أنفسنا.

ومثال آخر: الشخص الذي يسوقه صديقه إلى شلة من الشباب يقضون أوقاتهم بأسلوب غير ذلك الذي أعتاده؛ بل ويختلف في أساسه عن الأساس الذي بنى عليه أساليب حياته من قبل.. فالاختلاف هنا جذري، ومع ذلك نجد المرء أحياناً يحاول أن يجاري مثل هذا الجو، ويحتمل أن يخلق لنفسه المبررات الكافية، ويقولها بكلّ زهو وفخر: "لابدّ من مجاراة جميع الأجواء" وهذا القول أيضاً يبدو من مظهره لأوّل وهلة أنّه مقبول، ولكن المقصود منه بطبيعة الحال – هو مجاراة الأجواء المناسبة، وليس من الحكمة في شيء أن يجاري المرء تلك الأجواء التي لا تناسبه.. أمّا أن يضحك على نفسه هنا، ويفسر كلمة مناسبة تفسيراً يبرر له سلوكه، فهذا ما لا يجوز أن يحدث.

وشبيه بذلك ما يحدث للشاب حين يتقدم لخطبة فتاة تفوقه عقلياً أو تفوقه في أي ناحية أخرى، ثمّ "يضحك على نفسه" ويبرر سلوكه هذا بمبررات لا تمثل الواقع.

ومثال ذلك الشاب المتوسط الثقافة الذي يتقدم لخطبة فتاة جامعية، مدعياً أنّه تعلم من الحياة أكثر مما تعلمته الفتاة في الجامعة أو أن يتقدم الشاب لخطوبة فتاة لا يعلم عنها شيئاً سوى المستوى المادي لأسرتها، ولا يحاول أن يستفسر عن الأسرة في أي شيء آخر.

فهذا هو الجانب الوحيد الذي يهمه ولكنه لا يرغب في الاعتراف به، ويذكر للجميع أنّه أقبل على خطوبة هذه الفتاة لأنّ الأسرة محافظة ولأنّه معجب بأخلاقها أو غير ذلك مما يختلقه المرء اختلاقاً ليضحك على نفسه.. وطبيعي أنّ الأنسب والأوفق أن يواجه الشاب الحقائق، فإنّ وجد تعادلاً أو تقارباً كان بها، وإن وجد أنّ كفته ترجح بعض الشيء، فهذا أفضل وإن وجد الكفة الأخرى هي الراجحة فليبحث الموضوع بمزيد من العناية دون أن يغمض عينيه أو يحاول أن يضحك على نفسه!.

كذلك نجد الرجل يشعر بمبادئ المرض، وتبدو عليه الأعراض المعروفة؛ ولكنه مع ذلك يهم بمغادرة المنزل فتقول له إنك مريض ومن مصلحتك أن تعتكف فلا يستمع إليك.. إنّه يرفض الاستماع، ويفضل أن يضحك على نفسه حتى يحقق ما يرجو الوصول إليه من وراء النشاط الذي كان سيقوم به في مثل هذا الوقت تجده يعرض عن أن يعترف بالترمومتر، وكان عمود الزئبق مرتفعاً، فإنّ لديه الاستعداد للشك في هذا الترمومتر؛ والمهم أنّه يصر على أن يجد مخرجاً على أيّة صورة.

تلك مجموعة من الأمثلة للمواقف التي نضحك فيها على أنفسنا وكان ينبغي ألا نضحك، مواقف نسيء فيها التصرف، ونخلق المبررات.. وكان ينبغي مواجهة المواقف بطرق أكثر صراحة وأكثر إيجابية.►

 

المصدر: كتاب تمتع بالحياة/ ستون طريقة لجعل حياتك أفضل

ارسال التعليق

Top