• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إياكم وضياع الأمل

عبدالحميد محمد الدرويش

إياكم وضياع الأمل

◄الحياة على الرغم من كلّ شيءٍ، هي أملٌ.

قيل: إذا فَقَدْتَ مالَكَ فَقَدْ ضاعَ مِنْكَ شَيءٌ له قِيْمَةٌ، وإذا فَقَدْتَ شَرَفَكَ فَقَدْ ضاعَ مِنْكَ شيءُ لا يُقَدَّرُ بِقِيْمَةٍ، وإذا فَقَدْتَ الأمَلَ فَقَدْ ضاعَ كُلُّ شَيءٍ.

أيّ شيءٍ تفقده في الحياة له قيمة، فالمال قيمةٌ مادية، والشّرف قيمةٌ أخلاقية، والأملُ له قيمةٌ روحية فالأمل موجودٌ في داخل كلّ إنسان، ولكن بإرادته هو، وإقناع نفسه بأنّه فقدهُ، بالفعل سيفقده حتماً.

أملنا هو الدافع الذي يعطي للحياة روح الاستمرارية، وهو ذاك الشعاع الذي يُضيء دربنا لحياةٍ أجمل وأرقى، يسكن قلوبنا ويُحرّك شغاف السعادة فيها، وينفض غُبار الحُزْن والألم والكآبة واليأس التي تركها الزمن في نفس كلّ فردٍ ظن أنّ الأمل يمكن أن يظل مفقوداً إلى الأبد.

أملٌ يُعطي التفاؤل الذي يدفع بالفرد نحو التمسك بالحياة من جديد، راسماً معالمه ببسمةٍ على الشّفاه، فنُسِيَت معانيه في وقت اليأس والإحباط.

ولكن الأمل واليأس لا يلتقيان أبداً؛ لأنّ اليأس هو فقدان الأمل، فعندما نصل إلى حدّ اليأس ينكسر الأمل الذي بداخلنا ويتلاشى تدريجياً، فلا نشعر بروعة وطعم الحياة، فتفقد المعاني روعتها ورونقها، ويسكن الألم والحيرةُ القلوب، فيستدعي ذلك غياب الابتسامة، وعندها تذبل أوراق حياتنا بمرور الوقت.

ولو تأمّلت في معنى كلمة الأمل لوجدت بأنّ الأمل هو الذات نفسه (ذاتي أنا، ذاتك أنتَ)، ذاتٌ تُعبّر عن وجودها في الحياة والوعي بها، وأنّنا لسنا مُجرّد كائناتٍ خُلقَتْ للسعي بتلقائية والاعتماد على الغير.

نعم، في لحظةٍ من لحظات حياتنا، نتمنّى، نحلم بأن نحقِّق ما نريد من مشروع أو حلم ذاتي أو أن تُحقِّق الذات نفسها، ولكن فجأةً، وبدون مقدّمات، نفقده ويضيع! فنتألّم ونحزن، ونشعر بإحباط ويأس قاتلين ووحدةٍ مع الذات، كيف أنّ حلم حياتي لم يتحقّق؟! كيف أنّ الذي رسمته وخططته ذهب أدراج الرياح؟!

نعم، نشعر بإحباطٍ وخوفٍ من الفشل في تكرار المحاولة، والاصطدام بواقعٍ يمكن أن يسبِّب صَدْمَةً لك، ولكن أنت على خطأ إذا فكّرت بسلبيةٍ قبل بدء رحلتك إلى هدفك ثانيةً، وتدرك الأخطاء التي كانت السبب في فشلك الأوّل، وتحاول أن تتجنبها في محاولتك الثانية؛ فالإنسان يملك عقلاً، وقدرات، وطاقات كبيرة، وقوىً خفيّة، ولكنه بحاجةٍ إلى أن يزيل عنها غُبارَ الكسل والإحباط، فأنت أقدر وأقوى مما تتصوّر في اجتياز المحنة والصعاب؛ لأنّ الإنسان بنفسه هو مَن يخلق الصعاب، وبإرادته يستطيع أن يجتازها ويتخطاها إلى نجاحٍ آخر في مجالٍ آخر.

جدِّد الأمل داخلك وأحييه واجعلهُ دوماً ربيعاً دائماً، ولا تدع اليأس يعشّش في داخلك؛ لأنّك ستتعب كثيراً وتفقد قواك، فكلُّ ما عليك أن تفعله هو أن تطرد وتشطب كلّ الكلمات السلبية والمُحبطة من داخلك.

فالإنسان لا يهنأُ بحياةٍ سعيدةٍ بدون أملٍ وهدفٍ وأحلامٍ، يحلم ويؤمن بتحقيقها والوصول إليها في حاضرهِ ومستقبله، مع كلّ المصاعب التي من الممكن أن تعترض طريقهُ، وتحرفهُ عن دربهِ.

كما أنّه لا وجود لأملٍ ضائع، ولكن اليأس الذي يُسيطر على فكر وعقل وداخل الإنسان هو مَن يشعره بضياعهِ وبإحباطه ويقنع نفسه بهذا.

نعم، قد نشعر بالوحدة، وقد يطول المشوار، وقد نَنْزلقُ في بعض المطبّات، ولكن نبقى نعيش ونتنفّس ونحسّ بمن حولنا، ونطرب للألحان، ونتألّم للأحزان، ويبقى الأمل موجوداً ما دامت الحياة موجودة ومستمرة، وما دمت أنت موجوداً، فقط في حالةٍ واحدةٍ نفقد الأمل، حينما يسرق الموت أعزّ ما في أنفسنا ويرحل! ولكن لابدّ من تحدِّي اللاشيء والوقوف له وضدّهُ لاجتيازه وعبورهُ إلى الشيء.

فكلّ الأشياء التي من حولنا ليست سيئةً وليست جيدةً، وليست إيجابية ولا سلبيةً، لكن نحن الذين نصبغها بهذه الصبغة، ونشكّل لون حياتنا وطعمها بحلولها ومرها، فلا تُلقي اللوم على الحياة فيما تشكو منه، وإذا كان الأمس قد ضاع من بين يديك، فلك اليوم، وإذا كان اليوم سيجمع أوراقه ونسماته ويرحل، فلديك الغد! فلا تحزن على أمسٍ ذهب؛ لأنّه لن يعود، ولا تتأسف على اليوم لأنّه راحل، ولكن احلم واسعد بنورٍ مُشرق في غدٍ بهيٍّ وجميل، وكُن متفائلاً، ولا تستسلم مهماً كانت مُحاولاتك فاشلة للوصول إلى هدفك وآمالك.►

 

المصدر: كتاب صناعة الأمل

ارسال التعليق

Top