ثقة الطفل بوالديه، من ضروريات العملية التربوية. وإذ يُمثِّل الوالدان قدوة ومثالاً أعلى له، يجدر بهما أن يكونا أهلاً لهذه الثقة، وأن يدركا حجم مكانتهما في نفسه، وأن يراقبا تصرّفاتهما بما يتناسب وهذه المكانة. ولذا، لابدّ من أن نعد أولادنا بما يمكننا تحقيقه لهم حصراً، وبما يتناسب مع أعمارهم وحاجاتهم، خصوصاً حين تكون الحالة موجبة. وقد يمكن للأهل أن يُغيِّروا موقفهم؛ لكن يتوجّب عليهم شرح أسباب ذلك للطفل.
يُشدِّد الاستشاري في علم النفس بمركز (إرشاد) للاستشارات الأسرية والتربوية، الدكتور جبران يحيى، على أهمية مرحلة الطفولة في تكوين شخصية الطفل، خلافاً لما يعتقده بعض من الآباء والأُمّهات أنّ الصغار لا يستوعبون!
الأطفال يمتلكون قدرات عالية في مجال التسجيل والملاحظة، وبالمقابل هم لا يتمتعون بالكفاءة النفسية التي تمكِّنهم من تبرير والتماس العذر وإيجاد الحلول للمشكلات التي تواجههم. ولذا، يتوجب على الوالدين أن يأخذا تصرّفاتهما على محمل الجد، وألّا يعدا صغارهما وعوداً كاذبة.
فقدان الثقة والتمرّد على القيم:
الوالدان في عيني الصغير، رمزاً للقدوة والعطاء والقيم والسلطة. وعندما يكرر أحدهما أو كلاهما عدم التزامه بوعوده، يواجه الطفل صدمات مُتعلقة بجانب المُثل والقيم والإحساس بالعجز، ويبدأ بالتعرّف إلى مبادئ معاكسة لما يتحدثان عنه من صدق والوفاء بالوعد. ومنهما، يتعلّم الطفل التمرّد على القيم والمُثل والتعامل بطرق ملتوية، وعندئذ تنهار القيم ومكانة مَن يمثلها، ويفقد الإحساس بأهمية القيم العليا، كما يفقد الثقة بمن حوله.
انطفاء التعزيز:
التعزيز وسيلة مثالية لتعديل السلوك لدى الأطفال أو تنمية قدراتهم. وتختلف أنواع التعزيز، وتشمل تلك المادية والمعنوية، وقد تكون مباشرة وغير مباشرة، ومتقطعة أو متصلة وآنية. وكلما كان التعزيز مادياً ومتصلاً بالحدث وعاجلاً، كان أكثر نفعاً في تعديل سلوك الطفل وتنمية قدراته. أي كلما كانت المكافآة آنية ومباشرة، ساعد ذلك في تحقيق الهدف، سواء كان تعلّم مهارة معينة أو تعديل خطأ ما؛ ولكن عندما يضع المربي للطفل حافزاً معيناً، وينجز الأخير ما طلب منه ولا يفي الأوّل بوعده، سوف يترك ذلك أثراً سلبياً في نفس الصغير، ولن يهتم بالمعززات في مرات أخرى، ويحدث ما يُسمّى بلغة علم النفس بـ(انطفاء التعزيز).
أُمّي لا تحبّني!
الطفل لا ينسى الوعد الذي قطعته له الأُم في لحظات معينة لأجل هدف ما، أي لضبط سلوكه أو حثه على تنفيذ مهمة ما؛ ولكن عندما تتناسى الأُم تنفيذ وعدها في الموقف المذكور، لن ينساه الطفل بالطبع، بل سيعيش أزمة انفعالية تملؤها مشاعر الغضب والحزن، ويبدأ نشاطاً عقلياً سلبياً بأفكار مأزومة، ويعقد مقارنات بين أُمّه والأُمهات الأخريات.. وصولاً إلى أن يستخلص الآتي: "أُمّي لا تحبّني ولا تهتم بي"، فيشعر بالدونية!
لا للرشوة!
إذا عوَّد الوالدان صغيرهما على عمل الأشياء بمقابل، فهما بذا يعززان أهمية أسلوب الرشوة في حياته، وبالطبع لن يجدا نفسيهما في كلّ مرّة يفيان بوعودهما.
بالمقابل، من الضروري أن يفهم الطفل أنّه يفعل الأشياء لقيمتها، ولأهمية دوره في الحياة، وليس ليحصل على مقابل لها.
توجيهات تربوية:
* على الأبوين أن يتجنّبا الوعود التي لا يستطيعا الوفاء بها، مع الإشارة إلى أنّ أوقات الفرح أو الأزمات، خصوصاً بغية التخلص من موقف محدد، لا تمثل أوقاتاً مناسبة لقطع الوعود.
* عند وعد الطفل، لابدّ من لاوفاء بالوعد مهما كلف ذلك، وإذا تعذّر الوفاء لأسباب خارجة عن قدرة الوالدين، عليهما إيضاح السبب له، حتى يقتنع.
* الوعود السلبية التي تتضمن تهديداً أو مخاوف، وعند تطبيقها دون تلك الإيجابية، تجعل الصغير لا يحسّ بالأمان.
* من الضروري ألّا يشعر الطفل أنّ أُمّه ملتزمة بوعود أصدقائها وبمواعيدهم، في مقابل لامبالاتها تجاهه في هذا الإطار.
* يتعلّم الصغير القيم من الآباء بالقدوة وبطريقة غير مباشرة، فإذا تكرر عدم الوفاء فسيمسي الطفل غير وفيّ ومنتهكاً لكثير من المبادئ والقيم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق