• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اتيكيت لباقة التعبير

اتيكيت لباقة التعبير

إلى أي مدى تستطيع الإفصاح عما يدور بخلدك لغيرك؟ إنّ إجابتك على هذا السؤال يحدد مدى قدرتك على التأثير في الآخرين من حولك، ذلك أنّ بعض الناس تدور بخلدهم الأفكار والانفعالات والعواطف ولكن يجدون أنفسهم عاجزين عن الإبانة، أو يجدون في أنفسهم لا يقدمون إلى مستمعيهم سوى جانب مما يرغبون إيصاله إليهم، بينما يعجزون عن الإبانة عن باقي الجوانب التي يرغبون في التعبير عنها دون ما جدوى .

ولعلّ بعض الناس لا يتبدى لديهم عجز في التعبير. بل خطأ في التعبير، وهؤلاء الناس قد يجلبون على أنفسهم الكثير من المشاكل والخلافات. وقد يصل بهم الحال إلى درجة أنّهم كلما حاولوا تخليص أنفسهم من ورطة بسبب أخطائهم في التعبير خانهم الحظ من جديد وزادوا الطين بلة، وازدادوا تورطاً على تورط وتعقدت حياتهم أكثر فأكثر بحيث يصيرون مثاراً للسخرية أو تعرضاً للمسؤولية والعقاب. ولكم فقدَ معوجو اللسان رؤسهم عبر التاريخ وقد خانهم التعبير فعبروا بأشياء لم ترد على أذهانهم أمام الملوك والأباطرة، ففقدوا حياتهم نتيجة سوء التعبير .

وهذا يدفعنا إلى ما يمكن أن يتعرض له الناس من نقص في الإبانة على النحو التالي :

أوّلاً: الحبسة: وهي العجز تماماً عن التعبير عما يدور بخلد المرء، ولكأنّ الكلام قد انحبس في حنجرة الشخص وصار كالأبكم لا ينطق بخير أو بشر. وهذا العرض قد يصيب أي إنسان في المواقف الشديدة الخطرة، أو عندما يجد المرء نفسه وقد عمه الخجل وأخذ به كلّ مأخذ .

ثانياً: اللكنة: وهي حالة تتسم بتآكل الكلمات أو النطق بها مشوهة أو مبتورة .

ثالثاً: استبدال حرف بكلمة بحرف آخر في نفس الكلمة، كأن يقول الشخص (أنا ربّ) بدلا من (أرانب).

رابعاً: نسيان كلمة هامة أو اسم شخص له أهمية في الموضوع أو نسيان مصطلح علمي يدور حوله محور الكلام، الأمر الذي يجعل المتحدث في موقف ضعيف للغاية أمام مستمعيه أو مناقشيه .

خامساً: استخدام كلام كثير لإيصال معانٍ قليلة، أو تردي اللسان في ثرثرة خاوية أو تكاد من أي معنى. وقد تجد الواحد من الثرثارين وقد أخذ يدور حول مقصده بغير ما جدوى لأنّه يفشل في إصابة الهدف كلما اشتد اقترابه منه كما تفلت السمكة من ممسكها تحت الماء .

سادساً: تركيز الكلام في جمل تلغرافية تكون بحاجة إلى شرح حتى يفهم السامع ما يريده المتحدث. وليس من شك في أنّ هذه النقيصة الكلامية في الإبانة لا تقل خطورة عن سابقتها. فالذين يركزون كلامهم لدرجة الغموض والإبهام على المستمعين يتضايقون هم أنفسهم لأنهم يحسون بأنّ المستمعين متضايقين منهم، كما يحسون بأنّهم عاجزون عن الإبانة والإفصاح عما يدور بخلدهم .

سابعاً: المغالطات والبراهين الكاذبة فيما يسوقه الشخص من كلام، والواقع أنّ هذه النقيصة الكلامية ترجع إلى سبب من سببين:

الأوّل: جهل المتحدث بالموضوع الذي يعرض له واستخدامه للجدل والمغالطات لتغطية موقفه، والثاني: إصابة الشخص بعقدة نفسية تتعلق بشخصيته مما يحمله الدفاع عن نفسه كما لو أنّ أصابع الاتهام تشير إلى شخصيته الضعيفة، فيعمد لا شعورياً إلى الهجوم قبل الدفاع عن الموقع الضعيف .

ثامناً: التناقص الذاتي فيما يقوله الشخص، فهو يكون إمعة لا رأي له، إنّه يقول رأياً وضده في نفس الجلسة. وإذا ما أوحى إليه أحد الموجودين باتجاه -أي اتجاه- فإنّه يسارع إلى الأخذ به بغير مناقشة. وكلام أشخاص من هذه الشاكلة لا يعتد به ولا ينهض حجة لهم أو عليهم .

تاسعاً: اتخاذ الموقف المضاد لأي رأي أو فكرة تذكر أمام الشخص. فأولئك الناس لا يرغبون في إيراد براهين مغلوطة، بل يرغبون في مناوأة أي شخص أمامهم، ولكأنّهم بذلك الموقف يهددون كلّ مَن تحدثه نفسه بالخوض بأي موضوع وذلك بإسكاته عن طريق التغليط والتسفيه واتهام صاحب أي رأي بأنّه جاهل أو غبي .

عاشراً: لا لإصابة باللوازم الكلامية كأن يردد الشخص كلمة (مثلاً) أو كلمة (يعني) وغير ذلك من الكلمات التي تسيطر على مقاليد كلامه فتعمل بذلك على إفساد السياق الذي يتحدث فيه كما أنّها تقع في أُذن السامع كما يقع الذباب على الوجه فيضايق المرء. والواقع أنّ من أسباب إصابة الناس بتلك اللوازم الكلامية استهلاك الثروة اللغوية وعدم تجديدها بالإضافة إلى ضحالة الفكرة وإصابة الشخص بالقلق النفسي والارتباك والخجل .

وبعد أن عرضنا أهم ما يمكن أن يعيب الكلام من عيوب ويعوق المتحدث عن الإبانة، نهيب بك أن تراعي ما يأتي في حياتك بينك وبين نفسك، وبينك وبين الناس حتى يصح لسانك ويحسن بيانك وتتألق فصاحتك وإفصاحك عما يدور بخلدك من أفكار وأحاسيس :

أوّلاً: زوّد نفسك بحصيلة لغوية متكثرة، وهذا يتطلب منك المداومة على القراءة وتأمل الكلمات والاستخدامات المتباينة لها، وما ينشأ من استخدامات جديدة تتطلبها الحضارة أو الحركات والتيارات الاجتماعية .

ثانياً: كن مستعداً دائماً لتصحيح كلامك. وإفرح إذا ما ردّك أحد عن خطأ كلامي وقعت فيه. فلا شك أنّ من الأُسس السليمة لتربية القدرة على الكلام الدأب على البحث عن النقائص الكلامية سواء بنقد نفسك بنفسك، أم بتلقي نقد الآخرين لك .

ثالثاً: كرّس بعض الوقت كلّ يوم للقراءة الجهرية البطيئة. ذلك أنّ القرأة بصوت جهوري بطيء تساعد على تقويم اللسان وتصحيح أخطاء التعبير.

رابعاً: خذ قسطك من الراحة من الكلام في الجلسة التي قد تضمك بغير أن تضيع حقّك من جهة، وبغير أن تجور على حقوق الآخرين في المشاركة بالحديث من جهة أخرى .

خامساً: لا تدخل في مجادلات بيزنطية لا تستهدف شيئاً سوى تأكيد الذات، ولكن هذا لا ينفي الفائدة التي يمكن أن تتأتى من مشاركتك في المناظرات هو أنّك تعد نفسك للمناظرة نفسياً وعقلياً، بينما لا تفعل ذلك بالمجادلات الفارغة وتخشى أن تستولي عليك عادة المجادلة الفارغة إذا ما جعلتها ديدنك في الحياة .

سادساً: لا تدأب على قرأة نوعية واحدة من القراءات، ولا تحصر ذهنك في موضوعات أو محاور فكرية ضيقة، بل وسع أُفقك وعددْ مصادر خبرتك، فتزداد بذلك حصيلتك اللغوية .

على أنّ هناك بعض الحالات التي يصاب فيها المرء بأمراض الكلام، سواء كانت إصابته بذلك إصابة عارضة أم إصابة مستمرة، أما بالنسبة للحالات العارضة فإنّها تتخلص فيما يلي :

1-       حالات التعب أو المرض أو السهر، أو بتعيبر عام إصابة الجسم بالوهن العام العارض الذي سرعان ما يزول بعد زوال الأسباب .

2-       فقدان التوازن الانفعالي أو العاطفي المفاجئ بسبب موقف معين، أو حتى بسبب انثلام الشعور بكلمة جارحة أو بسبب الفشل في موقف أو بسبب نقد لاذع يوجه إلى الشخص .

3-       توجيه انتباه الشخص إلى الطريقة التي يتحدث بها، فبدل أن يوجه انتباهه إلى الكلام نفسه، فأنّه يوجه انتباههه إلى طريقة كلامه فيضطرب ويتخبط فيما يقول .

أما بالنسبة للحالات المزمنة من أمراض الكلام وهي التي لا يمكن علاجها علاجاً حاسماً بل يكتفي بالتخفيف من حدتها، فأنّ من أهمها النقص في تكوين أجهزة الكلام، أو إصابتها بمرض أو آخر مما يؤثر في قدرة الشخص على الإبانة أو على إيضاح ما يعنيه من كلام. أضف إلى هذا ما يمكن أن يصاب به الشخص من أمراض نفسية وعقلية. ولا شك أنّ من بين الأمراض النفسية ما يعوق الشخص عن إجادة التعبير، بينما يوجد منها ما يحول بينه وبين الكلام على الإطلاق .

ومهما يكن من أمر فإنّ تجنب أسباب عيوب الكلام بالاتباع والاهتمام لأنّ الوقاية خير من العلاج. ولكن هذا لا يحول دون أن نؤكد أهمية التربية الذاتية لأنّه من النادر أن تجد شخصاً سوياً لا يصاب بوقت أو بآخر، أو في موقف أو اكثر بمشكلات كلامية وبإعاقة عن الإفصاح أو الإبانة، ومن هنا فإنّ عليك أن تعالج نفسك بنفسك كلما ظهرت لديك مشكلة كلامية حتى تحتل مكانة سامية في قلوب الناس من معارفك وأصدقائك وأقرانك.

 

للكاتب: يوسف ميخائيل أسعد

ارسال التعليق

Top