• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

اجتناب الفُرقة ولزوم الأُلفة

عمار كاظم

اجتناب الفُرقة ولزوم الأُلفة

◄الدعوة إلى الخير:

(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون/ 52)، في نداء إلى الرُّسل كلّهم بحيث يؤكّد تبارك وتعالى أنّ كلّ الرُّسل في كلّ دعواتهم هم أُمّة واحدة حتى لو اختلفت مواقعهم الرسالية ودرجاتهم النبوية، لأنّ دعوتهم واحدة ومضمون دعواتهم الرسالية للإنسان هو مضمون واحد الخير والعدل والحقّ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). فالأُمّة التي تنطلق من خلال خطّ الرسالة هي أُمّة تدعو إلى الخير كلّه، الخير في النفس، في الجانب الفردي بحيث يكون الإنسان إنسان الخير، والخير من المجتمع الصغير بحيث يكون الإنسان في العائلة، إنسان الخير لعائلته وفي المجتمع الكبير بحيث يكون إنسان الخير في المجتمع كلّه فلا يصدر منه أيّ شيء سواء كان الشرّ شرّاً في النيّة فيما يُضمره الآخرون، أو شرّاً في الفكرة فيما يفكّر فيه الآخرون، أو في الحركة فيما يتحرّك به مع الآخرين، أو في القول والفعل فيما يصدر عنه قول للناس أو فعل ينعكس على حياتهم.

 

الالتقاء على الحقّ:

وهكذا يريد الله تعالى لهذه الأُمّة أن ترصد كلّ مواقعها في كلّ الاتجاهات فتدرس قياداتها وطلائعها الثقافية الرسالية حركة الأُمّة بحيث تعمل على أن تنكر الفتنة وتنهى عنها وتنفتح على الوحدة وتأمر بها وتخطّط للعدل وتدعو الناس إلى الأخذ به وترتكز على الحقّ وتطلب من الناس أن يلتزموا به في مواجهة الباطل وتدعو إلى الإنسانية في مقابل الوحشية وتربط الناس في داخل الأُمّة برباط الأخوة الإيمانية الروحية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10)، وما دام الناس يؤمنون بالله فعليهم أن يلتقوا على الله وأن يتآخوا في الله وما داموا يؤمنون برسول الله فعليهم أن يلتزموا رسالته ويقتدوا بسيرته. وقد ورد في الحديث عن النبيّ (ص) "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ". النداء الإلهي بالاعتصام بحبل الله تعالى الالتزام بالقرآن الكريم الذي خطّ طريق الوحدة والسلامة والاستقامة وحمل كلّ مسلم المسؤولية في أن يفجّر طاقته في الخير لا في الشرّ وفي العدل لا في الظلم وفي الحقّ لا في الباطل، وأراد للمؤمنين أن يتوحّدوا فإذا اختلفوا في أيّ أمر، فإنّ الله يأمرهم بأن ينطلقوا في خلافاتهم من خلال أهوائهم وعصبيّاتهم، ونقرأ في حديث أمير المؤمنين (ع): "ليردعكم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي ولتجتمع كلمتكم والزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره وكلمة الإخلاص التي هي قوام الدين".

 

الاعتبار من الماضين:

يحذّرنا الإمام عليّ (ع) ممّا نزل بالأُمم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال ويوجّهنا لنذكر أحوالهم في الشر والخير ولدراسة تأريخ الأُمم دراسة الوعي والعبرة بحيث تتمّ الاستفادة من الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات والالتزام بالخطِّ الإيجابي في مواجهة الأعداء، والعزّة في مواجهة كلّ وسائل الإذلال واجتناب الفرقة واللزوم للألفة واجتناب تشاحن الصدور وتضاعن القلوب وتدابر النفوس وتخاذل الأيدي. علينا أن ندرس التأريخ جيداً دراسة وعي وبصيرة لنعرف كيف صار الكبار صغاراً عندما تفرّقوا؟ وكيف أصبح الصغار كباراً عندما اتّحدوا واجتمعوا. وفي الافتراق فتنة يقول الإمام عليّ (ع): "إيّاكم والتلوّن في دين الله، فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل، وإنّ الله سبحانه لم يعطِ أحداً بفرقة خيراً ممّن مضى ولا ممّن بقى". وفي حديث عن رسول الله (ص): "لا تختلفوا فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا". الله تعالى يؤكّد على الوحدة الإيمانية والاعتصام بحبله المتين وكتابه العزيز الذي يدعونا بالتمسّك بكلِّ مفاهيمه العقيديّة والشرعية والحياتية وليجتمع الجميع على عقد الأخوّة وحملهم مسؤوليّة إصلاح ذات البين (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103). ►

 

المصدر: كتاب مفاهيم خير وإصلاح

ارسال التعليق

Top