◄إنّ العمر أيّامه قليلة، وساعاته تمرّ بسرعة، والفائز مَن يُحسن التعامل مع الوقت، فيجعله فرصة للطاعة والقُرب من الله تعالى، فلو تفكَّر المرء قليلاً في الأُمم السابقة وأحوال الناس، حتى القريبين منه، الذين ارتحلوا عن الدنيا، لعرف أنّ الخلود والبقاء لله وحده، وأنّ عمر الإنسان قصير جدّاً، فلو قارن عمر المرء، حتى لو بلغ مئات السنين، بعمر الزمن الذي يعدّ بالمليارات، لعلِمَ أنّه لا يساوي في لغة الزمن شيئاً، فهو المخلوق الضعيف العاجز، ولكنّه المكرَّم من الله بعقله وشعوره، عندما يعرف كيف يوَظِّفهما في خطّه ورضوانه، فلا يظلم الكبير الصغير، ولا يستقوي القوي على الضعيف، ولا يتعدّى الناس على حقّ بعضهم البعض وكرامتهم، ولا يغتب أحد أحداً، ولا يستعمل الإنسان لسانه ويده إلّا في كلّ خير ومصلحة ومحبّة تجلب السعادة والمحبّة، وتزرع الأمل والخير والعطاء والبرّ في ربوع المجتمع.
مَن يتدبَّر في العمر ومحدوديته، وينتبه من غفلته، ويُسارع إلى الصحوة والعمل المخلص والجادّ في خطّ طاعة الله، لا يمكن له أن يرضى بالتقاعس والتكاسل عن واجباته، فلا الزوج الذي يعتبر نفسه مطيعاً لله يعتدي على زوجته بالضرب، أو يمارس عليها ترهيباً كلامياً، ولا الشاب المطيع لله يُسيء إلى والديه، ويقلّل من احترامهم، فلا يُحسن إليهم، ولا الأهل المطيعون يستهترون بواجباتهم تجاه أولادهم، بل يُحسنون تربيتهم روحياً وأخلاقياً، ويؤمِّنون احتياجاتهم النفسية والعاطفية أو المادّية.
فالطاعة فعل إيمان وعبادة تبرز في حياة الناس وسلوكياتهم الفردية والجماعية، وفي أقوالهم وأفعالهم، وإلّا لا معنى عملياً وفعلياً للطاعة والالتزام بأوامر الله، إذ نرى الجار يدبِّر المكائد لجاره، ويخطّط كيف يؤذيه بالقول والعمل، من غيبة ونميمة واعتداء معنوي وجسدي. وليس الأفراد مَن يعتدي بعضهم على بعض فقط، بل الجماعات أيضاً يعتدي بعضها على بعضها الآخر، فيحاول كلّ منها إلغاء الجماعات الأُخرى، ولا يتقبّلون أيّ نقاش، وأيّ حوار، وأيّ تفاهم.
وقد خلق الله الناس جميعاً، بكلّ تنوّعاتهم واختلافهم، من أجل التعارف: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13)، فطاعة الله في التعارف، والتعارف له أصوله المتوافقة مع فطرة الإنسان في حبّ الاجتماع على الخير، وما يصلح ويجمع ولا يفرِّق، ويحبِّب ولا يبغِّض، والتعارف يعني تقبّل الآخر، وتفهّم وضعه، ومعاملته من دون عصبية وجهل.
وهنا تتجلّى الطاعة، بأن يجدك الله تعالى في كلّ المواضع التي أمرك أن تكون حاضراً فيها، ومجاهداً فيها في سبيل إعلاء كلمته، والذود عن الحقّ، ومقارعة الظلم، وأن تقول الكلمة التي تصلح أوضاع الناس وتنزع الخصومة فيما بينهم.
فليغتنم الجميع العمر بكلّ أوقاته في طاعة الله، فهذا هو الفوز في الدنيا، ونيل المرضاة والنعيم المقيم في الآخرة، فصرف الوقت يجب أن يكون في سبيل ذلك، فالطاعة تنقية للقلب والعقل، وهي الفرصة الحقيقية الباقية للمرء من عمره مهما بلغ.. ويقول أمير المؤمنين (ع): "أُوصيكم عباد الله بتقوى الله، واغتنام ما استطعتم عملاً به من طاعته في هذه الأيّام الخالية".
ويُروى عنه قوله (ع): "بالطاعة يكون الفوز"، وجاء أيضاً في الحديث عن الرسول (ص): "لا يدرك ما عند الله إلّا بطاعته".
والخلق محتاجون إلى طاعة الله في كمالهم وتطوّرهم وتحقيقهم لوجودهم الفاعل والحيّ، والله تعالى غنيّ عنهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15).
فلنكن من عباد الله المطيعين المغتنمين لفرصة العمر في ممارسة فعل الطاعة، لنربح سعادتنا في الدنيا والآخرة، ونكون من عباد الله المطيعين حقّاً.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق