• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الآداب الدُّعائية قبل وبعد تلاوة القرآن

أسرة البلاغ

الآداب الدُّعائية قبل وبعد تلاوة القرآن

يُمكننا تقسيم الآداب الدُّعائية إلى ثلاثة أقسام، وهي:

الأوّل: الدُّعاء قبل تلاوة القرآن، أي عند أخذ القرآن الكريم، فقد ورد فيه أنّ الإمام جعفر الصادق (ع) كان يدعو بهذا الدُّعاء قبل أن يقرأ: "أللّهمّ إنِّي أشهد أنّ هذا كتابك المنزل، من عندك على رسولك محمّد بن عبدالله، وكلامك الناطق على لسان نبيّك، جعلته هادياً منك إلى خلقك، وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك.. أللّهمّ إنِّي نشرتُ عهدك وكتابك.. أللّهمّ فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه فكراً، وفكري فيه اعتباراً...".

الثاني: الدُّعاء أثناء تلاوة القرآن، وقد ورد فيه عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "اغتنموا الدُّعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفّين للشهادة، وعند دعوة المظلوم فإنّها ليس لها حجاب دون العرش"، وهنا يُحتمل عود الضمير في "إنّها" إلى المواطن، لأنّها هي المُتحدِّث عنه، والمعنيّة في المقام، وبعد عدّها جميعاً جاء الوصف لها جميعاً، فيكون الدُّعاء عند قراءة القرآن ليس لها حجاب دون العرش، وقد يكون عائداً إلى "دعوة المظلوم"، والأوّل قريب، والثاني أقرب، لورود بعض الروايات الحاكية لهذا المعنى؛ ولكن يبقى مجال الشمول لجميع المواطن مفتوحاً، والقول به له وجهٌ وجيه.

وعلى أيّ حال، فالدُّعاء عند قراءة القرآن فرصة ثمينة ينبغي اغتنامها؛ ولكن كيف يتسنّى لنا ذلك ونحن مشغولون بالتلاوة؟

والجواب: هو أنّنا إذا مررنا بآية فيها وَعدٌ، طلبنا ذلك لنا وللمؤمنين، وإذا مررنا بآية فيها وعيد، استعذنا بالله تعالى لنا ولإخواننا المؤمنين من ذلك، وإذا مررنا بآية فيها ذكر المُذنبين المُقصِّرين اتّهمنا أنفسنا وطلبنا منه تعالى العفو والمغفرة، وإذا مررنا بآية فيها ذكر التائبين الصالحين رجوناه أن نكون كذلك، وهكذا. وإنّ الطلب والاستعاذة والرجاء لا يُشترط فيها أن تكون لفظيةً، حيث يكفي استحضار معانيها، وإن كان استحضارها بمعيّة اللفظ أفضل وأنفع.

جدير بالذكر أنّ هذا السمت من القراءة يُعتبر نوعاً جليلاً من التدبُّر في القرآن الكريم، حيث تعكس مضامين القرآن عليك، فتقرأه وكأنّه نزل عليك.

الثالث: الدُّعاء بعد التلاوة، وقد ورد فيه عن عاصم، عن زرّ بن حبيش، قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره في المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع).. فلمّا بلغت رأس العشرين من حم عسق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (الشورى/ 22)، بكى أمير المؤمنين حتى ارتفع نحيبه، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: "يا زرّ، أَمِّنْ على دُعائي"، ثمّ قال: "أللّهمّ إنِّي أسالك إخباتَ المخبتين"، إلى آخر الدعاء. ثمّ قال: "يا زرّ، إذا ختمت فادعُ بهذه، فإنّ حبيبي رسول الله (ص) أمرني أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن".

وقد كان الإمام الصادق (ع) يدعو عند الفراغ من قراءة القرآن بهذا الدُّعاء: "أللّهمّ إنِّي قد قرأت ما قضيت من كتابك الذي أنزلت فيه على نبيّك الصادق (ص)، فلك الحمد ربّنا.. أللّهمّ اجعلني ممّن يُحلُّ حلاله ويُحرِّم حرامه، ويؤُمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي أُنساً في قبري وأُنساً في حشري...".

ارسال التعليق

Top