• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأبناء.. زينة الحياة الدُّنيا

الأبناء.. زينة الحياة الدُّنيا

    أسوأ إحساس يمر على الآباء عندما يشعرون بأنهم فشلوا في تربية أبنائهم، أو عندما يواجههم أبناؤهم بأنّهم غير راضين عن تربيتهم، ولا عن حياتهم. مع الأسف أقول ذلك بعد أن سمعت بعض القصص المؤلمة، فأخبرتني إحدى الفتيات بمشاعرها الغاضبة تجاه والديها، رغم أنّها معترفة بأنهما بذلا مجهوداً في توفير معظم احتياجاتها من ملبس، ومأكل، وتعليم، وسكن، فهي تعيش حياة مرفهة، ورغم كلّ ذلك فهي غير راضية عن حياتها، تقول: "تربيت على الطاعة العمياء من دون تمييز، ومن دون مراعاة لأي فروق، وأدركت عندما كبرت أنني فقدت القدرة على التقييم الصحيح، أو مواجهة من يخطئ في حقي بعدما اكتشفت أنّ الإنسان يقيَّم بأفعاله ومواقفه، وليس بعمره، حتى أصبحت في نظر الآخرين فتاة معقدة، لا تعرف كيف تتعامل مع الآخر، هل تصدِّقين أنَّني حتى الآن أخشى أن أتكلم مع الآخرين، وأنظر إلى عيني أمي؛ لأعرف أن ما أقوله على خطأ أو صواب. إن أسلوب تربيتهما جعل مني فتاة مهزوزة مرتبكة، ليست لدي الثقة على مواجهة الحياة، وأشعر بالفراغ والوحدة، لا شيء أفكر فيه، لا أعرف ما الذي أريده من حياتي. أشعر بأن أعماقي فارغة من الداخل، وتضخم هذا الشعور سبَّب لي أزمة. إنّه فراغ النفس، والعقل، فراغ الأفكار، وفقدان الثقة في نفسي، وترسبت في شخصيتي عيوب خطيرة بعد أن صادر أهلي أمنياتي، واحتياجاتي النفسيّة، والمعنويّة، والاجتماعية".

    وتقول فتاة أخرى: أحس بأنني قد تجردت من كلّ قواي، ولم يعد لدي بقايا قوة أن أتحمل، لم أكن أعلم أن تجرد الإنسان من جميع قواه أكبر ضعف ممكن أن يتحمله، لم أعلم أنّ الوحدة قاتلة، وموحشة، ومؤلمة، لم أدرك أنّ أصعب وحدة هي وحدة الإنسان عندما يكون بين من يسميهم عائلته، ووصلت لمرحلة بدأت أعاني فيها من الوحدة حتى في أفكاري، لا هذه ليست وحدة، هذا خواء، وحلقة مجوَّفة وضعت نفسي فيها، أو أجبرت أن أعيش بداخلها، لا فرق، فأنا أشعر بالإهانة، والعنف، والقسوة، فأهلي لا ينادونني باسمي، ولو حصل ذلك فينعتونني بأفظع الألفاظ "يا غبية"، "يا تافهة"، لم أعرف ما معنى الاحتضان، ولا الحب، ولا يوجد حولي من يتحدث معي إلا في حالة إصدار الأوامر، ولم ألمح من والدي يوماً أي نظرة حب، أو مشاعر دافئة، وكأنني قطعة من ممتلكات المنزل.

 وأخرى تقول: أنا لا أعرف شيئاً عن مقومات، أو أسس الحياة، وكلّ جريمتي أن أسرتي تخاف عليّ، فأنا ابنتهم الوحيدة، وكان الخوف عليّ هو طريقتهم الوحيدة للتعبير عن حبهم لي، لدرجة سجني في البيت، لحظات كثيرة تمنيت أن تكون إحدى أُمّهات صديقاتي هي أمي؛ لأنّ أمي طوال وقتها مشغولة عني بعملها، وبنفسها، ولا تعطيني ولو جزءاً يسيراً من وقتها للتفاهم، أو لسماع ما يدور في عقلي، وقلبي، ولا يوجد بيننا أي نوع من أنواع الحوار، فطريقتهم في تربيتي زرعت في أعماقي الخوف من التعامل مع من حولي، ولا أعرف كيف أحمي نفسي، وأدافع عن كياني، وكلما كبرت زاد خوفي من الناس.

    عموماً بكل ألم يعتصر قلبي، أقول إنّ هناك بعضاً من الآباء مارسوا التربية والتوجيه بصورة شكليّة ومصطنعة من دون مشاعر حقيقية، ومن دون أن يشاركوا أبناءهم اهتماماتهم؛ لأنهم بعيدون عنهم في الزمان والمكان، بعد أن تخلوا عن دورهم، وبذلك قد يضيع الأبناء بسبب قلة خبرتهم، وعدم الشعور بالدعم والسند، وعدم إحساسهم بالأمان والحنان في هذه الحياة. أقول للآباء الذين تخلوا عن دورهم الأساسي منذ البداية: ما نفع أن تلعبوا أدواركم في وقت متأخر؟ فاتقوا الله في أبنائكم، فإنّهم زينة الحياة الدنيا.

    

    - أنين الأبناء:

    إنّ الأُم الحقيقية هي التي تضحي من أجل أبنائها، وعليها أن تتفرغ لأداء أعظم مهمة وأقدسها، وأن تمنح أبناءها الرعاية التامة، على الأقل للست السنوات الأولى، التي يكون فيها الطفل صفحة بيضاء، تسطر فيها ما تشاء وكيفما تشاء، ففي هذه الفترة تقع المسؤولية الأكبر على الأُم، ولا ينفي ذلك مشاركة الأب في تحمل المسؤولية، فدوره لا يقل أهميَّة عنها.

 

*أميمة عبدالعزيز زاهد

ارسال التعليق

Top