وقد أكّد الإسلام على أهمية الأخلاق، واعتبرها من أهم الفضائل التي يجب أن يتحلّى بها المسلم في حياته، فقد جاء في فضيلة الأخلاق الحسنة روايات كثيرة منها:
أنّ النبيّ (ص) قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُق حسن، وأنّ الله ليبغض الفاحش البذيء".
وروي عنه أيضاً أنّه قال: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإنّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة".
وسُئل رسول الله (ص) عن أكثر ما يدخل الناس الجنّة؟ فقال: "تقوى الله وحسن الخُلُق" وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: "الفم والفرج".
وقد سُئل (ص): أي الأعمال أفضل؟ فقال: "خُلق حسن".
وقال (ص): "إنّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" وقد اعتبر الرسول محمّد (ص) الأخلاق الحسنة من سعادة المرء حيث يقول: "من سعادة المرء حُسن الخلق" بل إنّه (ص) اعتبر الهدف من بعثته هو تعميق القيم الأخلاقية في المجتمع الإنساني، حيث قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال أبو ذر لما بلغه مبعث النبيّ (ص)، قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع، فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق.
كلّ هذه الأحاديث – وهي على سبيل المثال لا الحصر – تدلّك على قيمة الأخلاق وأهميتها في البناء سواء على الصعيد الشخصي كفرد أو المجموع كأمة، أو الكيان كحضارة.
قال الشاعر وهو يربط بين بقاء الأُمّة والتزامها بالأخلاق:
وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الأخلاق.. تنظيم للسلوك:
أصل كلمة الأخلاق من الفعل خَلُقَ، أي لان وملس، واستوى، ومن خالق، أي عاشر بخلق حسن، ومن تخلق، أي تطبع بطباع.
ومفرد الأخلاق، الخُلْق، والخُلُق، وهو المروءة، والعادة، والسجية، والطبع، والتقليد، فالأخلاق هي المروءات، والعادات، والسجايا، والطباع، والتقاليد.
وتعرف الأخلاق بأنّها القواعد العملية لتنظيم وتهذيب السلوك الإنساني وعلم الأخلاق هو العلم الذي يبحث في الأخلاق نفسها، وهو أحد أقسام الحكمة العملية، ويسمونه أيضاً الحكمة الخلقية، هذا حسب التقسيمة القائلة بأنّ الحكمة قسمان: نظرية، وعملية، وأحد فروع العملية، علم الأخلاق الذي يشتمل على الفضائل الأربع وهي: الحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدل.
مما سبق نستنتج بأنّ الهدف من الأخلاق هو تنظيم السلوك الإنساني وفق معايير اخلاقية ثابتة، فالمبادئ الأخلاقية عامة وثابتة في كلّ زمان، وفي كلّ مكان، فالصدق – مثلاً – مبدأ أخلاقي يقرّه العقلاء كلهم بأنّه حسن في ذاته، ويبقى الصدق حسن في ذاته في كلّ زمان، وفي كلّ مكان.
ويجب أن تحكم المبادئ الأخلاقية علاقات الناس بعضهم بالبعض الآخر، لأنّ هذه المبادئ الأخلاقية هي وحدها القادرة على تنظيم المجتمع تنظيماً حضارياً، أما عندما تنعدم هذه المبادئ فإنّ شريعة الغاب تسود المجتمع، وعندئذٍ ينقلب كلّ شيء رأساً على عقب!
الجاذبية النفسية:
تعتبر الأخلاق من أهم العوامل على الإطلاق للنجاح الاجتماعي، لأنّ النفوس جُبِلَتْ على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.
وقد اعتبر القرآن الكريم أخلاق الرسول (ص) من أهم عوامل نجاحه، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
وقد أثنى الله تعالى على حسن أخلاق نبيّنا محمّد (ص) قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4)، فالأخلاق من أهم عوامل النجاح الاجتماعي فما من مصلح أو قائد أو زعيم أو عظيم إلّا وكانت الأخلاق من صفاته الرئيسة، فلا يستطيع أحد أن يؤثر على الآخرين إلّا إذا كان ذا أخلاق رفيعة، ولذا قال الرسول (ص): "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" وفي رواية أخرى عنه (ص) قال: "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق" إنّ هذه الكلمة الرائعة يجب أن تحفظ، لأنّها قاعدة هامة لكل من أراد أن ينجح، فالأخلاق الحسنة قادرة على تذويب القلب القاسي وتحويله إلى قلب رقيق.. يقول الحسن بن عليّ (ع) في أبيات له بهذا الصدد:
وإنّي لألقى المرءَ أعلم أنّه *** عدو وفي أحشائه الضغن كامن
فأمنحه بشراً فيرجع قلبه *** سليماً وقد ماتت لديه الضغائن
إنّك بأخلاقك الحسنة يمكنك تكوين شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية، فبكلماتك المهذبة، وآدابك السمحة، وتصرفاتك الحكيمة، وأعصابك المتزنة يمكن أن تكون شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية، فالأخلاق هي التي تجذب الآخرين إليك، إنّها الجاذبية النفسية..!
فإذا أردت أن تكّون علاقات اجتماعية واسعة، كُن أخلاقياً...!►
المصدر: كتاب الشخصية الناجحة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق