• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأسس العلمية في تربية المراهقين

أحمد السيلاوي

الأسس العلمية في تربية المراهقين

◄إنّ مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرِّق الكثيرين من المهتمين بأُمور التربية، حيث أنّ الأولاد يبقون حتى سن معيّنة، تحت قبضة الوالدين؛ لكنهما كثيراً ما يسيئان إستثمار هذه السيطرة، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما، زواجاً، أو هجرة، أو دراسة.

فكان من الحري بهما أن يعطيا للموضوع حقّه من التفكير والوقت، إذ من المعلوم أنّ الولد الصالح من مصاديق الصدقة الجارية التي تنفعهما بعد الموت.

إنّ للإنسان تكويناً بدنياً وتكويناً نفسياً.. فكما أنّ هناك جسماً يتحرّك، فهناك روح تنمو، ولهذا فإنّه في الوقت الذي نهتم فيه بالنمو الجسمي لأولادنا، فإنّه يتحتّم علينا أن نهتم بأرواحهم ونموها، هذا النمو الذي يبلغ أوج فورانه – تكاملاً أو تسافلاً – في مرحلة المراهقة.

إنّ هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه، فمنها ما هو ذاتي: كالصفات الوراثية، والبنية النفسية والعقلية، ومن الواضح أنّ هذه الخصوصيات – رغم تميزها من فرد إلى آخر حتى ضمن الأسرة الواحدة – لا تعني أبداً حالة من (الجبر) في تحديد سلوك الإنسان.

ومنها ما هو محيطي: كسلوك الآباء، والأقارب المنحرفين، والأصدقاء، والجو المدرسي، وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة التي كثيراً ما أصبحت من الأدوات الشيطانية المُسبِّبة لانحراف أبنائنا.

إننا نلاحظ في حالات كثيرة سلامة التكوين الذاتي لدى الأبناء وعدم وجود خلل فيه؛ ولكن – مع الأسف – نرى أنّ سلوك الأبوين داخل الأسرة: من حيث وجود خلاف أو نزاع بينهما، أو عدم إلتزامهما بتعاليم الشريعة، أو إهمال الأولاد داخل المنزل والإنشغال عنهم بشؤونهم الخاصة، هو الذي يؤدّي إلى نشوء أنواع من الخلل في سلوكهم الجوارحي والجوانحي، وبذلك يكونان في هذه الحالة، هما المؤاخذان اللذان يتحمّلان المسؤولية يوم القيامة.

نلاحظ أنّ بعض الآباء لا يعرفون مَنْ هم أصدقاء أبنائهم، وما هي توجُّهاتهم وميولهم، والحال أنّ هؤلاء هم الذين يرسمون سلوك الأبناء من حيث لا يشعرون! ولطالما رأينا أنّ الأهل يبذلون أقصى الجهود – نفسياً وفكرياً – لتربية ولدهم تربية صالحة حتى سن الثامنة عشرة؛ ولكن ليلة من الليالي الحمراء، أو سفرة إلى الأماكن المشبوهة، أو معاشرة منحرفة واحدة، تجعله ينقلب رأساً على عقب، ويا لها من خسارة كبرى! ولذا لابدّ من مراقبة الأولاد مراقبة دقيقة وكاملة مادام في ذلك صيانة لهم عن المفاسد، بمراقبة مَنْ يُعاشرون، وأين يذهبون، واستخدام الفخاخ التربوية المناسبة في هذا المجال.

من المؤثرات المحيطية على سلوك المراهقين هو الجو المدرسي، فمن الملاحظ أنّ المدرسة في هذه الأيام ترسم مساحة كبيرة من حياة الشباب، ومع هذا فإنّ من المؤسف أنّ بعض الآباء – من أجل التوفير المادي، أو القُرب المكاني، أو ما شابه ذلك – يختارون مدرسة منحرفة، أو معروفة بالأجواء التربوية غير السليمة أو المختلطة، لتكون منبتاً لأبنائهم. والحال أنّ الإنفاق المادي في هذا المجال هو استثمار مضمون النتائج، وهو أجدى بكثير من الإنفاق على كماليات الحياة!

من التوصيات العملية لتربية المراهقين هي الحوارية الهادفة، حيث نلاحظ أنّ الشباب في هذا العصر يملكون إطّلاعاً واسعاً، وقدرة تحليلية في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة.. وبما أنّ الساحة مليئة بالأفكار المستوردة، والانحرافات الثقافية، والمفاهيم الزئبقية التي يُساء الاستفادة منها، فإنّ من اللازم علينا أن نأخذ بيد الشباب الذين يعيشون شيئاً من الحيرة الفكرية التي هي من إفرازات الحرّية الفكرية! ولا يتم ذلك إلّا بالنقاش مع صدر واسع، بدلاً من المواجهة والاتهام بالانحراف أو الكفر، فإنّ ذلك من موجبات العناد والتمسك بتلك المفاهيم ولو من باب التحدّي والإغاظة!! وقد جاء بما يقرب من هذا المضمون الشريف: «أدِّبوا أولادكم بغير أدبكم، فإنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم».

ومن التوصيات العملية للآباء: إنشاء حالة من الصداقة مع الولد، والإبتعاد عمّا هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب (العصا والخيزران).

إنّ من شأن هذه الصداقة أن تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه – وهما الأعرف بما يصلحه – بدلاً من اللجوء إلى الغرباء! كما أنّ على الأب أن يختار بنفسه المجموعة السليمة من الأصدقاء كشباب المساجد مثلاً، قبل أن يختار هو بنفسه بطانة السُّوء.

ومن التوصيات المهمّة للآباء: هو إظهار حبّهم ومشاعرهم ورضاهم للأبناء، والابتعاد عن الإتهام وسوء الظن! حيث يلاحظ أنّ الولد عندما يرى نفسه متهماً في المنزل، فإنه سيفقد الثقة بنفسه، ومن هنا ينبغي على الأب الذي يرى من ولده بادرة حسنة، أن يستثمر الفرصة ويُشجِّعه ويمتدحه، مُعبِّراً عن ذلك بفرحة وجائزة. ومن المعلوم أنّ عامل الأجر والثواب من الأُمور المشجعة حتى للبالغين، وهو ما نلاحظه أيضاً في مجال الحث على المستحبات من قبل الشريعة السمحاء.

إذا كان الأمر الإلهي لموسى وهارون (ع) أن يقولا لفرعون قولاً ليناً، أليس من الأولى أن يكون قولنا لأولادنا – وهم رعيتنا قرة أعيننا وصدقتنا الجارية – من مصاديق اللين من القول! أليس في ذلك إمتثال لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) و(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ولنطلب العون من الله تعالى، وندعوه قائلين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) ليباهي الرسول (ص) بمثل هذه الذُّرّية، في قبال الأُمم الأُخَر يوم القيامة.►

ارسال التعليق

Top